واجعل نساءهم غنيمةً لنا



شريف حافظ
2009 / 10 / 2

تناول المرأة في الأدبيات والأحاديث الدينية لشيوخ التشدد، أصبحت "مغتربة" بشدة عن المجتمع المصري المعتدل في خطابه الديني منذ الأزل. فقد أصبح النظر إلى المرأة (أي مرأة، وليس فقط غير المُحجبة) بوصفها آداة وليس إنسانة، تحيا وتفكر وتُبدع وتُربي أجيال للمستقبل، بوصفها أُم في المقام الأول. فأغلب هؤلاء المُتشددين، ينظرون إلى المرأة، بوصفها "وعاء جنسي" أو بالأصح "مفرخة"، مُنجبة "للعزوة". كيفية التكوين الذهني لتلك المرأة، ليس بالمهم لديهم. المهم أن تكون "عابدة لله وحافظة لفروجها وفقط"، ولو كان هذا في الظاهر فقط (كم المحجبات، الذين يثرن الغرائز في الشارع المصري اليوم، أكثر بكثير من غيرهن. كما أن الخارجات من أبواب الكباريهات صباحاً من العاملات فيه، محجبات في أغلبهم!). أما عن العقل، فهذا أمر ثانوي، لا يهم بالنسبة لهؤلاء، لأنهم يرون أن المرأة لا تفكر بالسليقة. وبالطبع، سيأتي من يقول، أن كلامي هذا هُراء، وأنني أتكلم من وحي موقف ما من هؤلاء المتشددين. ولكني أملك الدليل، المُسجل بالصوت والصورة، بالإضافة إلى أدبيات، لا يُمكن بحال أو بآخر، إنكارها!

فمثلاً، يقول الشيخ أبو إسحاق الحويني، واصفاً النساء بصفة عامة في حديثه عن سيدات "منتقبات" يقدمن برامج دينية في قنوات الفتاوي المنتشرة الآن: ".. وماذا عند هذه المرأة من العلم حتى تقدمه؟ العلمُ إنما هو للرجال.. العلم بتاع الرجالة بس! أي إمرأة .. مع إحترامي يعني، علشان مافيش واحدة تفكر إني أنا بفطس في الكل..أي إمرأة مهما صعدت، هي مقلدة وعامية.. مافيش إمرأة دارسة العلم على أصوله، تعرف تفرع صح وتعرف تستنبط صح وتعرف تخرج صح وتعرف الأحاديث صحيح ولا ضعيف!" وفي إطار حضه على النقاب، وإخفاء وجه المرأة، يقول شيخ "فضائي" آخر، محمد حسين يعقوب، ".. واللي بتمنع بنتها من النقاب علشان تتزوج .. عايزاها تتزوج مين؟ تتزوج واحد ما عندوش دين؟؟؟ النقاب عصمة.. مش حيخليها تمشي غلط! تقولي، لأ، ده بالعكس، بيتداروا في النقاب ويعملوا غلط! بلاش كذب وترويج إشاعات! المنتقبات فُضليات!" ولن أعترض على كلام السيد محمد حسين يعقوب، ولكن أسأل القارئ العزيز أن يطلع بنفسه على ما تقوم به بعض المنقبات (ولم يثبت أبداً أن النقاب فرض)، من موبقات نُشرت في صفحات الحوادث المختلفة في الصحف خلال السنوات الماضية ولتسألوا سائقي التاكسيات في مصر، حول بعض الفتيات المنقبات اللاتي يخلعن النقاب في السيارة الأجرة، ليتتبدل شكلهن، بعد تركهم المنطقة، محل سكنهن!!

وبينما نحن في القرن الحادي والعشرين، فان هناك شيوخاً يرون، أن الشرع لم يحدد سن زواج الأنثى. حيث أن منهم من لا يُمانع أن تتزوج الطفلة، بنت التسع سنون، لو أنها "صالحة للرجال". أي أن رأيها لا يهم. كما أن نضوج عقلها، ووفقاً لهذا الكلام، ليس بالأمر الأولي في مسألة زواجها. فقد قال أحد الشيوخ الأزهريين على قناة دريم، ما يلي: ".. في بنت عندها 15 سنة ومقرودة أد كدهوة (وأشار بيده مُدللاً على صغر حجمها) وما تنفعش لحاجة وما تعرفش حاجة! فيه واحدة عندها 10 سنين وتلاقيها بسم الله ما شاء الله أد الحيطة.. مثلاً! هيا العملية بتتوقف عليها .. الشرع لم يحدد سن .. تسع سنين وتتجوز .. أنا قلت إذا كانت تطيق الفحل!!"

وقد أنزل القرآن أية في مسألة الزواج من ما "ملكت أيمانكم" من النساء المقصود بهن الرق. وقد عرضت قناة "إقرأ" الدينية، برنامج في هذا الشأن حيث جلست المذيعة بين عالمين من الأزهر الشريف، وسألتهم حول ما يُمكنها كمسلمة أن تقوله في مسألة تلك الآية، والردود كانت عجيبة حقاً، من عالمين أزهريين، المُفترض أننا نستقي منهم العلم. فلقد أخذ أحدهما يدافع عن القرآن وكأن السيدة تهاجم الكتاب الكريم، بينما كانت مجرد تسأل في برنامج مُذاع، حول كيفية تفسير ذلك، وقد إختفى الرق لدينا! ولما إستمر الرجل في تلاوة الآية (وأكرر: على قناة إقرأ الدينية!) دون رد، قالت المذيعة: "يعني باختصار ما عندكمش رد!" قال الرجل:"لأ.. عندنا دنيا! إزاي ما عندناش رد؟ إزاي؟" فقالت المذيعة مُكملة كلامها مستنكرة رده الغامض:"هو الدين بتاعنا كده .. واللي مش عاجبه يتفلق!! .. طيب إذا واحد من الشارع عادي بيسأل، ما نردش عليه؟ أنا عايزة أعرف.. أنا"، فرد الشيخ الآخر قائلاً، وكانت تناديه بأسم الشيخ جمال:"عايزة تعرفي أيه؟ ما بنقولك أهو.. القرآن موجود!!" فقالت المذيعة للشيخ جمال:"عايزة أقولك حاجة بصراحة.. أنا بمنتهى الصراحة، عايزة أقولك أن 90 % من أبناء المسلمين، وأنا منهم، ما نعرفش العلة فيما "ملكت أيمانكم"، .. ومش قادرين نهضمها بصراحة!" فرد عليها الشيخ جمال رد غريب للغاية: "مش ضروري تعرفي!" فقالت له:"يعني أيه مش ضروري؟ معقولة ده رد يا شيخ جمال؟ أسألك سؤال وتقولي مش ضروري تعرفي؟" فيقول الشيخ جمال: "آه طبعاً! على المسلمين كلهم! هو فيه حكيم في الدنيا يتبوأ أنه يحلل حكمة ربنا؟" فتقول المذيعة:"دي مش حكمة إلاهية، دي حرية بشرية" فيقول لها الشيخ:"كل واحد حر في نفسه!"

وهنا يظهر تماماً قصور الشيوخ في إفهام الناس دينهم، وهم من هم ويعملون في الأزهر، وليس في زاوية أو كُتاب. وقد "عُطلت" آيات عدة، في زمن الخليفة عمر بن الخطاب ومن بعده، لإنتفاء وجود ما نص عليه القرآن في وقتها، وكان في مقدورهم أن يقولوا، أنه طالما لا يوجد رق اليوم في بلادنا، فان تلك الآية كانت لهذا التوقيت أو أنها مُعطلة أو أن يبينوا ما أُغفل على الناس. ولكن الشيخ في النهاية قال، أن المسلمين كلهم، مش مهم يعرفوا! وهذا عجب العُجاب! فان كان ليس من الضروري، أن نعرف أمر ديننا في مسألة كتلك، ونمضي هكذا بدون فهم لما نفعل، فلما يحضنا الله على التعقل والتفكر في القرآن العظيم؟؟؟ إنها لإجابة غريبة، في أمر إستعصى على فهم 90 % من المسلمين كما تقول المذيعة حقاً!

وليس فقط هذا النص يستعصي على فهم المسلمين ولكن هناك أشياء كثيرة تستعصي على فهمهم فيما يتعلق بتناول العاملين في حقل الدين، فيما يتعلق بمسألة النساء، والتعاطي معها من قبل الإسلام. وليس السؤال كُفر، وإنما هو إستزادة في الفهم، حتى نفهم ديننا. وقد إستوقفني دُعاءً غريباً، يُقال على منابر المساجد، حيث يقول الشيخ يوم الجمعة، داعياً على اليهود والكفار، "اللهم شتت جمعهم ورمل نساءهم ويتم أولادهم وإجعل نساءهم غنيمة لنا". فبالنظر إلى هذا الدعاء، نجد تواكلاً على الله، لا مثيل له! فالله سيحارب لنا ويشتت شمل الأعداء، ويرمل النساء وييتم الأولاد وفي النهاية وبينما نجلس في بيوتنا أو ننام، سيكافئنا الله عز وجل، (لا أعرف على ماذا، طالما أن الله قام بكل شئ، بينما نحن خاملين)، بأن يعطينا نساءهم غنيمة لنا، وبالطبع، واضح جداً، الإيحاء الجنسي في هذا الدعاء، ودون لبس!

أي أن الفكرة هنا، في مجملها فكرة جنسية بها إنتقام وليس نشراً للدين كما كانت الحروب وقت الرسول صلى الله عليه وسلم. فليست الدعوة بالهداية مثلاً، كما كانت الدعوات قديماً، ولكن كل الدعوة شر! وحلم بنساء العدو! وهي دعوة واضح فيها النظر إلى المرأة كوعاء جنسي وليست كأم ولا أخت ولا زوجة صالحة! إنها تنظر إلى المرأة وفقاً لثقافة الإستمتاع فقط، وليس وفقاً لمعايير دينية ينص عليها القرآن! فهنا إختصار للدين كله في أمر مشين ونظرة للمرأة على أنها أداة تفريغ ليس إلا!

والغريب، ورغم أن النساء هن أكثر من باستطاعتهم تدبير شئون المنزل اليوم، نظراً لإنشغال الزوج في الحال الإقتصادية التي نحياها، أن هناك من لا يزال، ينظر إلى تفسير أبن كثير والطبري، في الآية، "ولا تؤتوا السفهاء اموالكم"، بأن النساء والأطفال هم المقصودون بالسفهاء - على أنه أمر صحيح! وأنا لا أقصد التعدي على أيٍ من العالمين، لأني ومن قرائتي لهما، أشهد بعلمهم، ليس فقط في تفسيريهما، ولكن في مجمل كتاباتهما. ولكن تفسير الآية اليوم بهذا المنطق لا يجوز، بل ولا يتماشى مع منطق سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كانت السيدة خديجة بنت خويلد تاجرة ومن أغنى أغنياء قريش، وهي من إستأجرت الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثل السيدة خديجة الكثيرات من النساء، واليوم هناك سيدات ممكن يعملن مديرات لشركات وممن تبوأن أعمال أكبر بكثير، وبالتالي، لا يُمكن النظر إليهما هكذا!

إن الإستماع إلى شيوخ الفضائيات وشيوخ يُجيبون على الناس فيما يخص أسئلة بشأن دينهم، باجابات تتمثل في مقولة "مش ضروري تعرفي"، يسيئون للدين بشدة، أكثر بكثير مما يسيئ له أعداء المسلمين! لأن من يسمع هذا الكلام، وهو شاب يافع، قد يكون له نزعات غير سوية، لن يسمع بعد ذلك كلام أمه، لأنها إمرأة "بلا علم، لأن العلم للرجال"! بل إنه سيسفه النساء جميعاً، وينظر إلى أي رجل لا ينقب زوجته، على أنه فاسق! وسيزوج أبنته قبل أن تبلغ، لأنها "أد الحيطة"! كيف تستقيم الحياة ونحن نُحقر نصف المجتمع؟ كيف تستقيم الحياة والتي تشرف على تربية طفل، طفلة؟؟ كيف نقيم أمة مصرية قوية، ونحن نُقصي النساء من الحياة؟ أوقفوا هؤلاء الشيوخ، لأنهم يجلبون لنا سُخرية العالم من الدين، وليس منهم، لأن الناس تظُن، أن هذا هو الدين وليس هؤلاء! وقبل أن نهتم بمن ينتقدون ديننا، من خارجنا، علينا إعادة تفسير الخطاب الديني الخاص بالتعامل مع المرأة وتشريفها، بشكل يُعيد لنا هيبتنا!