سيّدتي.. إحْذري الضحكةَ والبنطال.. وقراءةَ المقال



محمد أبوعبيد
2009 / 7 / 21

ثمّة ديمومة صِدامية بين هؤلاء المدّعين أن حال المرأة في مجتمعاتنا في أبهى حُلة وأفضل حال، وهؤلاء المثْبتين عكس ذلك بالحجج والقرائن، وكشف الحالات. الأمر ليس بحاجة إلى معجزة علمية، وقدرات خارقة لإثبات الكفة الثانية، بل إن الإبصار بعين واحدة كافٍ لرصد فظاظة وفظاعة القهر الذي يحيق "بالأنثى" الشرقية.
أسماء الغول الفلسطينية ولبنى الحسين السودانية حدّان حادّان لفرز المعقول من اللامعقول، وتقديم حقائق لا يمكن أن ينكرها المرء باستثناء المُصرّين على إطباق إجفانهم على أعينهم حتى يصدقوا أكاذيبهم التى ما هي إلا مساحيق لتجميل بشاعة مجتمعاتنا المحكومة "بشريعة ذكورابي". هذا الشريعة التي تبيح للذكر أن يضحك، مثلاً، بما أوتي من قوة الحبال الصوتية، بينما تصْدر أوامرها أن تتلاصق شفتا المرأة درءاً للابتسامة والتعبير عن ذاتها، وإلا اتُهمِت بالمجون وبالجنون.
لقد نجّانا الدين الحنيف من وأد البنات، فأنزلت علينا العادات والتقاليد وأد فكر البنات وإعدام حرياتهن، فأصبحت الضحكة في قسطاس التقاليد خطيئة يحاسب عليها أرباب المجتمع، ولبس البنطال إثماً يقام على صاحبته الحد بالتعزير وبالجلد. وما الحالتان الفلسطينية والسودانية إلا سياقان يُساقان على سائر المجتمعات الشرقية، وإنْ حاول بعضُها الادعاء بأنه المَثل الأعلى للآخرين، فكلّنا في هذا الهمّ شرق.
ولأن كثير الأفراد عندنا ماهرون في تكبير الصورة، فإن جنحة لبس البنطال، لو قُيّض لصاحبته أن تُجلد، لن تظل في أعين المجتمع جنحة ارتداء فقط، بل سيتعداها الأمر إلى أن تَسُوق الظنونُ أصحابها إلى الاعتقاد بأن المسألة تصل إلى ارتكاب الفاحشة، وإذْ بهم يركبون إثما من الكبائر من حيث يدرون أو لا يدرون، وهي قذف المحصنات. تماما مثلما تصبح تهمة الضحك على البحر في نظر الكثير، وليس البعض، تهمة بارتكاب ما يتخطى مجرد الضحك، وسلخ الأخلاق الحميدة عن صاحبتها. إنها ببساطة قد تنجو من رمضاء القوانين الجائرة لكنها ستحترق بنار النظرة المجتمعية.
إننا الآن أمام مشهد سوداوي يزداد قتامة بدلاً من ابيضاضه، والأدهى عندما يرى بعضنا، إنْ ليس كثيرنا، في السواد بياضاً تحت تفسيرات أوّلتْها منظومة العادات والتقاليد التي تُحْكم قبضتها على أعناقنا ،فصار خرق عادة منها رجساً من عمل الشيطان. وتحت طائلة هذه المنظومة، قدّم لنا معتنقوها قائمة من القوانين التي تحاكَم وفقها "الأنثى" الشرقية حسب أهواء الرجال ، فيعجز المرء حينئذ عن إحصاء قائمة المحظورات على المرأة إلى درجة أنْ أصبحنا فصلاً من فصول التنكيت لدى غيرنا. هذه المحظورات التي جعلت من الضحكة خدشاً للحياء العام، ومن لبس البنطال فاحشة، قد تجعل أيضاً من قراءة هذا المقال ضرباً من ضروب المجون.