بازار تسليع المرأة سياسيا



رضي السماك
2009 / 9 / 7

الى ما قبل سنوات قليلة خلت من أواسط العقد الأول الحالي من الألفية الجديدة كانت الجمهورية الاسلامية الايرانية بعيدة كل البعد عن اي تفكير يخطر ببال صناع القرار فيها لتوزير اي امرأة أو اسناد حقيبة وزارية لها بغية توظيف ذلك خارجيا لكسب رصيد سمعة دولية بانفتاح النظام على المرأة ومساواتها بالرجل وتمكينها سياسيا، بما في ذلك اشراكها في صنع القرار السياسي.
واذا كان الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي المعروف باتجاهه الديني الاصلاحي المستنير لم يجرؤ أو لم يفكر في تطعيم حكومته بتوزير امرأة، أو لنقل لم ير ضرورة تفرض ذلك، بل لمجرد الدلالة على ليبراليته وانفتاحه على المرأة، فمن باب أولى ألا يفكر في ذلك البتة الرئيس المحافظ الحالي محمود أحمدي نجاد.
في ذلك الوقت كانت غالبية دول المنطقة الخليجية قد وجدت ضالتها في توظيف توزير المرأة بعدد محدود من الحقائب الوزارية (حقيبتان أو ثلاث على الأكثر) لكسب رصيد سمعة دولية في الدلالة على انفتاحها الحضاري على المرأة أو لتلميع مشاريعها الاصلاحية، لكن يبدو ان الرئيس محمود احمدي نجاد الذي دشن ولايته الثانية الجديدة وسط اعنف وأخطر انقسام ايراني حول شرعية انتخابه راقت له هو الآخر فكرة تلميع حكومته ببضعة وجوه نسائية بغية تعزيز رصيده داخليا وخارجيا، فمادام سيضمن بأن هذه الوجوه النسائية لن تكون مشاغبة أو انفتاحية من شاكلة نساء خاتمي في المناصب الادارية التنفيذية الادنى من منصب وزير، وانها ستكون مطواعة منقادة لتنفيذ سياساته وايديولوجيته المحافظة بأمانة مهما كانت نزعاته الموغلة في التزمت ومصادرة حقوق المرأة فما المانع من توزيرها لتحقيق كسب مجاني لتعزيز رصيده السياسي؟
بهذا المعنى فانه يصعب القول بكل بساطة ان اقدام الرئيس نجاد على ترشيح ثلاثة وجوه نسائية ضمن تشكيلته الحكومية المقترحة المقدمة للبرلمان قد كان مخططا له من الاصل او انه جاء في سياق طبيعي خال من الاغراض السياسية لما يعرف، مثلا، عن محمود أحمدي نجاد من اهتمام بشئون وقضايا المرأة ولما يؤرقه من تهميشها وعدم تمكينها سياسيا، ومن ثم تحقيق رغبته المحمومة الجارفة لانصافها ومساواتها بالرجل، هو الذي لم تخطر بباله هذه الفكرة اطلاقا عند تشكيل الحكومة السابقة فكيف اكتشف الآن فجأة وبلا مقدمات وجود كفاءات من النساء المحافظات الموهوبات المغيبات الجديرات بالتوزير في الحكومة الجديدة؟
ولا شك في ان الاعتراضات التي واجهها الرئيس نجاد لتطعيم تشكيلته الحكومية ببضعة وجوه نسائية قد أضفت بهارات مرغوبة على الظهور بمظهر المكافح المنافح العنيد المصمم على ادخال المرأة في تشكيلته الحكومية، ومن بين الثلاث النساء اللاتي رشحهن نجاد لشغل حقائب التعليم، والشئون الاجتماعية، والصحة، حظيت الدكتورة مرضية وحيد داست بثقة برلمان النظام لشغل الحقيبة الأخيرة.
واذا كانت السير الذاتية لكل من هؤلاء النساء لا تخلو من مفارقات ساخرة لتبنيهن ثقافة ومواقف على الضد من حقوق المرأة، فلعل في اسم وسيرة الوزيرة المحظية بالثقة (مرضية) ما يشي بالكثير من تلك المفارقات والدلالات الرمزية المكثفة الساخرة لربما ابرزها كونها طبيبة متخصصة في علاج عقم النساء، وبهذا يكون الرئيس محمود أحمدي نجاد قد ربح على حلبة السياسة الدولية الحصول على ميدالية ذهبية كأول رئيس في الجمهورية الاسلامية الايرانية يمكن المرأة من الوصول الى الحكومة.
يبقى ان نشير الى ان هذه الوزيرة ذاتها المحظية مرضية هي زوجة رئيس تحرير صحيفة "كيهان" المثير للجدل بكتاباته المستفزة لدول المنطقة حسين شريعتمداري مستشار مرشد الجمهورية.
وبصرف النظر عما قد تنطوي عليه خطوة نجاد بتوزير بضع نساء لم تفز منهن سوى واحدة من أبعاد سياسية ينظر اليها مجرد توظيف فج أو تسليع للمرأة في بازار الصراعات السياسية، لا يقل استغلالا عن تسليعها تجاريا في سوق الدعارة والإعلان، إلا أن المحافظين الايرانيين سجلوا بذلك نقطة "حضارية" لصالحهم على محافظي ومتزمتي أغلب البلدان الاسلامية سواء ممن هم في السلطة أم في المعارضة.
7 سبتمبر 2009