المرأة...الشعوذة أية علاقة؟؟ / الجزء الخامس



فاطمة الزهراء المرابط
2009 / 7 / 17

ماذا سننتظر من امرأة تؤمن بالسحر والشعوذة ؟؟ وتضع مستقبلها وطموحها بين يدي "فقيه" أو "شوافة"، يتصرفان في حياتها كما يحلو لهما، لأنها منحتهم الضوء الأخضر لتحويل مجرى حياتها اليومية وتسييرها حسب هواهم ورغباتهم، إذ لا تستطيع المرأة التصرف بدون استشارة " الفقيه" أو الأخذ برأيه، خاصة وأن هذه الاستشارة لا تكلف أحيانا سوى 20 أو 50 درهما، وعلى الرغم من أن الشعوذة آفة خطيرة وذات تأثيرات سلبية على مختلف أفراد المجتمع، إلا أنها مازالت تفرض نفسها بقوة بين مختلف الأوساط الاجتماعية، خاصة مع تطور وسائل الإعلام والاتصال التي أصبحت في خدمة الشعوذة ومروجا أساسا لطقوسها الغريبة وموادها السامة وكثيرا ما تلجأ إليها المرأة عندما تضيق بها الدنيا وتعجز عن إيجاد حلول مناسبة للخلاص من سيطرة الرجل أو من ضعف ميولاته العاطفية والجنسية، كما تنجرف وراء وهم الشعوذة من أجل فك "طلاسم" السحر وإبعاد شبح العنوسة عن حياتها، بعدما أصبحت هذه الظاهرة منتشرة بمختلف الأحياء الشعبية والهامشية والمناطق القروية، إذ لم يعد هناك فضاء خاص بطقوس الشعوذة التي نجدها في مختلف الأماكن العمومية ( الشارع، البيت، الحمام، المقابر، الأضرحة، الحدائق...)، أو زمن محدد لهذه الممارسة (ليل، نهار، صيف، شتاء،...) كما أن طقوس الشعوذة ووصفاتها المتنوعة قد تستهدف أي شخص ﴿ أم، أب، زوج، زوجة، أخ، أخت، صديق، صديقة...﴾، خاصة مع غياب وعي حقيقي بخطورة هذه الظاهرة ومحاولة القضاء عليها.

المرأة ضحية الشعوذة

تسيطر الشعوذة على عقول شريحة كبيرة من النساء خاصة اللواتي يتخبطن في مشاكل اجتماعية ونفسية وعاطفية، مما يجعلهن لقمة سائغة في يد "الفقيه" أو "الكهان" الذي يمارس مجموعة من الطقوس والممارسات الغريبة التي تجعل الوهم يتحول في لحظات قصيرة إلى حقيقة تصدقها وتؤمن بها المرأة، وكثيرا ما تختلق هذه الأخيرة عدة أسباب وحجج لتبرير لجوئها لممارسة الشعوذة التي تعتقد أنها الحل الوحيد لمختلف المشاكل التي تعانيها، فتنجرف وراء ممارسات لا تمت إلى العقل بصلة خاصة عندما تغلق كل الأبواب في وجهها فلا تجد أمامها سوى الشعوذة التي تمكنها من الحصول على حلول سريعة ومناسبة وبأقل تكلفة ممكنة، متغاضية عن الأضرار الصحية والنفسية الناتجة عن وصفات الشعوذة وموادها الخطيرة والمدمرة لصحة الإنسان واستقراره، وقد كشفت مصادر طبية مختلفة عن بعض الأضرار الصحية والنفسية التي تصيب ضحايا الشعوذة، كما جاء على لسان الدكتور يوسف الحمري (مستشفى سانية الرمل / تطوان): « ترد علينا بشكل كبير حالات تسمم في الأمعاء نتيجة وجود مواد سامة غير معروفة، والتي يتبين فيما بعد أنها مواد غير خاضعة للمراقبة الطبية والتي يصفها الفقيه ويبيعها العطار، لذلك أرجو من السلطات القضائية الاهتمام بهذه الظاهرة ومتابعة جرائم الشعوذة ووصفاتها القاتلة....»، ويضيف الدكتور أحمد بن مكي (مستشفى ابن رشد / الدار البيضاء): « عندما تغلق كل الأبواب في وجه المرأة وتعجز عن إيجاد حلول مناسبة لمشاكلها، فإنها لا تجد أمامها سوى الشعوذة مخرجا لدائرة التيه والضياع التي تعيشها، فتنغمس بشكل كبير في دروبها المتشعبة، إلى أن تتحول إلى ضحية من ضحايا السحر والشعوذة التي يمارسها البعض من أجل الحصول على الربح المادي، وقد صادفت خلال عملي الكثير من حالات التسمم الناتجة عن مواد ووصفات الشعوذة، بحيث يعترف أصحابها بأنهم ضحايا لممارسات زوجاتهم السحرية أو لوصفات هذا الفقيه أو ذاك، وكأن هذا الأخير أصبح طبيبا مختصا والعطار صيدلي من الدرجة الأولى، إذ تتوفر صيدليته (دكانه) على كل المواد التي قد يصفها "الفقيه" أو "الشواف" من أعشاب ذات أسماء غريبة وحيوانات محنطة وحشرات مختلفة تتسبب في تسمم خطير بالأمعاء»، وتؤكد الدكتورة صوفيا السلامي (أخصائية نفسانية/ الرباط) ﺒـ: « أن اللجوء إلى ممارسة الشعوذة غالبا ما يكون بدافع التداوي من الأمراض النفسية والعضوية التي تعاني منها المرأة أو الرغبة في إثبات الذات وحب الانتقام، وهذا يدل على غياب الوعي وعلى تأثر النساء بالفكر الخرافي الذي مازال قائما في أفكار وتصرفات المرأة، التي تفضل التداوي بوصفات الشعوذة بدل اللجوء إلى وسائل الطب الحديثة وأحيانا بسبب مللها من فترات العلاج الطويلة والتكاليف المادية المرتفعة وأحيانا أخرى بسبب إيمانها بفعالية التطبيب بالشعوذة، وهي ممارسات تتحكم فيها الهواجس والوساوس التي تسيطر على عقلية المرأة المغربية...» وفي الموضوع نفسه يؤكد الدكتور بشير الخالدي (أخصائي نفساني / تطوان): «إن الضعف والعجز الذي تتصف به المرأة وصعوبة وصولها إلى مجموعة من الأهداف مثل: الدراسة، الزواج، الحب، العمل… يجعل منها لقمة سهلة في أيدي ممارسي الوهم والخرافة، بحيث تلجأ إلى الشعوذة من أجل تحقيق رغباتها وطموحاتها التي لا تستطيع الوصول إليها بقدراتها الشخصية، إلا أنها تصطدم بعجز الشعوذة عن تحقيق الأغراض التي تهدف إليها، وتدرك بعد زمن طويل أنها كانت تجري وراء وهم كبير...»، ويضيف قائلا:« وغالبا ما تؤدي هذه الممارسة إلى حالات من الجنون والاضطراب النفسي بسبب ضياع مبالغ مادية كبيرة بدون فائدة».
وقد أصبح التردد على دور الشعوذة خلال السنوات الأخيرة أمرا عاديا وشائعا بالنسبة للمرأة المغربية ولم يعد الوضع محرجا كما في الماضي، إذ توسعت دائرة الشعوذة بشكل كبير لتشمل مختلف الفئات الاجتماعية المتعلمة وغير المتعلمة الغنية والفقيرة وهذه الوضعية خطيرة جدا، وتساهم في تطور الشعوذة بشكل فظيع ومخيف، خاصة مع وجود نساء على قدر كبير من العلم والمعرفة، لكنهن يفتقرن إلى الوعي، ولا يشكل العلم مناعة قوية لحمايتهن من الاستسلام للشعوذة وطقوسها، وفي هذا الإطار يصرح الباحث الاجتماعي عبد الصمد الأندلسي: « لقد تحولت الشعوذة إلى جزء من الثقافة الشعبية، وبدأت تفرض نفسها حتى بين الأوساط الاجتماعية الغنية، بعد أن كانت حكرا على الفئات الفقيرة، إذ يلعب التكوين النفسي للمرأة ( السذاجة، الحقد، الانتقام، الجهل، عدم الوعي...) والوضع الاجتماعي (العادات، التقاليد، الزواج... ) والوضع الاقتصادي (غياب فرص العمل، انخفاض الدخل الفردي، ارتفاع الأسعار، غلاء المعيشة...)، كما يلعب الطب الحديث دورا كبيرا في تفشي الشعوذة بسبب غلاء تكاليف العلاج والتطبيب، فتضطر المرأة أحيانا إلى اللجوء لوسائل علاجية ذات تكاليف منخفضة »، وفي الإطار نفسه جاء على لسان فاطمة الزهراء المدني (باحثة اجتماعية) « لقد أصبحت الشعوذة هي المتنفس الوحيد الذي تلجأ إليه المرأة عندما تغلق جميع الأبواب في وجهها، فلا تجد أمامها سوى هذا الباب الذي تعتبره الحل الوحيد لمختلف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها، ولأن الشعوذة في اعتقادها وسيلة لفك السحر والثقاف (العجز الجنسي) وطرد سوء الحظ من حياتها وإعادة الحميمية إلى علاقتها الزوجية والقضاء على العنف والظلم، وبلسمة كل الجروح وعلاج مختلف الأمراض المستعصية على الطب وكل ذلك بأثمنة مناسبة وفي متناول الجميع، فأمام هذه الإغراءات الكبيرة كيف لا تلجأ المرأة إلى ميدان الشعوذة، ولا تنجرف بين دهاليزها المتشعبة ...»، ويشير سعيد النجاتي ( باحث اجتماعي/ فاعل جمعوي) أن: « تزايد مظاهر الجهل والتخلف والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية يضاعف نسبة التعاطي إلى الشعوذة وانتشارها بشكل غريب بين مختلف الأوساط الاجتماعية، وذلك بسبب الابتعاد عن الدين وغياب تنشئة اجتماعية سليمة وتردي العلاقات الإنسانية وعدم تكافؤ الفرص بين الأفراد مما يخلق لدى المرأة هواجس يجعلها تعيش من التوتر والارتباك، ويدفعها إلى الاستعانة بالشعوذة من أجل معرفة الأسرار وفك رموز السحر وتذويب الحواجز التي تحول بينها وبين تحقيق أهدافها وأغراضها الشخصية حتى لو كانت الوسائل المستخدمة بعيدة عن العقل والمنطق»، ويضيف قائلا : « ونجد أن بعض الممارسات تتناقل من جيل إلى آخر كموروث شعبي مثل البخور فهي عادة قديمة لا يمكن الاستغناء عنها تمارس في مختلف المناسبات العائلية ( الولادة، الزواج، العزاء....) والدينية ( العاشوراء، المولد النبوي، ليلة القدر...) إلا أنها تعتبر أداة أساسية في طقوس الشعوذة من أجل طرد العين وسوء الحظ وشبح العنوسة، وفك السحر وجلب الحظ، بحيث تختلف استعمالاته والمواد المستخدمة فيه حسب الغرض الذي يستعمل من أجله...».
ثم إن غياب وعي حقيقي وتوعية جادة بخطورة هذه الظاهرة بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، يؤثر بشكل كبير في انتشار الشعوذة وتغلغلها في مختلف البيوت المغربية مما يجعل مصير المرأة والمحيطين بها بيد "الشوافة" أو"الفقيه" أو... حسب المصطلحات المتداولة في البيئة الشعبية، وقد صرحت لي زميلة من أيام الدراسة خلال بحثي في هذا الموضوع وتفاصيله المثيرة: « لم نعد نتصرف بدون اللجوء إلى " الشوافة" التي أصبح بيتها فضاء نزوره بشكل يومي مثل السوق والقيسارية، ويوما بعد يوم أصبحت مستشارا أساسا في شؤوننا العائلية»، وتضيف قائلة: «عندما تقدم شاب لخطبة شقيقتي الكبرى، فكرت أمي في استشارة "شوافة" بحينا لتستكشف لها خبايا هذا الرجل ومستقبله، وفي قرارة نفسها تحاول أن تضمن حياة سعيدة وهنيئة لابنتها، قصدت السيدة المذكورة التي أخبرتها بأن هذا الشاب سيء الخلق وأنه سيعامل ابنتها معاملة سيئة وعنيفة، وأن هناك من يرغبون في التقدم لخطبتها قريبا وأن الفرح والخير سيعم على البيت، فأجمعت الأسرة على رفض هذا الخطيب رغم أن الرجل لم يكن يعاني من أي عيب بشهادة الجميع، إلا أن كلمة السيدة "الشوافة" كانت حاسمة وعلى الجميع تنفيذ أوامرها بدون تردد...».
هذا مجرد نموذج حي يعبر عن مدى انجراف بعض النساء وراء الوهم الذي ترسمه طقوس الشعوذة ووصفاتها المختلفة، فيتخذن من دور الكهنة والمشعوذين عيادات نفسية لهن ولمشاكلهن بحيث يخرجن من هناك بنصائح ووصفات من المستحيل في رأيهم عدم تطبيقها لأنها مغرية وتعد بحياة جديدة وهنيئة، وهنا أشير بأنه لولا تركيزي وجديتي في البحث عن معطيات هذا الموضوع لكنت ضحية أخرى من ضحايا الشعوذة لأن المشعوذ يستخدم أساليب مميزة للتأثير على المرأة، بشكل لا يترك مجالا للمقاومة والتفكير، خاصة وأنه يقدم لها حلولا جاهزة لا تكلفها سوى ثمن بسيط مقابل الخدمات التي يقدمها لها، ولأن أغلبية النساء لا يهتمن سوى بالحب والزواج وليست لهن أية هواية أخرى سوى الاهتمام بالبيت وانتظار زوج مناسب أو محاولة الحفاظ على بيت الزوجية، فهن يبحثن بشكل دائم عن أسهل الطرق والوسائل للوصول إلى مبتغاهن حتى لو كانت هذه الطرق المستخدمة محظورة وغير مقبولة، ولأن هناك من يعتقد أن المشعوذ شخص مختلف عن البشر وأدرى الناس بخبايا النفوس والقلوب، ويختزن كل الأسرار، الأمر الذي يجعل الكثير من العاطلين والعاطلات يسعى إلى امتهان الشعوذة من أجل كسب لقمة العيش ولو عن طريق النصب والاحتيال مستغلين سذاجة المرأة وعدم وعيها وقابليتها للاستغلال، وكثيرا ما تكون أقوال وأفعال المشعوذ مجرد وعود لا تتحقق دائما ومع ذلك تصدقها النساء بشكل لا يترك مجالا للشك، وتعترف السيدة زهور (33 سنة / ربة بيت): « منذ زواجي وأنا أعيش حياة هادئة إلى أن استقرت بجوارنا سيدة تدعى لالة زليخة، والتي كانت محبوبة من طرف الجميع تخدم هذا وذاك، كنت أسمع عنها كثيرا أثناء خروجي إلى الحمام أو السوق، ولم يتبادر إلى ذهني أنها مشعوذة تستولي على عقول نساء الحي بحيلها وطقوسها ووصفاتها السحرية، وذات يوم قصدتني إحدى الجارات ودعت نفسها لشرب فنجان شاي معي، علما أن علاقاتي محدودة مع الجيران، إلا أنني استقبلتها بصدر رحب ومن سذاجتي وطيبوبتي اعترفت لها بكل ما يجول في حياتي الزوجية ومدى خوفي من استيلاء إحداهن على زوجي العزيز، فطلبت مني السيدة السابقة الذكر أن أرافقها إلى بيت لالة زليخة لتقرأ حظي وإن كان زوجي وفيا لي أم لا، وياليتني ما تخطيت عتبات ذاك المكان الذي قلب حياتي رأسا على عقب، فقد صرحت لي الشوافة أن زوجي يعاشر امرأة أخرى شقراء وهي تملأ عليه كل حياته لأنها عملت له عمل ( سحرت له)، واستولت عليه وستمنعه قريبا من رؤية زوجته وأطفاله الثلاثة، وقالت لي بالحرف الواحد في أي مدرسة تعلمت ألا تعرفين بوجود هذا العلم، السحر منتشر في كل مكان غير الله يسترنا وصافي» وعندما سألتها عن الحل؟ أجابتني: « كُلْ شِي مْوْجُودْ، غِيرْ طلقِي الفلُوسْ وجَرْبي صُنْعْ يْدِي، كنت مذهولة، مصدومة، وكأني في حلم فظيع، خرجت من عند الشوافة بعدة حروز ووصفات من كثرتها لم أعد أذكر صلاحيتها وطرق استخدامها، وقد استغلت المدعوة لالة زليخة هذا التوتر والارتباك الذي كنت أحس به لتبرر فشلها، خاصة وأنه مرت عدة أسابيع على زيارتي لها ولم تظهر أي نتيجة، وكانت قد وعدتني بأن الأمور ستتغير بعد الأسبوع الأول من ممارسة هذه الطقوس والوصفات، وخضعت مرة أخرى لكلامها ووعودها وهذا يعني مصاريف إضافية لا مهرب منها، هذه المرة حاولت أن أكون أكثر انتباها وتركيزا، وتصوروا معي النتيجة!! لقد عدت بعد أسابيع إلى بيت أهلي خاوية الوفاض بالملابس التي على جسدي، حتى أطفالي حرمني منهم، لأنه بعدما اكتشفني واكتشف وجود حروز في الوسادة التي ننام عليها، خسَرْ عْلِيَّا كْلْمَة وْحْدَة خْرْجي عْلِيَا رَاكِي مْطلقة، ولأني غبية وساذجة دمرت حياتي الزوجية بيدي، والآن ليس أمامي سوى اجترار مرارة الألم...».
وأنا أنسج خيوط هذا البحث تذكرت قصة سمية ضحية الشعوذة التي سبق والتقيتها قبل سنوات عند أحد الأخصائيين النفسانيين بطنجة والتي جاء على لسانها ما يلي: « أبلغ من العمر 37 سنة، موظفة في شركة للبناء والتعمير، لم أحظ بفرصة للزواج، رغم أني لم أكن سيئة الخلقة أو الخلق، احترت في إيجاد سبب مقنع لتأخر زواجي، ولم أعتقد يوما أن الرغبة في الزواج هي بداية لتشتت حياتي، أخبرتني زميلة لي في العمل أن هناك فقيها له قدرة غريبة على فك "الثقاف" وإبطال السحر وجلب الحظ، فقصدته على أمل أن يخلصني من سوء الحظ الذي أعاني منه، فلم أتوقع أن تكون هذه الزيارة بداية متاهة لا نهاية لها، أخبرني الفقيه المذكور أن هناك من قام بالسحر لي حتى أظل عانسا طيلة حياتي، وأن مكان هذا السحر في أعماق أحد القبور القديمة أو المنسية حسب تعبيره، وإن لم يستخرج من هناك فلن أحلم بالزواج يوما، وأن هذه العملية تكلف 3000 درهم تدفع 1000 درهم منها مسبقا، وبعد أسبوع قمت بزيارته فاكتشفت أن السحر الذي تحدث عنه عبارة عن صرة صغيرة (لفة) تحتوي على بعض العظام والحجارة غريبة الشكل، ورغم أنه سبق ووعدني بأن السحر هو مشكلتي الوحيدة، طلب مني 5000 درهم لفك هذا السحر وبإمكاني عندها اختيار الزوج المناسب، ولأني لم أكن أملك هذا القدر من المال في حقيبتي فقد طلب مني أن أترك الأساور والقلادة والأقراط رهينة عنده إلى أن أحضر المال الذي طلبه، وهكذا تركت ذهبا عند الفقيه بقيمة مليون ونصف، وعندما عدت في المدة المحددة لزيارتي، لم يعد لي ذهبي مُدَعِياًّ: أن الجْنُون (الجن) ذهبوا لأداء مناسك الحج، وسيعودون بعد شهر و10 أيام، طلب مني مقدارا ماليا آخر ولأني كنت مغيبة العقل منحته كل ما في حقيبتي، وقد تبين لي فيما بعد أني منحته ما قدره 3500 درهم، وتكررت زيارتي له على أمل أن استرجع ذهبي وفي كل مرة يقدم لي حجة مقنعة عن تأجيل استلامي للذهب، وبالتالي حل مشاكلي النفسية والاجتماعية، لكن الأيام تمر ورصيدي في البنك يتضاءل يوما بعد يوم، وأعصابي التي أصبحت مهتزة، وخسارتي تعدت 12 مليون إضافة إلى قطع ذهبية قيمتها 3 ملايين ونصف بدون نتيجة، طردت من عملي بسبب إهمالي، مرضت نفسيا وأصبحت ألف الشوارع كالمجنونة وها أنا كما ترين أعيش على المسكنات والمهدئات التي تكلفني 1000 درهم شهريا في غياب مدخول قار، ولو كنت أعلم أن هذا هو المصير الذي سأنتهي إليه لما فكرت في الزواج يوما، لكن التقاليد الاجتماعية لا ترحم، ولا أدري أنا ضحية من؟ ضحية جهلي، أم سذاجتي أم الشعوذة أم المجتمع الذي يسمح بهذه الممارسات الخطيرة...»، هذه التجربة الحية تصور لنا بشكل واضح مدى قدرة الشعوذة على استغلال المرأة وتجسيد الأحلام أمامها و تحويل الأشواك إلى ورود جميلة تغري بأشياء كثيرة، والنهاية دائما لا يعلمها أحد، فسمية مجرد نموذج من عدة ضحايا صادفتهن أثناء بحثي ولأن جل القصص والتجارب متشابهة، فقد اخترت بعض النماذج فقط من أجل الاستشهاد فقط، لأترك المجال لعوامل أخرى مساهمة في تفشي وممارسة الشعوذة.