واضربوهن....مرة أخرى / القسم الثاني



صادق إطيمش
2009 / 8 / 13


القسم الثاني
الحيثية ألأساسية في هذا الموضوع تقودنا إلى ضرورة الإطلاع على معنى ومغزى مصطلح النشوز . حسب قاموس " المنجد في اللغة والأعلام " : نَشَزَ أي إرتفع وامتنع ، ونشزت المرأة بزوجها ومنه وعليه: إستعصت عليه وابغضته فهي ناشز وناشزة وجمعها نواشز . ونَشَزَ بعلها عليها ومنها : جفاها وأضر بها .هذا ما جاء في القاموس اعلاه حول موضوع حديثنا المتعلق بضرب النساء . فالنشوز إذاً وحسب هذا التعريف هو ثنائي الجانب ، أي انه يمكن أن يكون من جانب الرجل أو من جانب المرأة . وبما ان الرجل كان يتحكم في المجتمع آنذاك ، وهو الذي يقرر قوانينه ويتحكم بمسيرته ، وبما ان الدين الإسلامي إعتمد في دعوته على الرجال قبل النساء ، هذا إذا ما إستثنينا إسلام خديجة كأول إمراة، وذلك بسبب علاقتها بالنبي محمد (ص) ، فإن ألأمر يبدو واضحاً والحالة هذه بأن نشوز الرجل سوف لن يلق ذلك الإهتمام من الدين الجديد الذي قد يجعله يحد من وقوفه إلى جانب الرسالة الجديدة في ذلك المجتمع البدوي الرجولي . فانصَّب ألأمر على نشوز المرأة .
نعود إلى مشكلة سيطرة الرجل لنرى إنفراده بتحديد وتقرير نشوز المرأة . فتفسير " الجلالين " يشرح عبارة "والتي تخافون نشوزهن " بما يلي : عصيانهن لكم بأن ظهرت أمارته . أما تفسير "من وحي القرآن " للنشوز فيقول : هو نموذج المرأة التي تتمرد على زوجها في حقوقه الشرعية اللازمة عليها، من خلال إلتزامها بعقد الزواج ، وهذا هو معنى النشوز الذي يعني الإرتفاع. وقد أستخدمت الكلمة هنا للتعبير عن إرتفاع المرأة عن طاعة زوجها، على سبيل الكناية ، فإذا ظهرت إمارات ذلك على الزوجة ، وعرف الزوج ، من خلال دراسته للحالة بذهنية عادلة، أنه لم ينشأ من ظروف صحية أو شرعية ، فلا بد له من معالجة الحالة معالجة واقعية بعيدة عن الإنفعال والتشنج وذلك من أجل حل هذه المشكلة حلاً إسلامياً ، لإقامة النظام داخل البيت الزوجي على ألأسس التي تم الإتفاق عليها بالعقد "
أمور كثيرة جديرة بالمناقشة لمفهوم النشوز من خلال هذه التفاسير التي وإن إختلفت في مذاهبها الفكرية إلا أنها تتفق على إهانة المرأة وتشرعن عقابها من قبل الرجل . إن الواضح من خلال هذين التفسيرين أن مزاج الرجل هو الذي يقرر النشوز أو عدمه . فكلاهما يؤكد على تقييم الرجل للأمر من خلال ظهور أمارات النشوز (الجلالين) أو إذا ظهرت أمارات ذلك على الزوجة ( من وحي القرآن ). أي ان مزاجية الرجل هي الفيصل في تقرير النشوز أو عدمه . فهل ينسجم هذا المنطق مع أبسط مبادئ علم النفس أو العلوم الإجتماعية أو حتى مع العلوم البيئية التي تؤثر بهذا الشكل أو ذاك على سلوكية الإنسان لفترات قد يطول أو يقصر تأثيرها على هذا الرجل الذي يتخذ قراراً مثل هذا ؟ اليس من المعقول ان تكون طلبات الرجل من زوجته طلبات جنونية أتى محملاً بها من تأثيرات المجتمع الذي عاشه خارج بيته ، طلبات لا تستطيع الزوجة تنفيذها أو التعامل معها لأي سبب من الأسباب ؟ هل أن رفض طلبات كهذه ، التي كثيراً ما تحدث في مجتمعات اليوم مقارنة بالمجتمعات البدوية الصحراوية القديمة ، يقع في عداد النشوز حسب هذا الفهم الذي يجب ان تعاقب عليه المرأة بالرغم من أن الحق إلى جانبها في مثل هذه الحالة ؟ لقد كانت لهيمنة الرجل إجتماعياً واقتصادياً وقت الإعلان عن الرسالة الإسلامية أهمية خاصة لم يكن بمقدور المجتمع التخلي عنها تحت الظروف التي كانت سائدة في ذلك الوقت والتي كانت تتطلب القوة الجسدية التي كان يمتلكها الرجل . وعلى هذا الأساس فإن مزاجيته وطلباته كانت تنطلق من هذا المفهوم . فهل هناك أي مقارنة بين الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والدينية التي سادت قبل أربعة عشر قرناً على أرض الجزيرة العربية بعدد سكانها الذي قد يشكل بعض الآلاف حينذاك وبين نفس هذه الأوضاع التي تسود المجتمعات الإسلامية اليوم والتي جاءت من حضارات وبيئات مختلفة وتغطي مساحات واسعة من الأرض بتعداد سكاني يبلغ المليارد ونصف من البشر تقريباً ..؟ أننا نعلم من النص القرآني بأن الزواج يجب ان يقود إلى المودة والرحمة بين الزوجين ، كما تشير الآية 21 من سورة الروم " ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " . المُخاطَب في هذا النص الرجل والمرأة، والإلتزام بنصوص عقد الزواج الذي أشار إليه تفسير " من وحي القرآن " أعلاه ينطبق على الزوجين وليس على واحد منهما فقط ، لذلك فإنه من المنطقي محاسبة الإثنين على هذا الإلتزام وعدم ترك ألأمر على عواهنه ليتحكم به مزاج الرجل فقط وليقرر هو فقط إن كانت المرأة قد بلغت حالة النشوز أم لا . في حين لا يحق للمرأة إثبات النشوز على وزجها .
وحتى لو إنطلقنا جدلاً من أحقية الرجل بالقيام بإجراءات العقاب ، هذا الأمر الذي نرفضه جملة وتفصيلاً ، فإن هناك مبدأ فقهي طالما يردده الفقهاء والذي يدعو إلى " درء الحدود بالشبهات " أي دفع العقوبات في حالة الشك . وهذا ما ينطبق على القوانين التي تفسر الشك إلى جانب المتهم . وبما ان مفسري آية الضرب ينطلقون من مجرد تخمين الزوج بوجود علامات النشوز ليبدا بإجرءاته التي تبدأ بالموعظة والهجر في المضاجع لتنتهي بالضرب ، فلابد لنا والحالة هذه ان نتساءل إن كان الزوج قد أصاب بتخمينه هذا أو أنه يمكن أن يكون موضع الشك الذي لا يجيز له الشرع جعله اساساً للعقاب ، حيث ان أركان الفعل غير متوفرة تماماً ودون أي شكوك . أللهم إلا إذا إعتبر هؤلاء المفسرون بأن ما يعتقده الرجل الزوج في هذه الحالة هو الحقيقة الكاملة التي لا يأتيها الوهم بتاتاً . وحتى لو كان الزوج قد تأكد فعلاً من النشوز وبدأ بإجراءاته التي تشمل الموعظة أولاً ، فما هي المدة المقررة لكل إجراء من هذه الإجراءات وكيفية التعامل بها ومعها...؟ ولماذا لا يستمر إجراء الموعظة الذي يمكن تقبله من الطرفين المتخاصمين بشكل أكثر إنسانية ليتم إتخاذ القرار بعدئذ إما بالتصالح أو ألإنفصال دون أن يجري اللجوء إلى إنهاء هذا الإجراء حسب رغبة الرجل أيضاً للبدء بالإجراء الآخر وهكذا. إن اللجوء إلى الموعظة ينسجم والتوجه الديني أكثر من اللجوء إلى الضرب ، حيث ان القرآن الكريم طالما يكرر اللجوء إلى " التي هي أحسن " لحل المشاكل بين الناس " إدفع بالتي هي أحسن " (المؤمنون 96 ، فصلت 34 ).
ولماذا لا يُفسَر هذا " النشوز المُفترض " من قبل الزوجة على أنه خلاف بين الزوجين لأي سبب من الأسباب مما يستوجب تطبيق أحكام الآية التي تلي آية الضرب مباشرة والتي تنص على " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من اهله وحكماً من أهلها إن يريد إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيرا " (النساء 35).
من خلال هذا الطرح يمكننا الخروج بالنتائج التالية التي قد تساعد على الخروج من أزمة الإلتصاق بالنص إلتصاقاً حرفياً قد لا يصب في التوجه العام المراد منه حينما يجري الربط العلمي العقلاني والمعرفي بين النصوص :
أولاً : يجب ان يعترف فقهاء الإسلام وخطباء المنابر وأصحاب الفتاوى بأن مسألة " ضرب النساء " يقع ضمن منطوق إهانة المرأة والذي إتخذ اليوم مفهوماً آخر يختلف عن المفهوم الذي كان سائداً قبل عشرات القرون ، إذ أن هذه الظاهرة سبقت الإسلام ورافقت ظهور المجتمع الأبوي .
ثانياً : يجب ان يكف هؤلاء الفقهاء والمفسرون والخطباء عن إعتبار هذا ألإجراء إجراءً تأديبياً يحق للرجل إتخاذه ضد المرأة متى ما شاء وكيفما اراد مستندين بذلك على مبدأ قيمومة الرجل على المرأة ، هذه القيمومة التي يفسرونها بأن الرجل أفضل من المرأة دوماً متناسين أو متجاهلين التأكيد على العامل الإقتصادي في هذه القيمومة وليس رجحان العقل أو حسن التدبير سواءً في التدين أو في أمور البيت أو في تربية الأطفال أو حتى في جدية العمل داخل وخارج المنزل . فالآية القرأنية تقول " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ....." ( النساء 34). فمسألة مَن يربي مَن أصبحت اليوم وتحت الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تمر بها المجتمعات المختلفة ، ومن ضمنها المجتمعات الإسلامية ، مسألة غير مرتبطة بالضرورة بالذكر أو بالأنثى . وإن الحياة بكل مواصفاتها اليوم تتطلب تحقيق الآية القرآنية التي تنص على "....نسائكم هُن لباس لكم وأنتم لباس لهن...." ( البقرة 187). أي بالتعاون على الحياة لا بمحاولة توزيع الأدوار بين ألأقوى والأضعف ومن ثم تقنين السيطرة وبث الفرقة داخل بيت الزوجية . فإن إستمر هؤلاء الفقهاء والخطباء والمفسرون على هذا النهج التخريبي للعائلة وأصروا على إتباعه ودعوا الآخرين إلى سلوكه وعدم الإرشاد إلى الطرق المؤدية إلى الإلفة والمحبة بين الزوجين فإنهم يسعون بذلك إلى خراب العائلة ، وهذه جريمة قانونية يحاسبهم عليها القانون الوضعي قبل القانون الإلهي .
ثالثاً : المبدأ الإسلامي العام ينص دوماً على أن الدين الإسلامي جاء لينقذ الناس من حياة الإقتتال والعداء وهو يدعو إلى اليسر وليس إلى العسر . فلماذا يحاول أولئك الذين يعتبرون أنفسهم وكلاء الله على الأرض بإيقاع الناس في شباك الصعوبات والعراقيل التي يضعونها أمام حياة الإنسان ولا يحاولون إستخدام طرق تيسير الحياة التي ينص عليها الدين وهي كثيرة ...؟ إلا يحاسبوا انفسهم يوماً ما على ما يخلقونه من مشاكل للناس من خلال تعقيد أمور حياتهم التي يعتبرونها ديناً وما هي إلا تفسيرهم الذاتي للدين وتعاليمه الذين يريدون من خلاله تطبيق دين الفقهاء لا دين السماء..؟
إن ما نرجوه من هذا الطرح هو ان يستجيب ذوي العقل واصحاب الحكمة والمعرفة العلمية من رجال الدين ومن الفقهاء الذين يعون ماهية العصر الذي تمر به مجتمعات القرن الحادي والعشرين ، والمجتمعات الإسلامية من ضمنها ، وأن يعملوا على إزالة ما علق بعقول زملائهم من رواسب القرون الأولى من عمر البشرية التي لا تسيئ لهم فقط ، بل وإلى كل المجتمعات التي يريدون لها أن تخضع لأحكام الأموات وتعليماتهم لتظل مجتمعات لا تعرف الأمام لأنها تنظر إلى الخلف دوماً .