ألاستاذ شامل عبد العزيز .. وجهده المتميز لبيان تأثير التيارات الدينية في الوعي الاجتماعي للمرأه .



حامد حمودي عباس
2009 / 6 / 27

كعادته دائما في عرض المفيد ، فقد حاول الاستاذ شامل عبد العزيز ، ومن خلال دراسة مستفيضة أساسها ندوة كانت الجمعية العربية لعلم الاجتماع قد عقدتها في القاهره ، حاول أن يتعرض لموضوع ( تأثير التيارات الدينية في الوعي الاجتماعي للمرأة العربيه ) .. وقد اعتمد الاستاذ شامل في معالجته تلك والمنشوره على موقع الحوار المتمدن بأجزاء ثلاث ، على أصل محاضرة ساهمت فيها الاستاذه ليلى عبد الوهاب احتوت ذات الموضوع .
مع تقديري العالي للجهد البين في تلك الدراسه ، فقد وجدتني ميال لمحاورة جانب هام من جوانب ذلك الجهد ، والمتعلق أساسا في محور التشخيص بعد عملية عرض الفكره .. التشخيص الذي أراه ويراه جميع المهتمين بمعالجة المشكل الاجتماعي العربي بكل صنوفه ، على أنه وفي الكثير من الاوقات يبدو أهم من كل ذلك الدوران الممل والمتخذ لمسار العرض المسهب للتاريخ .
فمهما بالغنا في أمر التعرض لفصول التاريخ كي نثبت حزمة معينة من الافكار ، يبقى الواقع الحالي هو المعول عليه في عملية التفسير المنطقي ومن ثم الذهاب الى حيز التشخيص، كي يكون الجهد متسم بالمنفعه ..
ألدين .. ذلك المارد الشاخص في أية لحظة تاريخية مضت وستأتي ، لم يتوارى تأثيره أبدا حتى يظهر من جديد كما تقول الدراسه ، فهو حاضر بكامل طاقته على الدوام ، غير انه احيانا يتخذ موقف المراقب لا غير، ليتحرك من جديد ضاربا في المكانات المناسبه وفي الوقت المناسب .. ونحن في العراق وعبر ما نتذكره من تاريخ ، فقد كان لرجال الدين وعلى طول الخط ، ومهما تباينت مواصفات الانظمة المتعاقبة في حكم البلاد ، الدور الاكثر تأثيرا في مجتمعنا من خلال ممارسات وان كانت خفية في بعض الاحيان ، بحيث بدت سيطرتهم واضحة على عموم الشرائح الفقيره والتي تشكل غالبية الشعب العراقي .. وفي مصر ايضا لم تبدأ مراحل التأثير الديني بظهور حركة الاخوان المسلمين، والا فماذا تعني تلك الصور المأساوية من صنوف الجهل والفقر وممارسات هي في جلها انعكاسا لمعتقدات دينية باليه جعلت من بعض النساء يؤمن بان الجن يضاجعهن في فراش الزوجيه بين الحين والآخر، وكان ذلك قبل ظهور حركة الاخوان بكثير ؟ .. وما علاقة حركة الاخوان المسلمين في ظهور شتى صنوف الهلوسة الجسدية والفكرية في المجتمع المصري والسوداني والعراقي واليمني وغيرها من المجتمعات العربية ومنذ زمن بعيد سبق ظهور حركتهم أيضا ؟ .
وما دام الحديث يجري عن المرأة في الوطن العربي ( هكذا يطيب لي تسميتها وهو أقرب للمنطق لان الوطن العربي فيه الملايين من غير العرب ) .. فأنني استغرب من أمر وضع حدود فاصله لنميز من خلالها مراحل كانت المرأة فيها اكثر تحضرا ومن ثم انتقلت بقدرة قادر الى مراحل جديده هي اقل في ذلك .. وما نسميه بعصور ( التنوير والنهضه ) ما هي الا كذبة كبرى نحاول من خلالها محاكاة فشلنا بشيء من العطف وكسب الراحة .. والا متى كانت النساء العربيات وغيرهن من القوميات الاخرى قد افلحن في الحصول على حق واحد من حقوقهن سواء قبل او اثناء او بعد ما نسميه بعصر النهضه ؟؟ ..
لقد كان لكفاح التنويريين امثال سلامه موسى وقاسم أمين ورفاعه الطهطاوي وامثالهم في العراق والجزائر وسوريا ولبنان من أجل تحقيق التغيير في الحياة يعتبر جزئيا ، ولم يتجرأ أحد منهم على محاكمة النص المقدس بطريقة مباشره ، وما ظهر هنا وهناك من تحولات يمكن اعتبارها اكثر تطورا في حياة المرأة لم يكن بتأثير افكارهم ، وانما اقتصر الامر على سلوكيات خاصه ركنت لها بعض النساء ممن كتب لهن الاختلاط بالمدنية الوافده مع عوائل غير عربية في الاصل ، بدليل بقاء المرأة البعيده عن مراكز المدن اسيرة لقهر الفكر الديني المتخلف ولحد الان .
ثم انني اجدني في حيرة حقيقية أمام واقع نقسم فيه حملة الفكر الديني الى متنورين ومحافظين ، كما يجري الان وبشكل مزري النظر الى المتخاصمين في النظام الايراني حبنما يجري التناغم مع لعبة الاصلاحيين والمحافظين .. في حين تقول الحقيقة بأن رجال الدين وغيرهم من دعاة الفكر الديني هم في آخر الامر ستتوحد كلمتهم ومواقعهم حينما يجري التعرض لنصوص المقدس مهما تباينت افكارهم في تفسير ظاهرة حياتية هنا او اخرى هناك .
الحجاب والاعتكاف في المنازل بالنسبة للمرأة لا يمكن التعرض له من فوق تلة بائسة لا تطل على كامل أوجه الواقع المزري والذي تعيشه المرأة عموما في بلادنا ، هذا الواقع المبتلى أساسا بارضة لا تبدو متهاونة خلال أية مرحلة من مراحل التاريخ القريبة والبعيده في نخر كل مظاهر الحياة وبضراوة متناهيه .
النص المقدس والخوف من ازالته عن مسار الحياة لتحل محله نواميس حضارية جديده لا علاقة لها به ، هو مربط الفرس ، وعند هذا الحد تتوقف كل محاولات التجديد للتراجع في نهاية الامر أمام قوة وتحدي الفكر الديني المستند أساسا على قوة عارمه قوامها الفقر واللاوعي وتخدير العقول . وعند هذا الحد تنتهي جميع مظاهر التنوير الفكري لدا من نسميهم اصلاحيين دينيين ودعاة التغيير من نفس وسط رجال الدين .. حيث تبقى دائما انصاف الحلول هي المطروحه ، تهاجمها بضرارة قدسية النص غير المسموح بالتلاعب فيه مهما حاولوا تجميله وتشذيبه والسعي الى دفع تعاليمه المتجمده لتتلائم مع حيثيات جديده عافت ذلك المقدس وركنته على الرف . انها اشكالية حقيقية تلك التي نراها ضمن صراع يتسم بالعبثية بين ما نسميه بفكر التنوير والاصلاح الاجتماعي المرتكز على محاولات تغازل الفكر الديني ولا تتعرض له بشجاعة لتدفعه الى الخلف ، وبين واقع مريض أصلا لا ينفع به الغزل في التعامل ، ومن هنا صارت قضية حقوق المرأة ومنذ زمن طويل ضحية للاخذ والرد غير المجدي حينما تجري معالجة اشكالية حقوقها وبطريقة لا توحي بالمصداقية المتكاملة في الطرح ، وانما لاجل تسويق الافكار لا غير .
لقد أصابت الدراسة كبد الحقيقة في معرض بحثها عن اسباب وتأثيرات الفكر الديني على واقع المرأه حينما ذهبت الى أن( المثقفين العرب قد سعوا بدورهم الى الدخول في حوارات من خلال آرائهم وكتابابتهم مع التيار الديني ، أكثر من سعيهم الى اختراق صفوف الجماهير والعمل على تنويرها ورفع الوعي لديها ).. وبالامكان مراجعة العديد من مقالاتي والتي تصب بذات الاتجاه ، فقد سعيت دوما الى أن يعاف كبارنا من المثقفين البارعين في مهنة الطرح الثقافي عموما ميدان الاخذ والرد ضمن مساجلة لا نهاية لها مع فرسان الفكر الديني بنوعيه( الاصلاحي المتنور والمحافظ) ، والركون مباشرة الى محاكاة الواقع الراهن من حضارات متطوره فرضت نفسها على الجميع بما فيهم اولئك الكذابين المنافقين من اصحاب الفقه الديني المتخلف .. وقلت في أكثر من مناسبة بأنهم يرغبون تماما في أن تبقى المساجلة في ميدان كهذا سوف يثبت لهم وجودا سيخسرونه لو كان الحديث مثلا عن فوائد الانترنيت وتمجيد مخترعيه ، وقلت ايضا بأنه ليس أكثر بؤسا من أن يجري العالم ورواء اكتشاف دواء نافع لسرطان الثدي ، في حين نتقاتل نحن حول مسألة صحة فتوى ارضاع الكبير من عدمه .
ما أريد قوله في النهايه هو أن المرأة والرجل شأنهما شأن كل جوانب الحياة المزريه في الوطن العربي ، هما ضحية لانعكاسات الفكر الديني الموغل في التخلف ، والقول بخلاف ذلك هو اما مكابرة فارغه ، أو أنه انتماء لذات المعين والمليء بخليط غير متجانس من الافكار غير المنسجمة حتى مع ألاحاسيس الحقيقة للقائلين بها ، حينما يواجهون متطلبات المنطق لا التزييف . ومن هنا فقط كانت للفلاسفه القدامى والمعاصرين خطوة اولى في مسارهم الهادف الى خلق الجديد حينما ابتدأوا بمحاربة الفكر الديني بشتى اشكاله قبل أن يتوغلوا بطرح بقية افكارهم الاخرى .
يبقى لي أن أحيي الاستاذ شامل عبد العزيز ، والتمسه بأن يعتبر سطوري هذه هي لمشاركته في حوار مجرد لقضية مهمة له الفضل بطرحها كما عهدناه دائما .