اثنان...



ثائر زكي الزعزوع
2009 / 9 / 27

تكترث كثيراً بما يقوله عنها، ويكترث أكثر بما تقوله عنه، كل واحد منهما يريد أن يظهر في عين الآخر بأحلى صوره، هي تحب ما يكتبه عنها، وهو يحب كذلك ما تكتبه عنه، يضحكان عندما يسمعان نكتة حتى وإن كانت بذيئة، يضحكان كل على طريقته، هي تداري فمها بيدها كيلا تظهر أسنانها، وهو يفتح فمه على اتساعه كي تظهر أسنانه كلها حتى وإن كانت صفراء مثل أسناني، يذهبان إلى عيادة طبيب الأسنان نفسها ويجلسان وجهاً لوجه في انتظار أن يأتي دور كل واحد منهما، كلاهما يتابعان باب الحارة وسنوات الضياع، يكرهان ويحبان أبا عصام والأسمر، ويتعاطفان مع سعاد ولميس، وقد يتابع كل منهما الدوري الإسباني صحيح أنه أكثر حماساً منها لأنه لا ينفك يركل الكرة بقدميه، لكنها أيضاً تتلمس جمال الحركة ورشاقة اللاعبين وإبداعاتهم، ولهذا قلت الدوري الإسباني ولم أقل دورينا المحلي المتقلب المتهور...
هو يثرثر كثيراً في السياسة والاقتصاد، وهي تثرثر أيضاً في قضايا المجتمع وحقوق الأطفال والنساء.
هو ذهب إلى الجامعة واستمع إلى المحاضرات، وهي كذلك فعلت الأمر ذاته وربما في الوقت ذاته، هو تقلّب على الأقل في علاقتين فاشلتين، وهي تقلّبت أيضاً في علاقتين فاشلتين وربما أكثر، هو كان يحلم أن يعيش حياة سعيدة، وهي كانت تحلم أن تعيش حياة سعيدة، هي ناصرت المقاومة وتكره إسرائيل، وهو يناصر المقاومة ويكره إسرائيل أيضاً، هي بكت بحرقة حين رأت الجنود الأميركيين يحتلون بغداد، وهو أحرق روحه بكاء حين شاهد ذلك المشهد المؤلم، هي قد تدخن وتشتري علبة تبغ من السوبر ماركت، وهو قد يدخن ويشتري علبة تبغ من المكان ذاته، ربما تشرب القهوة سادة أي بلا سكر، وربما يفعل هو الأمر ذاته، قد يقفان على موقف الباص نفسه، وينتظران الوقت نفسه، وقد يتقدمان للحصول على الوظيفة نفسها طبعاً إذا لم يكن الإعلان يتضمن عبارة للذكور فقط، أو مطلوب آنسة للعمل.
يحلق لحيته ويشتري أفضل أنواع العطور كي يعجبها، وتهتم بمناكير أظافر قدميها كي تعجبه، تزور الكوافير مرات ومرات ويصير هو صديق الحلاق، يبحثان كلاهما عما يرضي الآخر أكثر، يجلس قبالتها في السرفيس ويحاول أن يلفت انتباهها بهاتفه المحمول، وتمرر أصابعها في شعرها مرات ومرات كي تلفت انتباهه، يستاءان من صمت مجلس الأمن الدولي على حصار غزة، ويلعنان الصمت الذي يلف العالم على جرائم الصهيونية، يشاركان في اعتصام صامت، ويسيران في مظاهرة تجوب شوارع دمشق احتجاجاً على ما يحدث في العراق ولبنان وفلسطين والصومال وموريتانيا وربما حتى في أفغانستان، لا يرضيهما أن راتب الموظف لا يكفيه، وأن الفوضى تكاد تدمر ما بقي من جمال في مدينة دمشق...
يتذمران، يلعنان، وربما يكفران، يسيران، يقفان، ينتظران، يلبسان، يدخنان...
فلماذا يقتل الرجل المرأة إن أحبّت، ولا تقتل المرأة الرجل إن أحب؟؟؟