تَأثِيرُ التيًاراتِ الدينِيَة في الوعي الاجتماعي للمرأة العربية 1 من 3 ...



شامل عبد العزيز
2009 / 6 / 23

في الندوة التي نظمتها الجمعية العربية لعلم الاجتماع وعقدت في القاهرة خلال الفترة 4 – 7 نيسان / أبريل قدمت الأستاذة ليلى عبد الوهاب ( أستاذة علم الاجتماع المساعد في كلية الآداب في بنها – مصر ) محاضرة بعنوان ( تأثير التيارات الدينية في الوعي الاجتماعي للمرأة العربية ) .. وجاءت المحاضرة ضمن كتاب يحمل عنوان ( الدين في المجتمع العربي ) والذي تم طبعه في بيروت مرتين .. الأولى حزيران / يونيو 1990 والثانية نيسان / أبريل 2000 من قبل مركز دراسات الوحدة العربية ولأهمية المحاضرة ( من وجهة نظر شخصية ) في الوقت الحاضر أحببنا أن ننشرها ..
اشترك في الندوة 31 باحثاً .. جاء تسلسل الأستاذة ليلى عبد الوهاب في الفصل الخامس عشر ص281 علماً بأن الكتاب يقع في 634 صفحة.. الموضوع مهم جداً بالرغم من مرور 20 عاماً أيضاً ( وجهة نظر شخصية ) .
جاءت محاضرة الأستاذة ليلى عبد الوهاب على الشكل التالي :
أولاً : ازدواجية الفكر والواقع في المجتمع العربي ..
ثانياً : ازدواجية الفكر وتأثيره في الوعي العربي عند المرأة ..
سوف نبدأ بالجزء – أولاً - ومقدمة بسيطة من – ثانياً- على أمل أن نتناول بقية الجزء الثاني والذي يتناول عدة محاور...
ولكن قبل ذلك أقول : أن هذه المقالة هي هدية إلى كل امرأة عموماً وسيدة تحاورني دائماً في هذا الموضوع خصوصاً .. آملين الرضا والقبول من قبل جميع القراء الأعزاء ..
أعتبر نفسي أنني قد ساهمتُ بجهد بسيط جداً من أجل الوصول إلى رؤية واضحة لحال المرأة في مجتمعاتنا.
ننقل عن الأستاذة ليلى عبد الوهاب ( باختصار وتصرف ) : المحور الأول :
إن إشكالية العلاقة بين الدين والمجتمع ليست جديدة على المجتمع العربي . فهي تتوارى من حين إلى أخر ولكنها ما تلبث أن تفرض وجودها على الساحة الفكرية والثقافية والسياسية للمجتمع من جديد . ( وهذا هو السبب الذي دفعني أن أتناول هذه المحاضرة ) .
وعلى عكس ما حدث في المجتمع الأوربي الذي مر بتطورات وتحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية . ساعدت على طرح القضية وحسمها بشكل عقلاني .. في ظل ما سمي عصور التنوير والنهضة .. فإن الوضع في المجتمع العربي قد ظل متخبطاً بين أنصار المجددين والمحافظين في الفكر الإسلامي . وبين أنصار العلمانية وذلك منذ منتصف القرن 19 وحتى الآن .
وعلى الرغم من تأكيد أصحاب الفكر العلماني من أمثال سلامة موسى ولطفي السيد وطه حسين وغيرهم ..
على إعمال العقل والمنطق والعلم في التعامل مع مختلف القضايا الفكرية والاجتماعية فان حجم التأثير والغلبة بخاصة في صفوف الطبقات الوسطى والشعبية ارتبطت في المقام الأول بالتيارات الفكرية الدينية سواء المحافظة أو المستنيرة . أكثر من ارتباطها بالتيار العلماني ( وهذه هي مصيبتنا ) . بينما أثمرت نفحات التيار العلماني بدرجات متفاوتة بين صفوف المثقفين العرب الذين سعوا بدورهم إلى الدخول في حوارات من خلال آرائهم وكتاباتهم مع التيار الديني .. أكثر من سعيهم إلى اختراق صفوف الجماهير والعمل على تنويرها ورفع الوعي لديها .
وليس من قبيل المبالغة القول : إن تاريخ الفكر العربي الحديث والمعاصر قد تميز بقدر كبير من الازدواجية والانفصام .. والازدواجية المقصودة هنا : تعايش التيارات والاتجاهات الفكرية المختلفة سواء في فترة تاريخية واحدة أو على مدى فترات متعاقبة ..أما الانفصام فالمقصود به : ذلك التناقض بين الفعل والقول من ناحية والتناقض بين الفكر والممارسة من ناحية أخرى ( تناولنا هذه الثنائية في مقالة سابقة ) .
إن ازدواجية الفكر العربي تعكس في حقيقة الأمر ازدواجية الواقع بأنماط إنتاجه وعلاقاته المتداخلة .. حيث يتعايش في تكوينه الاجتماعي والاقتصادي الواحد أو المتعاقب أكثر من نمط أنتاج .. فهناك النمط شبه الإقطاعي والنمط شبه الرأسمالي والنمط شبه الاشتراكي . وهناك أيضا المجتمعات القبلية ذات العصبية الثقافية والاجتماعية .
إن ذلك التداخل والتعايش بين أكثر من نمط إنتاج لم يكتمل نضجه الاقتصادي الاجتماعي . قد أنتج وافرز سمات التخلف التي ساعد على تكريسها النظام الاستعماري القديم وعلاقات التبعية بالنظام الرأسمالي العالمي الجديد .. ومع هذا فإن العلاقة بين الفكر والواقع في المجتمع العربي لم تتخذ شكلاً آلياً خالصاً بل لعبت الظروف السياسية والاقتصادية للمجتمع في مراحا تطوره المختلفة دوراً في تغليب أحد التيارات الفكرية على غيرها من التيارات.. وإن كانت لا تخرج في معالمها عن الإطار الديني حيث من المعروف تاريخياً أن الثقافة والتعليم الديني إلى وقت قريب كانا المصدرين الأساسيين في تشكيل الفكر والعقل العربيين .. وهنا ارتبطت عملية التجديد والمحافظة في الفكر الإسلامي بمراحل النهوض والإصلاح الاجتماعي أو بمراحل التدهور والانحطاط .( سيد عويس . الازدواجية في التراث الديني المصري ص9 – 10 ) .
فإذا أخذنا حالة مصر على سبيل المثال باعتبار أنها أقدم البلدان العربية إدخالاً لنظم التعليم الحديثة فسوف نلاحظ أن الطابع الغالب على التعليم كان ينطلق من نظام الكتاتيب وينتهي بعالمية الأزهر .. وعلى الرغم من أن محمد علي قد أدخل بعض التعديل على هذا الوضع بإنشائه مدارس عليا للهندسة سنة 1816 والطب سنة 1827 التي الحق بها سنة 1837 مدرسة الصيدلة ومدرسة القابلات والولادة وغير ذلك من المدارس العليا المتخصصة والمدارس الحربية .. كذلك إرساله البعثات العلمية إلى فرنسا وغيرها من الدول الأوربية فإن الطابع الديني المحافظ ظل هو المهيمن على أنماط التفكير والتعليم والثقافة والسلوك بشكل عام بخاصة بين أبناء الطبقات الشعبية الفقيرة .( عبد الرحمن الرافعي . عصر محمد علي ص 465 – 467 ) .
وهذا بدوره يؤكد حالة الازدواجية والانفصام في الفكر العربي الحديث فيما برزت على الساحة الثقافية أفكار وآراء تدعو إلى التنوير والإصلاح لتواكب النهضة السياسية والعسكرية بكل مستلزمات بنائها الاقتصادي والإداري . تجسدت في كتابات كل من الأفغاني ورفاعة الطهطاوي وعلي مبارك ومحمد عبده وقاسم أمين ظلت الغالبية العظمى من أبناء الطبقات الشعبية الفقيرة القابع معظمها في قرى مصر تتلقى تعليمها ومعارفها من الكتاتيب عن طريق الفقهاء التقليديين الذين لم يهتموا سوى بتحفيظ القرآن ( عليَة علي فراج : التعليم في مصر بين الجهود الأهلية والحكومية ص53 ) . إضافة إلى بعض عناصر الثقافة الشعبية التي ساهمت بدورها في تشكيل المفاهيم التي وجهت أنماط السلوك وأساليب الممارسة لدى أبناء هذه الطبقات من الجنسين ( سيد عويس : من ملامح المجتمع المصري المعاصر ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الأمام الشافعي ) .
في ظل هذا الوضع أخذت حركة التجديد في الفكر الإسلامي طريقها في التنامي والانتشار ولاقت ذيوعاً في أوساط المثقفين في المدن بصفة خاصة وتجسدت في الكثير من الحوارات الصاخبة التي امتلأت بها صفحات الجرائد والمجلات وصالونات الفكر ..حول كثير من القضايا الوطنية والاجتماعية . من أبرزها قضية تحرير المرأة التي كانت ترزح في ذلك الوقت تحت عبودية عصر الحريم بكل ما يحمل من ملامح
وسمات القهر والاضطهاد . أما عن أهم وأبرز المسائل التي تناولها المجددون الإسلاميون في أطار دعوتهم إلى تحرير المرأة هي مسائل الحجاب والانزواء المنزلي والتعليم وتعدد الزوجات والطلاق إلى غير ذلك من مسائل الأسرة والزواج ( ليلى عبد الوهاب : مواقف المرأة بين الوافد والتراث ص 151 ) .
إن قيمة وأهمية الأفكار والآراء التي نادى بها المجددون الإسلاميون كانت تنبع من قدرتها على التمرد والثورة على الأوضاع القائمة التي تميزت بالتخلف والجمود في ظل علاقات الإنتاج الإقطاعية . فكانت بمثابة الايدولوجيا المعبرة عن الطبقة البرجوازية الناشئة ( لويزا شايدولينا : المرأة العربية والعصر ص57) .التي تستهدف التطور بالمجتمع من مرحلة الإقطاع والانتقال به إلى المرحلة البرجوازية بكل ما تعني هذه المرحلة من استنارة ومواءمة بين تدين الشرق وعلمانية الغرب وعقلانيته مستفيدين في ذلك مما للإسلام من مواقف ومبادئ تنتصر للعقل وترفض الكهنوت والسلطة . ومن كل ما تتطلبه هذه المرحلة أيضاً من إعلاء لشأن العمل ونقد لقيم التبطل التي تميزت بها مجتمعات الإقطاع وكبار الملاك والدعوة إلى إشاعة روح التنافس والطموح وتنبيه الناس إلى أهمية التجارة والصناعة وتكوين الشركات وخوض غمار المنافسة والمخاطرة في هذه الميادين ضد أوربا التي كانت تزحف لنهب ثروات المجتمعات الشرقية سواء في صورة شركات وجاليات ومغامرين أو في ظل جيوش وسلطات احتلال تحمي ذلك النهب والاستنزاف..
وعلى الرغم من أن مناهج المواءمة بين العقلانية والاستنارة في الفكر الإسلامي التي اتبعها مفكرو التجديد والإصلاح كانت تمليها الشروط الموضوعية للواقع الاجتماعي الاقتصادي المتغير فإنها قد أرست في الوقت نفسه مبدأ الازدواجية في الفكر الاجتماعي الحديث . ويؤكد ذلك ما تتسم به الحياة الفكرية المعاصرة من توار للأفكار المستنيرة وصعود للفكر السلفي الرجعي . فالمصدر في كلا الحالتين هو الفكر الإسلامي والمحدد لطبيعة الأفكار سواء كانت مستنيرة أو سلفية رجعية هو شروط الواقع الموضوعي .. وما يعكسه من إيديولوجيا تنظر إليه وتبرر مصالح الطبقات السائدة فيه .. فبينما عبرت أيديولوجيا المجددين عن البرجوازية الوطنية الناشئة فإن أيديولوجيا الأصوليين التي صعدت وتنامت بشكل ملفت للنظر خلال العقدين الأخيرين . إنما تعبر عن مصالح البرجوازية الكومبرادورية التي ترتبط ارتباطا وثيقاً بعلاقات التبعية للنظام الرأسمالي العالمي..
هذا بدوره يطرح تساؤلاً مهماً حول طبيعة تطور البرجوازية العربية وما إذا كانت قد فقدت بالفعل مقومات وشروط نموها الذاتي ( مهدي عامل : أزمة الحضارة العربية وأزمة البرجوازية العربية) .
المحور الثاني :
إن جدلية العلاقة بين الفكر والواقع تلعب دوراً مهماً في تشكيل الوعي لدى الأفراد والجماعات . لقد تميز الخطاب العربي الحديث ممثلاً في تيار المجددين في تناوله لمسألة المرأة بالدعوة إلى التحرر من أغلال عصر الحريم الذي كان يعبر عن طبيعة العلاقات الاجتماعية والإنتاجية السائدة في ذلك الوقت لذلك فإن دعوتهم قد تركزت على المناداة بالسفور والدعوة إلى تعليم المرأة تعليماً حديثاً مختلطاً .. كما أعطوا اهتماماً واضحاً لمسائل الأسرة والزواج وطالبوا بتقييد التعدد والطلاق .. ولم تتوقف دعوتهم عند تناول هذه المسائل فقط بل طالبوا برفع القيود المفروضة على المرأة في إطار العزلة والانزواء المنزلي .. وأكدوا على أهمية خروجها إلى المجتمع ومشاركتها في مختلف أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
ظهرت الإرهاصات الأولى لحركة المجددين في إطار دعوتهم إلى تحرير المرأة بنشر كتاب ( المرشد الأمين للبنات والبنين) للعلامة رفاعة رافع الطهطاوي .. وفيه دعا إلى التعليم المختلط للفتيان والفتيات واعتبروه ضرورة من أجل ( تسهيل وتحسين عملية عقد القران) . كما أكد على أن تعليم المرأة يجعلها قادرة على مشاركة الرجل في الأحاديث وتبادل الآراء ويعزز مكانتها في قلوب الرجال ويحميها من الهلاك في وهذه الأوهام والطيش فتتحول من إمرأة جاهلة إلى متعلمة ..
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الطهطاوي قد أدرك أهمية الدور الإنتاجي للمرأة وقد ربط بين التعليم والعمل بقوله :
إن التعليم يساعد المرأة لأن تحدد لنفسها مكاناً في الحياة يعودها على العمل فالعمل في الحقيقة يصون المرأة ويدنيها من الفضيلة وإذا كانت بطالة الرجل مدانة فإنها عار كبير بالنسبة للمرأة ..( أحمد طه أحمد : المرأة كفاحها وعملها ) .
وقد خطا قاسم أمين بهذه الأفكار خطوات مهمة عندما أخضع قضية تحرير المرأة وغيرها من القضايا الاجتماعية للمنطق العلمي فقد كان من المؤمنين بتطبيق مبادئ المنهج العلمي عند تناول قضايا المجتمع والأسرة متأثراً في هذا بأوغست كونت فرأى أن :
الحضارة تبنى على العلم الطبيعي والرياضي وأن على المفكرين تمثل درجة التقدم العلمي في مجتمعاتهم لأنه إذا تقدم العلم وظل الفكر على حاله نتيجة لتمسك الناس بقديمهم وتراثهم فهنا تحدث الازدواجية والخلل في المجتمع.
وقد أراد قاسم أمين أن يصلح الخلل القائم في مسألة المرأة بناء على ما أثبته العلم الطبيعي الحديث من أن المرأة مساوية للرجل عقلاً .. ومع ذلك يرفض الناس تغيير عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم .. أي تغيير فكرهم بما يتفق وهذه الحقيقة. ( زينب الخضري : قاسم أمين : المرأة الجديدة ص14) .
ويتابع قاسم أمين آراءه المتقدمة في مسألة المرأة .. ليس قياساً على معاصريه في الشرق والغرب فقط بل قياساً على ما هو سائد على الساحة الثقافية من أفكار وآراء تحط من شأن المرأة ومن طبيعتها وأدوارها الاجتماعية ..
فيؤكد على أنه إذا كانت هناك ثمة اختلافات فيزيولوجية وتشريحية بين الرجل والمرأة فإن هذه الاختلافات لا تعني البتة أن الرجل أفضل من المرأة وأرقى من المرأة .. ولا يرجع هذا الاختلاف إلى الفوارق الطبيعية إنما إلى الاختلاف في التربية مما تراكمت آثاره عبر الأجيال .. فأدت إلى التباين بين الجنسين .. فالفارق قد صنعته في الأساس الظروف الاجتماعية التي استمرت دهراً طويلاً وفرضت على المرأة هذه المكانة المتدنية . ( قاسم أمين : تحرير المرأة ) .
وللحديث بقية ...