كيف لأمة أن تحيا وفيها من يحكم على المرأة بالفجور، لو كشفت عن زنودها في عز الصيف ؟!



حامد حمودي عباس
2009 / 8 / 21


بالأمس حضرت حوارا بين رمزين من رموز العلمانية والتدين ، ضمن برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيره ، مثل فيه الفكر العلماني الحر السيد بسام القاضي مدير مرصد نساء سوريا ، فيما جلس قبالته لينطق باسم الاسلاميين المفعمين بروح الغيرة على مستقبل الامه ، الدكتور محمد صادق ، وقد عرف على انه أكاديمي وباحث ..
المرأة في الوطن العربي هي محور السجال بين الرجلين ، وما طالها من تطور أو نكسه كان أساس الاختلاف بينهما ليبني كل منهما أفكاره على هذا الأساس .

السيد بسام القاضي ، وبدون افتراش الكثير من الورق والسجلات والمراجع كما فعل خصمه ، بين وبسهولة واضحه بأن المرأة في بلادنا كما هي في كل بلدان العالم ، كيان انساني لا يرقى الشك في واحدة من شروط انسانيته ، ولا يمكن التفريق أبدا في أية التزامات تقع عليها كواجبات أسوة بما يقع منها على الرجل ، وليس لأحد حق الاعتراض على ما لها من حقوق ..عدا هذا لم يتعب القاضي نفسه ومشاهديه في التعكز على بطون كتب التفسير ، ولم يذهب بعيدا نحو آفاق التاريخ الفائت كي يدبر أمره في تخطي سبل الحوار .. بل طلب من خصمه أن يترك البحلقة الطويله فيما أمامه من أوراق ليحدثه بشكل مباشر وعلى الطبيعه ،بعد ان كان الاسلامي الاكاديمي والباحث يتوقف في كثير من الاحيان بحثا عن رواية عن الخليفه عمر بن الخطاب وكيف تراجع يوما عن معاقبة متهمة بالزنى لعدم توفر شروط التهمه .

لقد كان حوارا يدعو للشفقة فعلا ذلك الذي سمعته وشاهدته ، جسد ضحالة الاعتقاد بان ثمة انسجام يمكن أن يكون بين الفكر المؤسس على ضرورات البناء الديمقراطي المنفتح والمتواصل مع حضارات الشعوب بغية التقدم وبناء الحياة المزدهره ، وبين سلالات ليس لها قرار من الارتدادات الفكرية المتخلفة والتي تضع لمعانيها قيودا غير مسموح بتخطيها ولأي سبب كان ، باعتبارها مقدس لا يسمح بالتلاعب فيه .

المرأة في سوريا ، وبأعداد غير قليله ، لا ترتدي الحجاب الاسلامي ، أو انها لا تتقيد بما سمي لها من حجاب وعلى الطريقة الاسلاميه ، بمعنى انها وكما أشار السيد بسام القاضي ، ترتدي في الغالب ثيابا تظهر جزءا من زنودها في موسم الصيف ، وقد انساق الباحث والاكاديمي الاسلامي الى أنه وحسب التعاليم الاسلامية فتلكم النساء هن فاجرات ويقع عليهن وزر فجورهن وفتنتهن للرجال .. هذا معناه أننا أمام عدد هائل من نساء العرب يقعن تحت توصيف الفجور وعليهن وزر التمرد على تعاليم الدين .. ليس هذا فحسب ، بل ان عدد القنوات التلفزيونية التي تسمح للعاملات فيها بالسفور هي الاخرى قنوات مرتدة عن اخلاق الامه ، ولابد من محاربتها بدعوى التزندق وارتكاب المحرمات .
ويبتعد صاحبنا الاكاديمي في تحليلاته ( المتزنه جدا ) ليقرر وبكل بساطه ، بان المرأة اصبحت في بلداننا مدعاة للسخرية حينما اريد لها ان تكون موديلا للدعاية عن عطر أو زي معين من الازياء ، وما خلص له الشيخ الدكتور محمد صادق بهذا الشأن هو الاتي –

أولا – المرأة في وطننا العربي ، تخطت في معظم سلوكياتها الحياتية ، ما حددته لها الشريعة الاسلامية من شروط تضمن لها امكانية البقاء في حدود الطاعة واكتساب صفات الفضيله .

ثانيا – من ملامح هذا التمرد النسائي على تلك التعاليم ، هو رفض الالتزام بمباديء الاسلام في الحجاب ، وموضوع الحجاب من حيث النوع والطريقة ، لا يقبل أي تأويل في كونه يستر عورة المراة ، والتي يصعب الحصول على قطعة منها دون ان تفسر بكونها عوره .. وهي لذلك مدعوة لتغطية كامل جسدها لتبعد عنها أهم ما فيها من صفة تغطي على كل الصفات ، وهي بكونها مدعاة لفتنة الرجال ، ومسببة لأغوائهم وانحرافهم عن سواء السبيل .

ثالثا – النساء في بلداننا أغوتهن عملية ( التغريب ) .. هكذا يسميها الاكاديمي والباحث الاسلامي الدكتور محمد صادق ، بمعنى ان ما في الغرب من ( خراب ) اخلاقي قد طال نسائنا وجعلهن يحدن عن جادة الصواب ، الامر الذي يدعونا الى هبة اخلاقية علنا ننقذ ما يمكن انقاذه لتعود المراة في بلداننا الى سابق عهدها كاملةغير منقوصه . أما كيف .. فلا أحد يعلم ، غير أن من المرجح هو القيام بمقاطعة الغرب الكافر والعودة لخيمة السلف الصالح والاستمتاع بنسيم صحرائنا الجميله .

رابعا – ومن المراكز التي تشع غواية للنساء ، هي القنوات الفضائية والتي تعرض الفجور بعينه ، وهي بالتالي مسؤلة وبالمباشر عن الكثير من حالات التمرد النسائي في بلداننا ، ولذا ( والقول للدكتور والباحث الاسلامي ) فاننا لا نستغرب من رؤية شاب يضع ذراعه على كتف شابة في حديقة عامه !!! .

لقد نسي الدكتور ما آلت اليه دعاوى الفضيلة من انتشار لاكبر مساحة من الفحش في داخل عوائل اغلبها محافظة وتعتمر نفوس ابنائها بالدين ، والامر لا يتعدى كونه انفجار جراء ضغط محموم لا مبرر له غير كونه التزام بحالة السكون المرفوضة بموجب قوى الطبيعه ، انه التجرد من مبدأ الرضوخ للصفات البشرية بكل خفاياها ومواصفاتها الانسانية الدقيقه ، وابتعاد قسري عن الاستجابات القوية للعقل والجسد حين يراد لهما أن يسيرا ويعملا بغير طبيعتهما الاعتيادية .. هكذا تحدث الكوارث الاخلاقية المسببة لحالات الانتحار والمرض وارتكاب ( الكبائر ) ، ولهذه الاسباب تكونت الالاف من قصص خرجت فيها النفوس البشرية عن طورها المعتاد لتنفس عن مكنوناتها وبطرق يراها المغالون بالتطرف الديني على انها جريمة .

انني ، امتلك خزينا منحتني أياه الحياة والاختلاط بالاخرين ، يعمر بشتى الحكايات السرية لنساء ورجال تآمروا على نواميسهم واعرافهم الاسرية ليعبثوا بها ، طالبين الراحة النفسية والجسدية في اماكن أخرى غير الاماكن التي شخصت على أنها سكن لهم ، وتحفل الالاف من مراكز التجمع الاسري المحفوف بمخاطر الانهيار بشتى الحكايات المزرية من الانحرافات النفسية والجسدية شخصتها تلك الثورات العارمة على المألوف ، جراء ما وضعته لهم احكام الشريعة من مقاسات لا تستوعب أبعاد اجسادهم وعقولهم ، ومن يريد أن يطلع على صفحات لا تعد ولا تحصى من تلك الحالات ، سيجدها متوفرة على صفحات الجرائد ومحمولة باخبار الانترنيت ، كلها لو ردت الى أصولها فستجدها وليدة للحبس اللا ارادي والمسلط على الناس من قبل طلاب تطبيق شرع الله على ارضه .

لا أدري كيف لنا أن ننساق وراء مكونات فكرية توحي لنا وبشيء من الهدوء ، بأن الامر لا يتعدى كونه حرية فكرية تلك التي تقوم على هد البناء الاجتماعي برمته تحت طائلة البث المبرمج للفكر الديني بين الناس ، بل ويتم الايغال بالضحك على عقولنا ، الى الحد الذي يطلب منا الاعتقاد بأن ما يجري من تخريب متعمد لكل تفاصيل الحياة من قبل رجال الدين المتحمسين لتطبيق معتقداتهم البالية بقوة السلاح ، ما هو الا وجه من وجوه الديمقراطية وسبيل من سبل الصراع السلمي للمعتقدات ، متناسين بان الامر لا يتعدى الشروع باحداث انقلابات عسكرية لتطبيق مشاريع تهدف الى رسم مستقبل لا يبقي لنا ولاجيالنا القادمه غير الرماد واطلال الحرائق .

يوما بعد يوم ، يثبت المتحمسون لمحاربة الحياة المدنية في عالمنا ، المأزوم أصلا بواقع مرير جعله يرزح تحت نير التخلف المزمن ، بأنهم يناضلون في السر والعلن لاحداث زلزال مدمر في حياة ابنائنا من النساء والرجال ، ويؤكدون طبيعتهم الاجرامية في التوجه لاضعاف دور المراة أولا لازاحة نصف المجتمع عن طريقهم ، وتحييده باصابته بخدر يبقيه خارج حدود التأثير الانساني الايجابي والبناء .

الحجاب ، وختان الاناث ، وتطليق النساء وحرمانهن من حقوقهن بعد الطلاق ، وتعريضهن للأهانة بفعل شريعة ترغمهن للعودة القسرية الى بيت ( الطاعه ) المكروه ، وحرمانهن من أداء ما عليهن من واجبات خارج حدود المنزل وخضوعهن لوصية رب الاسره ، وعدم التمكن من السفر بدون محرم ، والمنع من قيادة السياره ، اضافة الى محاولات التأثير الديني في عقول الكثيرات منهن لقطع الوصل مع وسائل الاعلام المرئية والمسموعة كونها تبث الحرام .. كل ذلك الى جانب المئات من فتاوى الموت والتي راحت ضحيتها الالاف من النساء البريئات اما بالقتل المباشر أو بعمليات التخريب المتعمد لاجسادهن بالأحماض الحارقه ، كان نتيجة للايغال في مهاجمة العقول والاستماتة في سبيل ردها الى مواقع متخلفة جدا ، تلك المهاجمة التي لا زال رجال الدين وحملة الحق في الفتوى القيام بها لنشر الخراب الفكري والجسدي بين النساء على وجه الخصوص .

ان لقضية المرأة في بلادنا حيزها المميز من بين كل القضايا الاخرى والتي تنتظر حلا يقي هذه الامة المبتلاة من حالة الانقراض ، ومهما بالغ اصحاب الحمية العربية في أمر تفاؤلهم واطلاق حماساتهم البائسه ، فالمرأة في بلادنا على وجه التحديد باتت قضيتها تحث السير الى الخلف باتجاه العدم ، ولم يعد لها وزنها الحقيقي حتى في نفوس بنات جنسها من النساء ، فهي الآن تبدو وقد فقدت الكثير من مؤهلاتها النضالية بفعل فقدان الدعم الفعال جراء هذا التخلي المؤسف للاعداد الهائلة من النساء الواعيات عن الاستمرار بالنضال من أجل تحقيق الاهداف السامية لنصرة قضاياها الاساسيه ، وما نراه هنا وهناك من نشاطات مدنية تعنى بحقوق المرأة ، فهي تبدو أكثر ضعفا امام زخم قوي يديره اعداء المدنية والحداثة من رجال الدين والموتورين من انصاف المثقفين ، حيث تتوحد الجهود في سبيل افشال المشاريع التقدمية الداعية لبناء حياة أفضل .

وما يدعو للشعور بالمرارة والاحباط ، هو اصطفاف البعض من نسائنا ( المتنورات ) الى جانب الحركات المضادة لمنحهن حرياتهن ، وحملهن لواء الانقضاض على جبهة النضال من أجل تحقيق مساواة مدنية بين المرأة والرجل ، وبدعم يحمل خبث مبطن من بعض المصادر التي تدعي زورا بانها مصادر تنويرية ، والحجة في جميع الاحوال هو ضرورة عدم الانجرار الى مواقف تخدش مشاعر عامة الناس حينما تثار قضايا الدين من مجمل شؤن الحياة العصرية .