المرأة والحزن في الأغنية العراقية ...؟!!



سلام كوبع العتيبي
2009 / 7 / 19

صديقي العزيز الشاعر طارق حربي سأل ذات مرة لماذا الاغنية العراقية تحمل كل هذا الكم الهائل من الحزن في الوقت الذي سمائنا لا تختلف عن السماوات الأخرى وأرضنا طيبة حنونة ومائنا عذب , لكن أغانينا ( تفتت الحجر !! ) ...كثير من الباحثين العراقيين المتخصصين والغير المتخصصين في شأن الاغنية العراقية الذين أدلوا بدلوهم في البحث والتدقيق في هذا الموضوع الكبير( سبب الحزن في الأغنية العراقية ) وكثير هم الذين طرحوا رؤياهم ووجهات نظرهم وكل هؤلاء الذين أدلوا بدلوهم كانو صائبين فيما توصلو إليه .... قال البعض أن سبب الحزن في الاغنية العراقية هو ناتج لتراكم حالة الحزن الذي يعيشها المسلمون وخاصة الشيعة منذ مأسات الطف الحسيني وألى يومنا هذا وهو موروث عن النص الشعري وأسلوب النغمة المتردده في أسلوب قراءة القصيدة الحسينية والحانها . والأغنية العراقية بشجنها وعزائها وهمومها خرجت من الفرات الأوسط وقبله جنوب العراق . وهنالك أسماء كثيرة وكبيرة من قراء القصيدة الحسينة ومن قراء الأغنية الحزينة وكتابها وغالبية هؤلاء هم من الذين وقعت قصص الحزن على ذويهم قبل أن يعيشوها بأنفسهم . وأنا أعتقد هنا أن سبب الحزن في الأغنية هو ما أصاب المرأة العراقية قبل أن يصيب الرجل ولعدت أسباب , ولو أخذنا كشفا عام لما كانت تعانية المرآة العراقية وخاصة تلك التي تعيش في الريف العراقي وحتى البعض من الواتي يعيشن داخل المدن لكن بنسبة أقل نجد أن المرآة العراقية تحملت الكثير من محنة الحياة وعاداتها وتقاليدها البالية التي تفرضها القبيلة مرة وتارة أخرى تفرض بأسم الدين .. فنرى أن الفتاة من سكان الريف كانت دائما ماتقدم ( فصلية ) عندما تقوم عشيرتها بقتل شخص معين من عشيرة أو قبيلة أخرى , أو تتزوج دون أن تعرف حتى أسم الذي جاء لخطبتها .. وأذا كات هذه الفتاة ترتبط بعلاقة معينة مع شخص آخر فعليها تقع اللعنة ولابد لها أن تسحق قلبها وتوافق على هذا القادم المجهول . وعندما تساق هذه الفتاة البريئة الى عشيرة المقتول تستخدم ليس أقل من أي حيوان يعيش داخل زريبة هذه القبيلة , بعد أن تحرم من زيارة ذويها تماما ويحرمون اهلها أيضا من زيارتها وكأنها إنسلخت من كل ما كانت عليه . فكانت هذه الفتاة تهرب من كل شيء يحيط بها إذا سنحت لها فرصة الهروب وتتوجه إلى صناعة المفردات التي تعبر من خلالها عن ما يجول بروحها المتعبة وغالبا ما تردد هذه المفردات بأسلوب ( النواعي .. دللول يلود يبني دللول ) في الوقت الذي تكون به قد وضعت وليدها في حضنها لغرض أغفائه . وما أكثر هذه النواعي في أرشيف تراثنا المتعب . فتطبع كل هذه الأنغام المؤثرة بحزنها والمفردات الحزينة بتركيبتها في العقل الباطن لهذا الطفل , فعندما يكبر هذا الطفل قليلا حتى يستخرج عقله كل تلك الآثار الغنائية الحزينة لكي يرددها مرة أخرى وبعدة أشكال وأطوار . فنتذكر الأن الكثير من الواتي كان لهن دور في رسم الحزن في الاغنية العراقية وعلى رأس هذه القائمة الطويلة نجد أن ( فدعه ) التي كتبت الكثير من القصائد الرائعة والتي مازالت مطبوعة في أذهان وأرواح الذين سمعوا قصائدها واغانيها .. فدعه التي كتبت كل هذا الكم الهائل لاخوتها وأبناء عمومتها الذين أما غرقوا نتيجة الفيضانات التي كانت تعصف بقرى وريف العراق أو قتلوا نتيجة حروب القبائل المشؤومة التي كانت متوارثة في العراق منذ الأزل . فخرج من رحم تلك السيدات اللواتي عانن ماعنه , المطرب خضير حسن وسلمان المنكوب وداخل حسن ومسعوده العمارتليه وسيد محمد وجويسم البلام وحضيري ابو عزيز وناصر حكيم . وتوارثها من كل هؤلاء شبابنا الان الذين مازال حزن اغانيهم يردد حتى في افراح العراق بشكل عام .