بعيدا عن اتلثرثرة /المشاركة مساءلة كرامة



عفراء الحريري
2009 / 8 / 3

بسم الله الرحمن الرحيم
بعيداً عن الثرثرة /المشاركة ......مسألة كرامة

إن اهتمامي بقضايا المرأة ليس نوعاً من التقليد والرفاهية الفكرية / كما يظن البعض ، بل لأن قضية المرأة هي معياراً رئيسياً لقياس مستوى تحقق التنمية الإنسانية و أساساً لمختلف القضايا التنموية والحقوقية ومن أهم مؤشرات العملية الديمقراطية ليس لاعتبارها نصف المجتمع المشلول، وإنما لكون إغفال قضاياها يعني وجود خلل في النظام الديمقراطي وعيب خطير في معيار التنمية ، وقد تعرضت حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للتهميش وفقاً لما أورده تقرير التنمية البشرية عام 2008م حيث سطر في محتواه صيغ كئيبة عن أوضاع المرأة اليمنية مقارنة بالدول العربية الأخرى / ونظراً لما أصابني من اكتئاب وإحباط ويأس بسبب مستويات التراجع في المجالات المختلفة الأمر الذي جعلني أتقبل الاتهامات الموجهة لي وكذلك التهاني بشكل متساوي بغصة وعبرة كأني دائماً أعيش في يوم عزاء فحين نأتي ونقارن أوضاعنا بأوضاع نساء العالم بما فيها النامي وفقاً - للتقارير والأوضاع والحالات والاهتمامات المختلفة – أجد بأننا ندو رفي نفس الساقية والدوامة ، والعالم حولنا يتغير في كل برهة زمنية ، إلا نحن نعود للوراء ونتراجع ، لم يؤثر فينا العلم والمناصب والخبرة وتراكم التجارب والمدنية وما آل إليه وضع البلاد حتى مصيرنا الواحد المتمثل بالموت في نهاية المطاف لم يعد له ذلك الأثر والخوف من الله – عزوجل – فيما صنعنا في دنيتنا من خير وعمل صالح وتأدية رسالة وواجب خلقنا من أجله.. كل هذا لم يعد له معنى للحديث فيه وعنه ، وفي البدء والأخير لايسعني سوى أن أكتب بضرورة الاهتمام في مشاركة المرأة بقضايا الوطن فربما تجعلنا نبتعد قليلاً عن الفارغ والاتهامات وسوء الظنون ..والمشاركة هي مسألة كرامة ولا يسعني سوى لفت الانتباه إلى :-.
أن حقوق المرأة يجب أن تندرج في صميم اهتمامات جميع مشاريع الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لارتباط العملية الديمقراطية والتنمية بها مباشرة لكونها تؤدي في كل أدوراها وهي" الأم ، الأخت ، الابنة ..الخ / المدرسة ، الطبيبة ، الممرضة ، المهندسة ....الخ / دور الشريك الأساسي الفاعل لتأدية هذه الأدوار وفي مجملها – أي الأدوار- ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتنشئة الاجتماعية للأجيال / أي لمستقبل هذه البلاد ، ولذلك فأن إلغاء هذا الدور يعني إعاقة جيل بأكمله من النماء .
فبرستيج الدولة الشكلي المتمثل بوجود امرأة في البرلمان وامرأتين في الحكومة ودوائر نسائية في مرافق الدولة والسلطة المحلية ومنظمات المجتمع المدني والتي بمجملها تعنى بشؤون الدولة / عذراً أقصد المرأة / ليس سوى عملية تجميل لوجه الدولة ، مالم تتغلغل أدوات ووسائل التجميل إلى باطن الأوضاع فتستأصل كل ورم خبيث من ثقافة المجتمع المعيقة للمرأة ومن كل نص ورد في تشريعها يكرس التمييز والعنف ضد المرأة ومن كل نبرة صوت تتشدق بمفاهيم خاطئة لتفسير قيم ومبادئ تسمو بها الشريعة الإسلامية بشأن المرأة عن سواها من الأديان بعد أن حرفت.
تلك هي المواجهة التي على المرأة و الدولة أن تقوم بها وأن لم تستطع / وهي لن تستطيع ذلك بمفردها فليس أمامها سوى أن تتيح فرصة للنساء لإثبات جدارتهن وفقاً للكفاءة والقدرة وهذا أضعف الإيمان ، فمثلما صادقت الدولة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة " السيداو" وساعدت في إنشاء اللجنة الوطنية للمرأة وأتاحت لها إعداد تقارير كل 4 سنوات يقابلها تقرير الظل لمنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة ، دون تحسن ملحوظ في المجالات الواردة التي تتضمنها التقارير / سوى تغير طفيف بين سطور التقارير غير مرئي على الواقع /عليها – أي المرأة والدولة – أن تمكن النساء من الباطن في تشكيل آليات ضغط للمصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتكون بذلك اصطادت عصفورين بحجر/ كسبت بعض المصداقية نحو إرساء الديمقراطية وتعزيز دور المرأة والتخفيف من حدة الانتقادات الدولية تجاه أوضاع المرأة في اليمن وبدون شك ستجني ثمار مصداقيتها الأولى والثانية مزيداً من الدعم المادي الخارجي لقضايا المرأة عوضاً عن مباغتتها ومنا هزتها – أي الدولة - بين الفينة والفينة بشأن تبنيها لقضايا الإرهاب وقمعها وعدم اعترافها بالقضية الجنوبية / فالمواجهة لابد أن تكون بمشاركة المرأة دون تجاهل دورها عند وضع آلية الضغط للمصادقة على البروتوكول الاختياري وذلك احتساباً لمساءلة الديمقراطية كمعيار لتقدم والتطور.
إذ تحسب معدلات تقدم وتطور المجتمعات باستثمارها الكامل لطاقات البشرية " مكونات المجتمع " رجالاً ونساءً ، وبناءاً عليه يجب على الدولة أن تلتزم بتمكين إدماج المرأة في برامج التنمية ، وعلى النساء أن يهتممن بقضاياهن التي تعرقل انخراطهن في جميع المجالات وتعيق مشاركتهن في صنع مستقبل الأجيال " أبنائهن وأبناء أبنائهن" .
فلقد أكدت تجربتي القصيرة خلال " تسع سنوات " أنه لا يمكن وضع الخطط والاستراتيجيات المتعلقة بالتنمية مالم تلتزم الدولة على عدم تغييب وعلى عدم تجاهل مشاركة النساء عند وضع برامج التنمية ، بل وتترك اختيار الأسلوب في المشاركة والعمل للنساء أنفسهن بعيدا عن تعميق هوة الخلافات فيما بينهن ، ولن يتحقق ذلك إلا متى ما تمكنت المرأة الدفاع عن حقوقها السياسية والمدنية على حد سواء مع حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية / ودائماً ما يغيب هنا على النساء أن الدفاع عن مجمل الحقوق يحتاج إلى مشاركة جماعية منهن إذ تعد مشاركتهن جمعاء وليس فراداً ركيزة من ركائز إرساء الديمقراطية أيضاً وبالتالي ليس من مصلحة الدولة تأجيج الخلافات بين النساء كما هو حالها مع الأحزاب السياسية وقيادات الحراك ومنظمات المجتمع المدني وفي مختلف الأوضاع .
فهنا سنعرج إلى الاتفاق الذي تم بشأن تأجيل الانتخابات وإشاعات الإصلاحات المزعومة كمثال لا غير، إذ يكون لزاما على جميع الأطراف داخل وخارج الاتفاق المشاركة فيه - أي مشاركة جميع فئات المجتمع – دون تمييز قائم على أساس اللون والطبقة والمنطقة الجغرافية و.. ..وغيره لان محددات المشاركة السياسية لاتنفصل عن المحددات الاقتصادية والقانونية وأهمها الثقافية والقيمية لان هذه الأخيرة هي التي تحدد وضعية مشاركة المرأة مع قريناتها أولاً ومع فئات المجتمع المختلفة ثانياً والتساؤل عن تلك المشاركة قد تمت الإجابة عليه سلفاً؟ ومشاركة المرأة يجب أن تتحول إلى قضية جوهرية خارج الخطاب السياسي وخارج المبادئ العامة للأحزاب السياسية وخارج الأجندة النظرية المؤقتة لمنظمات المجتمع المدني / فعلى الجميع أن يقر بأن مشاركة المرأة أمر جوهري وعلى سياسات الجميع أن تتطرق إلى ضرورة مشاركة المرأة والآليات التي تمكن المرأة من المشاركة ، وأهمها معرفة الجميع بالآليات / لأنه فيما يبدو ويتضح أن الجميع يتجاهل الأسباب التي تعمق يوما عن يوم التمييز والعنف ضد المرأة بما فيه التمييز والعنف فيما بين النساء أنفسهن سياسياً ومدنياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً فيحد بدوره من مشاركتهن في الحياة العامة والخاصة ويقوض عملية التنمية ويعيقها ، فتأتي التقارير الدولية باهته كئيبة تصيبنا بالسأم والإحباط واليأس لذلك تصبح المشاركة مهمة وضرورية وملزمة وهي في الأخير مسألة كرامة متأصلة في الإنسان بضرورة تمتعه بالحقوق والحريات الإنسانية ومشاركته فيها دون تمييز وبغض النظر عن الجنس والنوع والطبقة والانتماء الحزبي ...وإلخ وربما أيضا بحلاوة اللسان والتي دائماً ما نكتشف بأنها لأفاعي سامة ...
الناشطة الحقوقية : المحامية / عفراء الحريري.