نساء بين مطرقة الفقر والعنف الزوجي



حياة البدري
2009 / 9 / 23

نساء في مقتبل العمر وأخريات في عمرالزهور... فبمجرد ما تطأ قدميك باب إقامة مركز" فاما " المتواجد بإقامة البيضاء بابن جدية تلتقي مع هؤلاء النساء في المصعد، يحملن على ظهورهن أطفالهن وأخريات بدون أطفال تظنهن لأول وهلة لازلن يبحث عن فارس الأحلام... قد يسألنك عن الطابق الذي يوجد به مقر الجمعية إن لم يكن يعرفن القراء أو نتيجة الهم الذي يغلف أعينهن... وبمجرد ماتجلس بغرفة الاستقبال، قرب النساء اللواتي ينتظرن الاستشارة القانونية حتى يتألم قلبك لدرجة الانفطار...لكن شريطة أن تجعل كل امرأة منا أنها هي الأخرى تنتظر الحل لمشكلتها... لكي تصل إلى الحقيقة المرة بكل حذافيرها و الواقع المظلم التي لا تزال نساؤنا تتخبط فيه، هن وأطفالهن، ضحايا العناد والاستبداد واللاعقل الذي يغلف عقليات بعض الرجال...

الرجولة أكبر من الشنب والصوت الجوهري

" خديجة" بعينين مسدلتين ويدين يتجهان بين الحين والآخر، نحو رضيعها الذي غلبه النعاس على كرسي الجمعية كلما تحرك خشية سقوطه، قائلة:" لم يعد معضم الرجال كما كنا نعرفهم، إلا من رحم الله منهم، فقد ولى عهد "الراجل" الذي يقتلعها من بين أنياب الكلاب الضارية ومن وسط النيران الملتهبة... بغية إسكات جوع أطفاله وإخراس كل لسان يحاول نعث رجل البيت بالتهاون اتجاه أطفاله أو زوجته"... متنهدة وبصوت يخنقه الحزن " لم يعد يهمهم التحدث عنهم بقلة الرجولة والشماتة... وغيرها من الكلمات التي تحقر من قيمة الرجل، فقد أصبحوا عديمي الفائدة والمسؤولية و"بدون نفس" ... والحمقى منا، الآن من تصدق أحدهم وتلد معه الأبناء...فكلما ضاق به الحال سافر وتركني وحدي أتدور حيرة وألما على حال أطفالي بدون نفقة ... وكلما طلبت منه المصروف إلا شتمني... بأبخس الكلمات النابية التي يجيدها ولا يعرف غيرها... "وأنت ماذا تفعلين عري على كتفيك وخدمي كما يخدم النساء"، فعلا أختي العمل كرامة للمرأة وعفة لها ...وياليتني أجد عملا وبكم وليس لدي أي حرفة سوى الأشغال المنزلية، وحتى إن وجدت عملا فلمن أترك هذا الرضيع وتلك الطفلة الصغيرة بنت الثلات سنوات؟ فلدي أربعة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 16 عشر وامتحاناته على الأبواب وأتمنى أن لا يؤثر هذا على نفسيته... أما أبوه فلا يهمه هذا ...ولا يشكل لديه أدنى خطورة على أبنائه ... إنه يزمجر ويرعد ويتفوه بالكلمات الساقطة ... وفوق هذا يهجرنا ويتركنا لحال سبيلنا فبماذا أعيل هؤلاء الأطفال...؟ إنه لم يهجرنا هذه المرة فقط فهو يكررها دائما وأبدا وأصبحت له عادة دائمة... فقد ضاقت بي الدنيا ولهذا أتيت إلى هذا المقر بعدما نصحني به الناس للحصول على الحل لهذه المشكلة وأثمنى أن لايطول هذا حتى لا نضطر إلى مد اليد بالشارع...

أما حالة "ربيعة" فهي لاتختلف عن خديجة كثيرا فهي الأخرى تعاني من مشكل النفقة، تحمل طفلها بين ذراعيها تجلس مرة وتقف أخرى، تشير لها إحدى المشرفات بالمركز إلى كرسي شاغر قصد الجلوس، فتخبرها أن الطفل يبكي إن جلست "كتراري" بطفلها حينا وتتحدث إلى النساء حينا آخر قائلة: "أنا لايأتي عندي إلا ساعة أو ساعتين في أحسن الأحوال، يطل ويذهب إليها، لدي ثلات أطفال أكبرهم يبلغ عشر سنوات ، "كيسمح في دارو وأولاده بنفقة زهيدة ويذهب لكي يربي أولاد الناس! إنه ينفق كل نقوده على عشيقته وابنتها ذات الثامنة عشرة سنة "ويتركنا أمام الحاجة والعنف الذي تمارسه أخته على أولادي...

بصوت مبحوح أجابتها شابة ترتدي جلبابا مزركشا، لاتزال في سن الزواج ، لكن على ما يبدو أن الظهر قد قسى عليها وأذاقها من كأسه المر، فأصبحت تبدو أكبر من سنها ، قائلة على أنها لم تطالبه بالنفقة لمدة 13 سنة لأنها كانت في غنى عن تلك الفرنكات التي سيعطيها لها والتي لن تؤدي حتى ثمن حذاء لابنها..."لكن الزمن غدار ولم أكن أعرف أن الأجواء ستتبدل، فقط لما أصبح ابني مدمنا للمخدرات وهو الآن بمركز العلاج من الإدمان بالرباط، فقط طالبته بالمساندة والمساعدة ورغم أنه "خانز فلوس" قال لي إن لم تريدي الدري أعطيه لي وسأضعه في الخيرية وأدفع عنه الفلوس"!! إن الولد يتعالج وهو غير مكترث" وأنا أحمله مسؤولية سبب هذا الإدمان الناتج عن إهمال ابنه وعدم الاهتمام به ...

النفاذ بالجلد قبل فلتان العقل وتعطيل عضو من أعضاء الجسد

أما حال "ثريا" فليس أحسن من هذه الحالات، فعلامات الحزن والهم والعياء تجثوا وتتربع بكل حرية فوق قسماتها الجميلة التي أضمرها هذا الاختيار الغير المناسب والحظ "العثر" الذي صادفها في ريعان شبابها ... فقد غير مجرى حياتها وغير نهارها إلى عثمة دائمة ونكد دائم تحملته إلى أقصى حد، من أجل الطفل الأول والثاني ثم الثالث متمنية أن يتغير زوجها في يوم من الأيام ويعود إلى صوابه ويعاملها كآدمية وليس مجرد سلعة اشتراها... له الحق في رفسها متى شاء أو آلة لاتعرف الكلل والملل ... " فقد خنقني وكبل حريتي ... إنه يقذفني بألدع الصفات حتى في أحسن أحواله وفي قمة انشراحه ولم يبقى الأمر حدود هذه الدرجة بل بات يستعمل اليد والرجل...لالشيئ فقط لمجرد أشياء جد تافهة "مكتسهلش" فقد تعبت وتعب أبنائي من هذا الذل الذي أعيش فيه مدة طويلة فقد ضاق صبري ولم أعد أتحمل ... فقد جربت معه كل الوسائل والطرق بغية إرضائه ولكن للأسف لم تنفع معه أي طريقة الشيئ الذي دفع بي إلى درجة ترك طفلي الرضيع والخروج هائمة وهاربة نحو عائلتي محاولة إنقاذ عقلي من الفلتان... فقط اليوم استطعت الرجوع إلى البيت بعدما عرفت أنه غير موجود فأخدت طفلي وأطلقت ساقي للريح مباشرة إلى هنا،حيث مقر هذه الجمعية قصد معرفة حقوقي وواجباتي، خصوصا وأنني لاأمتلك أتعاب المحامي وأجهل مالدي وماعلي...

أما "بشرى" فهي لاتختلف عن الجالسات قربها ...فكلهن جمعهن سبب واحد: البحث عن حقوقهن المسلوبة من رجال أذاقهن المر والعذاب والبخل رغم سعة اليد... وهن الان ينتظرن دورهن عند محامية الجمعية، بغية البحث عن الخلاص دون ضياع حقوق فلذات أكبادهن... تقول بشرى ذات القوام الجميل والجمال الفتان ووالصوت المنحفظ ، متنهدة تنهيدة كبيرة وكأنها تطرد الهم زفرة واحدة " لن أعود إليه وإن اضطررت إلى مد يدي أو... حتى وإن لم يقبلني أبي وزوجته، فلن أعود إليه وطفلي فربي رحيم ... فقد ضقت ذرعا بالمعاملة اللانسانية التي يعاملني بها هو وأهله ...فقد جاء بي فقط كخادمة وأقل، لوالدته وأخواته ...يهينوني ويعيرونني بأبخس الصفات وأحقر النعوت وبدل أن ينصفني يطالبني بالتحمل بغية الحفاظ على بيتي...؟ فقد جفت دموعي و طفق الكيل ومهما حكيت لن أنتهي من المعاملة المتدنية التي تعاملني بها والدته وأخواته فكل ما أقوم به لايعجب و ودائما أنا شريرة في نظرهن ...ودائما يشتكون له مني بسبب وبدونه؟! فأنا في منزلي وأحس أنني بدونه وبدون مأوى وليس لدي الحق في أن أقول لا ...فهذه الكلمة تقول بشرى محذوفة من لسانها ولا تستطيع الاعتراض حتى على المسائل الجد خاصة بها" فكل ماتقوله حماتي وأخوات زوجي هو الذي يحقق حتى وإن كان بعيد عن الحق... فقط لكسر شوكتي والتنكيل علي...إنني أعيش في سجن اخترته أنا بإرادتي و"لازم" أخرج منه للحفاظ على صحتي التي بدأت في التقهقر يوما على يوم، وزوجي يتفرج علي كل يوم وكل دقيقة... ورغم سعة يده... وبإمكانه إخراجي منه بكل سهولة باقتناء بيت مستقل عنهن ...فهو لايستطيع أن يعصى أوامر حماتي حتى وإن كانت غير منطقية ...إنها تشجعه على تطليقي في كل مرة وتهددني مابين الفينة والأخرى إن حاولت طلب الاستقلال عنهن... وأنا متأكدة، إذا حاول تطليقي والزواج من أخرى فلن تقبل أي امرأة مهما كان صبرها وجلدها، العيش معهن إن استمروا بهذا الشكل... اللهم إلا إذا عاشت مستقلة عنهن.

أما "زهرة" ذات الخمسينيات، فهي سيدة أنيقة المظهر، جميلة الوجه، لاتوجد به إلا تجاعيد تعد على رؤوس الأصابع رغم عمرها ، تستبعد تماما أن يكون وضعها مثل وضع هؤلاء النساء... إذا لم تجلس وسطهن وتستمع إليهن يحكين ويتقاسمن تجاربهن المرة... يبدو لك أنها إحدى الأستاذات، العاملات بالجمعية ... طلاقة لسانها وطرح الأسئلة على النساء ومحاولة التطرق للضرب الذي يصبه الأزواج على زوجاتهن وكيف سيقف الأزواج عن هذه العادة المرضية...والعقوبات التي يعاقبها القانون للرجال الذي يضربون زوجاتهم؟ الأزواج الذين يتم غسل دماغهم من طرف أفراد عائلاتهم... فسألناها ، هل هي الأخرى تتعرض للضرب خصوصا وأنها تعمل كأساتذة وزوجها "كادر" ودو مهنة جيدة فأجابتنا فعلا"اللوسة سوسة والجاه العلي يهزها" مشكلتي أنا الوحيدة هي لوستي ولم تكمل حديثها وصل دورها لدى مستشارو الجمعية.

أما "أمل" فمشكلها بدأ قبل أن يصل إلى مرحلة الزواج، تحس بها مباشرة مع دخولها من الباب، شابة جميلة، تلبس جلبابا وردي تجمع شعرها على شكل حلزوني، لم تصل بعد العشرين، لاترفع عينها من على الأرض، تصاحبها فتاة ترتدي الأسود، جلبابا ومنديلا تنظر هنا وهناك وأخيرا توجهت نحوي متحدتثا بصوت جد منخفض : هل هذه الجمعية تحل جميع مشاكل النساء كيفما كانت؟ فعرفت بعد تبادلنا الحديث على أن صديقتها قد واعدها أحد الرجال بالزواج وكان يحلف لها بكل ماهو غالي ونفيس ويبدي نيته الحسنة وأنه فقط يهيئ مصاريف بيت الزوجية وغيرها من التبريرات والأكاذيب... وعلى أن والديه سيأتون هذا الشهر لإتمام كل طقوس العرس... لكنه طار بدون رجعة إلى مدينة مراكش وتركها مع حملها الغير شرعي تجتر ذيول الخيبة وحدها ...

ويبقى نموذج "خديجة وتريا وبشرى..." جزء بسيط من النماذج الكثيرة للنساء بالمغرب ...اللائي تعشن العنف والقهرالزوجي الذي لايزال يرخي بظلاله على نساء مجتمعنا وأطفال العديد من الأسر المغربية والعربية ...هذا العنف الذي تظهر معظم أنواعه وكل أشكاله بوضوح... بمراكز النجدة بالمغرب و أبواب محاكم الأسرة وجنباتها... بكل ربوع المملكة المغربية... وما خفي يكون أعظم وأعظم ... فمن المسئول الحقيقي عن كساد الأخلاق وسوق الرجولة، أهي التربية وزيادة الدلال والغنج للأبناء أم هي العوامل الاقتصادية الخانقة أم أن الخلل أكبر من هذا وذاك...؟ موضوع يجب مناقشته بكل جدية ...لمحاول إقلاع هذا المرض الخبيث، المستشري بكل جنبات مجتمعنا، من الجذور، والذي يتولد عنه العديد من الأمراض الاجتماعية...