تَأثِيرُ التيًاراتِ الدينِيَة في الوعي الاجتماعي للمرأة العربية 2 من 3 ...



شامل عبد العزيز
2009 / 6 / 24

أعطى قاسم أمين مسألة الحجاب أولوية كبيرة في كتاباته سواء في تحرير المرأة أو المرأة الجديدة . وقد بين أن الحجاب ما هو إلا طور من أطوار حياة المرأة . وأنه تلاشى في كثير من الأمم المتقدمة .. والحجاب عند قاسم أمين لا يعني الحجاب في الملبس فقط بمعنى حجب الجسد إنما الحجاب عنده يعني في المقام الأول أن ( تحتجب المرأة ) أي تقتصر قي بيتها وتستر وجهها إذا خرجت .. لذا فإن دعوته إلى رفع الحجاب كانت مرتبطة إلى حد بعيد بالدعوة إلى المشاركة الاجتماعية للمرأة في مختلف نواحي المجتمع بل يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يتناول تناولاً علمياً تأثير الحجاب في البناء النفسي والجسدي والعصبي للمرأة . فيقول :
إن الحجاب من شأنه أن يخل بنظام الجسد وهو يضعف الأعصاب مما يجعل القوى النفسية تختل..
وفوق كل هذا فقد رأى أن الحجاب هو بمثابة أثر من أثار الاستبداد الذي كبل الحياة السياسية المصرية لمدة طويلة نظراً إلى كون الأسرة وكل قيمها وتقاليدها تعكس بصدق شكل النظام السياسي الذي تعيش في كنفه ..
لقد فُرض الحجاب في رأيه قديماً على المرأة لإعلان ملكية الرجل لها واستئثاره بها .. أما الآن وقد مضى هذا الاسترقاق إلى حال سبيله .. فكيف نقبل أن يظل مظهره موجوداً في مجتمعنا ..
إن الخلاص من الحجاب بمعناه الكريه أول خطوة في سبيل حرية المرأة وتقدم المجتمع ..
ومن الملفت للنظر بالفعل وعيه العلمي الاجتماعي بالعلاقة بين استبداد النظام السياسي وعبودية الرجل للمرأة بقوله :
انظر إلى البلاد الشرقية تجد أن المرأة في رق الرجل .. والرجل في رق الحاكم .. فهو ظالم في بيته مظلوم إذا خرج منه .. ويضيف :
إنه لا الإسلام ولا طبيعة الأشياء ولا خصائص ضعف المرأة وقصورها هي التي ميزت بين الرجال وبين النساء وقسمت شؤون الحياة بينهم تلك القسمة الغير عادلة وإنما هو الاستبداد الذي جعل من المرأة إحدى فرائسه فكبلها بالقيود والأغلال .. ومن ثم فإن تحررها مرتبط بتحرر الرجل من الاستبداد .. أي بتحرر المجتمع كله ..
هذا ولم يفت قاسم أمين تناول مسألة من المسائل المهمة في الدعوة إلى تحرير المرأة .. ألا وهي مسألة عمل المرأة واستقلالها الاقتصادي .. حيث يرى أن الاحتجاب عن المجتمع والبطالة من شأنهما قتل كل فضيلة في النفس .. وعلى ذلك : فإن النساء اللاتي يعملن وقتهن بحيث ينجحن في أعمالهن ويقمن بواجباتهن تجاه أسرهن على خير وجه.. فإذا كانت المرأة تميل إلى الرذيلة وهذا ما لاحظه في وقته بين المسلمات المقيدات داخل جدران المنزل والمتخفيات تحت ستار الحجاب .. لا يرجع إلى طبيعة المرأة إنما يرجع في الحقيقة إلى ظروف المرأة .
يعود قاسم أمين فيؤكد على أهمية عمل المرأة ودوره في تحريرها إذ يقول :
لو تبصر المسلمون لعلموا أن إعفاء المرأة من أول واجب عليها وهو التأهل لكسب ضرورات الحياة بنفسها هو السبب الذي جر ضياع حقوقها .. فإن الرجل لما كان مسئولا عن كل شيء استأثر بالحق في التمتع بكل حق .. ولم يبق للمرأة حظ في نظره إلا كما يكون لحيوان لطيف يوفيه صاحبه ما يكفيه من لوازم تفضلاً منه على أن يتسلى به ..
أثارت آراء ومؤلفات قاسم أمين ردود فعل قوية وحظيت بمقاومة عنيفة بخاصة من علماء الدين المحافظين وغيرهم من رجال السياسة والفكر من أمثال عبد المجيد خيري ومحمد طلعت حرب وعبد الله جمال الدين( كبير القضاة) ومختار أحمد فريد . وقد وصل الأمر إلى اتهامه بخيانة مصالح الأمة .
أمام هذا الهجوم الشديد اضطر قاسم أمين أن يصوغ باقتضاب مطالبه في خمسة هي :
تحريم تعدد الزوجات .
تقييد حق الرجل في الطلاق .
تعليم المرأة .
ضمان حق المرأة في العمل .
إلغاء الحجاب .
وعلى خلاف أولئك المحافظين وجد قاسم أمين الدعم والتشجيع من علماء الدين المجددين من أمثال محمد عبده الذي كانت تربطه به علاقة وصلت إلى حد اتهام محمد عبده بتحرير كتاب ( تحرير المرأة) لقاسم أمين . حيث أن الأخير كان يلجأ إلى أستاذه ليستنير بآرائه ويقرأ عليه فصولاً من كتبه وأعماله .
وإذا كان قاسم أمين قد أعطى أولوية بمسائل الحجاب والتعليم والانزواء المنزلي وقبله رفاعة الطهطاوي .. فإن محمد عبده أعطى أهمية وأولوية لمسائل الأسرة والزواج والطلاق والتعدد والنفقة . إلى غير ذلك من الأمور .
وعلى عكس قاسم أمين الذي حاول أن يطرح القضية طرحاً علمياً مستنداً إلى المنهج العلمي في دراسة التاريخ والمجتمع .. سعى محمد عبده إلى التوفيق بين العلم والدين . ولم يقف عند حدود الدعوة بل تجاوزها بإصدار العديد من الفتاوى التي تمتعت بالروح الليبرالية وبالرغبة في إظهار الإسلام كدين يتلاءم ومتطلبات العصر .
وذلك خلال الفترة التي شغل فيها منصب مفتي الديار المصرية .. حذر من البداية من محاكاة الأوربيين عن طريق نقل أفكارهم وعاداتهم ورأى أن السير بشكل أعمى في تقليد الغرب لن يؤتي إلا نتائج سطحية محدودة ..
في إطار دعوته إلى تحرير المرأة وقف محمد عبده بشكل خاص ضد مسألة تعدد الزوجات وسعى إلى حلها بالشكل الذي يتناسب وروح الشريعة انطلاقاً من إيمانه بأن : تخليص العالم الإسلامي من الانحطاط : يتوقف على توجيه الجهود لإصلاح العلاقات الأسرية الزوجية .. أراد محمد عبده في هذا المجال أن يوفق بين مصالح الطبقة البرجوازية الناشئة وبين القوانين الإسلامية .. فقد صار واضحاً أن تعدد الزوجات لم يعد يتفق ومصالح المالكين الذين لا يرغبون في تبديد ملكياتهم بين أطفال عديدين من زوجات مختلفات ..
هذا وقد قدم محمد عبده آراءه في مسألتي النفقة وفسخ عقد الزواج في دراسة مستندة إلى الشريعة ( المذهب المالكي ) وصاغها في إحدى عشرة نقطة .. كانت أهمها الفتوى الخاصة بإعطاء المرأة حق فسخ عقد الزواج إذا تصرف معها الزوج بقسوة أو سمح لنفسه بضربها أو شتمها .. وقد أثرت هذه الفتوى تأثيراً كبيراً في تشريعات البلدان الإسلامية الأخرى .
هذه نماذج من آراء أبرز المجددين الإسلاميين انطلقت منذ قرن مضى لتواكب التغيرات التي تميز بها الواقع الاجتماعي في ذلك الوقت ..
السؤال الذي يفرض نفسه : هو كيف انعكست هذه الأوضاع وأثرت في وعي المرأة حينذاك ؟
ولكن قبل ذلك ما هو مفهوم الوعي العربي عند المرأة ؟ أو ما ذا يقصد به ؟
تقول الأستاذة ليلى عبد الوهاب :
وعي المرأة بذاتها .. أي صورة الذات لديها .. أي اقتناعها واعتزازها بكونها أنثى وامرأة .. وبالتالي التعامل مع جسدها وعقلها بنوع من الثقة والاستقلال وعدم إحساسها بالدونية نتيجة لوجود فروق تشريحية بينها وبين الرجل
وعي اجتماعي .. ينقسم إلى :
وعي يتعلق بعملية تقسيم العمل الاجتماعي بين المرأة والرجل في المجتمع .وفهم المرأة وإدراكها للأسباب والأبعاد الاجتماعية التاريخية لعملية التمييز بينها وبين الرجل في العمل والتعليم والأسرة والمشاركة السياسية إلى غير ذلك من مجالات .. كذلك إيمانها بأهمية دورها الاجتماعي ومشاركتها في بناء المجتمع وتنميته .
وعي يتعلق بعملية تقسيم العمل داخل الأسرة بينها وبين الرجل . وفهم وإدراك أن هذه العملية لا تعود إلى حتمية الفروق البيولوجية كما يدعي الكثيرون وان عملية الإنجاب ليست في الحقيقة السبب الرئيسي وراء حصارها في الأدوار التقليدية العائلية التي تفرض عليها أشكالاً من القهر والاضطهاد الاجتماعي والقانوني والثقافي والسياسي . بل إن عملية تقسيم العمل والتمييز بين المرأة والرجل داخل الأسرة وما تتميز به من علاقات تقوم على السلطة الأبوية إنما تعود في الدرجة الأولى إلى عوامل وأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية تراكمت تاريخياً وانضوت تحت ما يسمى الحتمية البيولوجية .
وعي يتعلق بانتمائها الطبقي وقدرتها على فهم وإدراك أبعاد الصراع الاجتماعي والاستغلال الطبقي القائم في المجتمع وانعكاس هذا على وضعيتها في المجتمع والأسرة .
وعي سياسي يتعلق بفهم وإدراك طبيعة النظام السياسي القائم بعلاقاته الداخلية وارتباطاته الخارجية . وإلمام واستيعاب لأهم القضايا والتحديات السياسية على المستوى الوطني والقومي والدولي . وجدير بالذكر أن تلك الجوانب التي تشكل الوعي عند المرأة لابد من أن تعبر عن نفسها في إطار حركة ونضال سواء كان نضالاً جماهيرياً أو تنظيماً . فالحركة بمؤشراتها كفيلة بان تكشف عن عمق ونضج الوعي أو عن تخلفه وتزييفه .
إن الوعي لا ينمو بعيداً عن المؤثرات الاجتماعية والسياسية والفكرية السائدة .كما أن هذه المؤثرات لا تساهم بالضرورة في نمو الوعي في مختلف الجوانب السابقة الإشارة إليها بل قد ينمو في جانب ويظل متخلفاً في بقية الجوانب .. وأحياناً يحدث العكس . أي أنه بفعل مؤثر من المؤثرات قد يكون سياسياً وطنياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً .. يرتفع الوعي في جانب فيساهم بدوره في إنضاج غيره من الجوانب .
وبتطبيق المفهوم السابق عن الوعي على الحركة النسائية الحديثة والمعاصرة يمكننا فهم طبيعة هذه الحركة وما تعرضت له من تناقضات بفضل المؤثرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وما تعكسه من أطر ثقافية وفكرية تعبر عنها وعن مصالح الطبقات السائدة في كل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي للمجتمع .
لقد ساهمت مجمل الأوضاع السائدة في مصر منذ أوائل القرن وصعود أسهم التيار الفكري الإصلاحي بقدر وافر في إنضاج وعي الجماهير بشكل عام ووعي المرأة بشكل خاص . وقد أثمر هذا في إطار حركة جماهيرية ذات بعدين تزامناً وتواكباً وأثر كل منهما في الأخر .
فبينما أخذ الوعي الوطني بين طبقات المجتمع وفئاته ينمو حتى توج بثورة عام 1919 . أخذ وعي المرأة المصرية في التبلور حتى تجسد مشاركتها الفعالة في كل مرحلة من مراحل الثورة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ المصري الحديث ..
كانت ثورة عام 1919 بمثابة المخاض الذي خرج من رحمه جنين حركة نسائية وليدة انخرطت فيها النساء بين الجماهير غير عابئات بكل القيود الاجتماعية والثقافية المفروضة عليهن . فخرجن في مجموعات بقيادة هدى شعراوي ورفيقاتها يجبن أحياء القاهرة هاتفات بحياة الوطن والحرية والاستقلال مطالبات بسقوط الحماية . مواجهات لجيوش المحتل الأجنبي بأسلحته النارية . فاستشهد بعضهن وجرحت كثيرات .( آمال ألسبكي : الحركة النسائية في مصر ما بين الثورتين ص24)..
منذ تلك اللحظة التاريخية أخذ مسار الحركة النسائية في التشكل وبدأ بتكوين لجنة الوفد المركزية للسيدات . ثم جمعية نهضة السيدات ثم اللجنة السعدية للسيدات . حتى 16 آذار / مارس 1923 عندما قررت هدى شعراوي ورفيقاتها تكوين تنظيم نسائي يقوم على أنقاض لجنة الوفد المركزية سمي الاتحاد النسائي المصري . أولى برنامجه أهمية للطابع السياسي أكثر من المطالب الاجتماعية النسوية .
استمر كفاح المرأة ليس في مصر فقط بل في غيرها من الأقطار العربية مرتبطاً بحكم الظروف السياسية بالنضال الوطني بالدرجة الأولى فدور المرأة الجزائرية في حرب التحرير وانضمامها إلى صفوف الفصائل الفدائية من أجل الدفاع عن حرية الوطن والذود عنه .. يشهد بقدرتها على مواجهة ومقاومة المستعمر الفرنسي المجهز بالعتاد الحديث والمدعم من قبل الدول الامبريالية حتى استطاعت مع رفقائها الرجال إلحاق أكبر هزيمة بهم وتحقق الاستقلال الوطني .
معروف أيضاً دور النساء العراقيات .. والأمثلة كثيرة حول دور ومشاركة النساء العربيات في حركات التحرر العربية .. إلا أنه تبقى حقيقة واحدة لا بد من التأكيد عليها وهي أن حركة النساء العربيات بدأت بوعي سياسي وطني فرضته ظروف مرحلة ما قبل الاستقلال في حين لم يتشكل وعي اجتماعي ناضج بالدرجة الكافية .. فظلت حركة النساء في المجتمعات العربية مرهونة بالانتصارات الوطنية والانتكاسات السياسية على الرغم من توجه بعض هذه الحركات نحو العمل الاجتماعي والوعي بالمشاركة الاجتماعية .
وإلى الجزء الثالث والأخير ...