فكري الخولي / علمنا كيف يكون النضال السياسي



هويدا صالح
2009 / 8 / 3

امرأتان وخطاب وحيد
أقامت له ورشة الزيتون تأبينا خاصا ، ناقشت روايته " الرحلة التي كتبت في ثلاثة أجزاء " دعت رموز النضال السياسي اليساري ليتحدثوا عن رحلتهم الخاصة مع النضال ومع فكري الخولي صاحب رواية الرحلة ، تحدث كل من الناشط السياسي والحقوقي أحمد بهاء شعبان و المفكر الدكتور فخرى لبيب ومحمد عبد العزيز شعبان وسيد ندا وتوفيق خليل، وبالطبع مستضيف الندوة الشاعر والناشط السياسي شعبان يوسف ،حقا معرفة مختلفة تلك التي عرفتها عن تاريخ نضال العمال ضد القهر والظلم ، مدهشة تلك الحكايات عن كيفية كتابة الرواية على ورق البفرة وعلب الكبريت ووريقات علب السجائر وتهريبها من السجن ، وبعد سنين من خروجهم وانتظامهم في الحياة المدنية ، وخفوت صوت النضال الوطني في عصر الانفتاح وما بعده تُدفع الرواية إلى الطبع في دار الغد للشاعر والمناضل كمال عبد الحليم ، ويكتب لها المقدمة الصحفي الكبير صلاح حافظ . وتقام لها الندوات في وقت صدورها ، وتقدم فيها الرسائل الجامعية ، ليس كأفضل عمل أدبي قدم تجديدا ما في حركة السرد ، بل كعمل أدبي كتبه عامل في مصانع الغزل بالمحلة ، رواية تصور نضال العمال ، ومكتوبة من وجهة نظر عامل منهم هو فكري الخولي وهذا سبب تميزها ، أنها لم تكتب من وجهة نظر أحد المثقفين الذين يعبرون عن الطبقة العاملة ، بل مكتوبة بوجهة نظر من ذاق مرارة النضال عقودا طويلة حتى يستطيع أن يحقق هو وأمثاله بعض الحقوق وبعض التميز .
ثم جاء دور عائلته لتحكي كيف سارت حياتها وسط سجنه المتكرر ونضاله ، وقف رجل خط الشيب رأسه وحكي وسط دموعه ، كيف ذهبت به أمه وهو ابن تسع سنين ليزور أباه في السجن، وحين أتي الحراس بفكري الخولي ليقابل عائلته جلس يحدث امرأته، ثم انتبه لطفل صغير يقف جواره، فربت على رأسه وأمره أن يبحث عن أهله حتى لا يتوه في زحام الزيارة، فانسابت دموع الأم وقالت له فكري هذا ابنك الذي تركتني حاملا فيه ولم تره . يحكي ابنه في فجيعة ومرارة كيف ظل هذا الموقف يؤرقه طوال سنين عمره الخمس والأربعين .
الأكثر دهشة في الأمر حين سرد الرفاق سيرة المرأة في حياة ذلك المناضل. في الوقت الذي أرسلت فيه إحدى المثقفات اليساريات والمناضلات إلى زوجها في السجن رسالة تطلب فيها منه أن يقدم للنظام وثيقة تخليه عن زملائه ويكتب إقرار الولاء ،بخلاف ما نعرف جميعا عن نضالها في بابها المفتوح ، في ذات الوقت أرسلت امرأة لا نعرف اسمها ، فلاحة بسيطة تكد وتعمل من أجل تربية أبناء فكري الخولي رسالة مضمونها لآ تكتب إقرار الولاء يا فكري ، لا تبع تاريخك من أجلنا ، نحن بخير ، أولادك يأكلون ما يقيم الأود ويذهبون إلى المدارس ، لا تحمل همنا وفكر في نفسك فقط ، كتبت له تلك الرسالة التي تحرضه على عدم الاستسلام والتسليم ، وصوت أطفالها يمزق قلبها وهم يبكون من الجوع ، كتبت له رسالة الدعم والمساندة وخرجت للأسواق تعمل وتجمع بضعة قروش تطعم بها الصغار ، هي المرأة المصرية الحقيقية حين تقف في ظهر زوجها وتدعم اختياره ، ويصر فكري الخولي على عدم التسليم ، ويواصل النضال ، ولم يكن الإضراب الكبير في المحلة من أجل 8 ساعات عمل سوى إعلان حقيقي عن تطور وعي العمال ودخولهم مرحلة جديدة من المواجهة، ليس فقط مع إدارة الشركة وقوات البوليس، ولكن مع حزب الوفد الذي ادّعى على مدار الحكومات التي قام بتشكيلها نصرته للفقراء وللحريات، وذلك عندما تطور الأمر بتدخل حكومة الوفد في صف الشركة عندما قامت بإنشاء نقابة بديلة لتلك التي شكلها العمال بهدف ضرب حركتهم. لم يمهل العُمر فكري الخولي ليكمل لنا كتابة رحلته التي بدأت من بدايات عمله في شركة غزل المحلة في أوائل القرن الماضي ، وتوقفت عند الجزء الثالث الذي صور حركة الكفاح حتى بدايات الثورة ، خرج هو وزملاؤه بقرار سياسي من حكومة الثورة ، وواصل الكفاح من أجل حقوق العمال في عهد الثورة . ترى ماذا كان سيفعل فكر الخولي حينما يرى عمال المحلة بعد كل هاتيك العقود التي مرت وهم يواصلون النضال في نهاية عام 2006 معلنين بدء دورة جديدة من النضال العمالي المستنير.
هويدا صالح
كاتبة مصرية