هل قذف المُحصنات أصبح حلالاً؟ (2)



شريف حافظ
2009 / 10 / 19

سمعت ما قاله شيخ الأزهر حول النقاب، عندما كان يتفقد معهد أزهري، وعجبت للأسلوب ولكن وفيما يتعلق بأمر خلع النقاب في الحرم التعليمي، وجدت أنه ليس لي في ذلك ناقة ولا جمل، لأن المتكلم شيخ الأزهر، الأعلى مني في شؤون الدين، ولأنه يتكلم عن الحرم التعليمي، الذي يؤتمر بأمره، ولأنني مؤمن بحرية إرتداء الشخص ما يريده في خارج الأماكن التي تفرض زي مُحدد. كما أنني قد كتبت في مقالي السابق، مؤيداً ما ذهب إليه النائب "الإخواني" الدكتور حمدي حسن، في برنامج العاشرة مساءً، بأن النقاب ليس فرضاً ولا سنة وإنما هو حرية شخصية. وأنا مقتنع بما أقول، ولن أحيد عنه قيد أُنملة، لأنه رأي المنطق، والمنطق يتماشى دوماً مع ديني الإسلامي الحنيف، لمن يدرك كلمات الله الموزونة بميزان من السلسبيل ويتعمق في ما خلف الكلمات ولا يعبد النصوص دون قراءة للآراء المختلفة في الأمر!

إلا أنه ومع تنامي ظاهرة التراشق بين المعسكرات المختلفة فيما يتعلق بقضية النقاب، التي أخرجت نفسي منها منذ اللحظة الأولى، كما قلت، ظهرت آراء، أقل ما يُمكن أن توصف به، أنها مُثيرة للفتنة، بين الناس، وحاضة على الإنقسام الشديد، إن لم يكن اللجوء إلى القضاء لمُقاضاة قائليها، وهو الجهة الشرعية لضبط السلام العام في المجتمع. وفي هذا الإطار، ورُغم أن أغلب الناس ممن يؤمن بالمنطق المدني للأمور، أقصوا أنفسهم من المعركة، تاركيها للمتخصصين ليبتوا فيها، فان "بعض" شيوخ الفضائيات من مُثيري الفتن، ما لبثوا أن أججوا الموقف، ليعلنوا أن "كل متبرجة، عاهرة"!! والمتبرجة في مفهومهم، هي الأنثى التي لا ترتدي حجاباً ولا نقاباً. وبالطبع، فان قائل تلك العبارة يجب محاكمته، لأنه قذف عدداً من النساء يفوق ما يمكن تصوره!

فقد قال الدكتور صفوت حجازي، "لا يجوز لمخلوق أن يقول إن ارتداء النقاب عادة، ومن يرى أن التي ترتدي النقاب يمكنها أن تخفي من أسفله مطواة، فإن التي تخرج متبرجة وتظهر زينتها للآخرين عاهرة وتخفي معها الشيطان" ولو أنه سكت عند رؤيته في المنقبات، لهان الأمر، فالتعبير عن رؤيته الخاصة في النقاب، مكفولة، ولكن رؤيته أن المتبرجة عاهرة، ليس مكفول، له أو لغيره! فكم من محصنات قذفهم بهذا القول وهو داعية للدين!! فكيف يُنظر إلى ما قال، من موقعه؟ وهو المفترض أنه قدوة لغيره من الناس!!

وقد قال الشيخ مصطفي العدوي، أنه يستنكر "أن تسمح الجامعة بدخول المتبرجات العاهرات بينما تمنع المنقبات الشريفات ويضيق عليهن"!!! ووصف العدوي القائلين بعدم وجوب النقاب بأنهم "طائفة من أهل الزيغ والانحراف، ورماهم بالفسق والفجور، وبأنهم دعاة الرذيلة، وجند الشيطان الذين سخرهم لنشر مذاهبه الباطلة!." وعندما جائني الخبر وقرأت، دُهشت، لكم "السهولة" التي ينطق بها هؤلاء الشيوخ، الذين يدعون إطاعتهم الله أكثر من غيرهم، كونهم شيوخ، في قذفهم المحصنات بكل هذا اليُسر!!! بتلك البساطة، يرمي شيخاً كل هذا العدد، المتجاوز للملايين من المحصنات؟؟؟ لابد وأن القيامة ستقوم، لتبدل الشيوخ من دُعاة خير ورخاء إلى دُعاة فتنة وحرب!!! والغريب أنه يرمي من يرى أن النقاب ليس فرضاً بالفجور، وهو بذلك رمى الشيوخ البيهقي والنووي الشافعي وابن قدامى الحنبلي وغيرهم، من علماء التراث الإسلامي، بأنهم "طائفة من أهل الزيغ والانحراف، ورماهم بالفسق والفجور، وبأنهم دعاة الرذيلة، وجند الشيطان الذين سخرهم لنشر مذاهبه الباطلة!." فهل يستقيم مثل هذا الكلام؟؟؟

بل أين هؤلاء من آيات قذف المحصنات في القرآن الكريم؟ فان كان النقاب يستلزم كل تلك المعركة، الرامية للمحصنات "بالعُهر" دون دليل، فانه ووفقا لمنطقهم، يستوجب عليهم الحد! أليس كذلك؟ أم أن الدين بضاعة، بالنسبة لهم، تُباع وتُشترى وفقا للطلب أو العرض ويؤخذ منها ما يشاءون؟؟ فهؤلاء، ووفقا لنص الله عز وجل، يستوجب عليهم حد الجلد ويجب أن يُمنعوا من أن يظهروا على أي قنوات فضائية، لأنهم ووفقا لنص الله، لا تُقبل لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون وقد لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم! وهذا هو كلام الله وليس كلامي والعياذ بالله! وقد أمرنا الله عز وجل بالوسطية في الدين، وكان من الحكمة لو أنهم يستنكرون عدم إرتداء الحجاب أو النقاب، أن يُعبروا عن آرائهم بأسلوب مُهذب يتماشى مع الدين ويستلهم منه وبذلك يتماشون مع الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة، وليس مع هذا الكم من القذف لمن لا يرضون عن إختياراتها، سواءً من النساء أو من أقوال أجلاء العُلماء من القدامى والمحدثين!

ولقد دُهشت في الجزء الأول من هذا المقال بجريدة اليوم السابع، http://youm7.com/News.asp?NewsID=145986، من كم الإنتقاد بل والسخرية التي تعرضت لها ممن يصفون أنفسهم بالإسلاميين أو بالأصح مُستغلي الدين، بينما كنت أنا أنتقد من يقذف المحصنات، عندما إنتقدوني لموافقتي للدكتور حمدي حسن، نائب كتلة الإخوان في مجلس الشعب، على حرية النقاب، وتركوا متن المقال، دون إشارة إليه، وكأنهم يوافقون تماماً على حرية قذف المحصنات!!! أنه لأمر غريب حقاً، أن يترك الشخص أساس ما تم الحديث عنه، ليناقش الفرعيات! والأغرب أن "يعبد" الإنسان قطعة "قماش"، ويترك كل ما يتعرض له المسلمين من مظالم في شتى بقاع الأرض! أي أن قطعة القماش تلك، فيها شرف الأمة وعرضها، بينما الفقر والجهل والمرض، وهي الأمور التي تؤدي ببعض المحجبات والمنتقبات والمتبرجات، إلى الدعارة الحقيقية، لا يؤجج لديهم ذرة مشاعر للحديث عنه!! وكأن الظاهرة الأساسية للمرض، لا تهم، ولكن المرض نفسه! فكيف يتم القضاء على المرض، إن لم يُقضى على الظاهرة المؤدية له؟ بمنتهى الصراحة، لا أفهم منطقهم على الإطلاق!

إن منبع الرغبة الجنسية ليس في غطاء رأس، مع إحترامي الشديد لرؤية الدين، ولكن في العقل. فلا يمكن لشئ أن يمنع المرأة عن ممارسة الجنس، إلا عقلها! ولا يوجد أي دليل لعفة الأنثى غير رجاحة منطقها وقدرتها على التمييز ونوازعها الداخلية. أما أن نختصر شرف المرأة في قطعة من القماش، فهو أمر مُضحك للغاية. وأنا هنا لا أفرض رأياً ولكن أناقش اللامنطق لمن يريد فرض ما يريد. فكلُ حر فيما يريد أن يرتدي، والدخول في حرية الملبس، لأمر غاية في السُخف ويُعبر عن مضيعة للوقت، للأننا لن نغير من الأمر شيئاً!

لقد نسي "بعض" الشيوخ والمتخصصين في أمور الدين، كما هو ظاهر، طبيعة دورهم، ليقوموا بعكسه تماماً. فبدلاً من الحض على الوقوف ضد رمي المحصنات، يقومون هم، برمي المحصنات. وبدلاً من تهدئة النقاش وتقويمه ليصبح عقلاني وإن طبقوا ما أرادوا في النهاية، فانهم يشعلوا فتيلاً لن ينطفئ. ولقد نمى إلى علمي، أن سيدة قد ساءها ما قاله الدكتور صفوت حجازي، قد رفعت عليه دعوى القذف. ولها كل الحق في ذلك! ويجب أن يأخذ القانون دوره، بدلاً من أن يأخذ الناس حقوقهم بأيديهم.

وأتمنى في نهاية ما كتبت، أن نلجأ إلى مناقشة قضايانا ولو كان النقاش عنيفاً، ولكن دون إساءة للغير. فيجب أن نتناقش ونختلف ونأخذ ونعطي، كي نصل إلى كلمة سواء، وحتى إن إختلفنا، أن يحترم أحدنا الآخر. وأن نستلهم في حوارتنا العقل والمنطق وعدم الإساءة لأحد، لأن الإساءة سهلة للغاية ولا تحتاج إلى أي عقل، بل إن البلطجة أسهل ما يكون! ولكن حديث العقل يحتاج إلى فكر وعقل، وليس كل إمرءٍ يملك العقل، لأنه أصعب من السب والقذف. وفي النهاية، فانه، إن رُفعت الأيدي، تساوت الرؤوس، فما الفرق بين السابين للدين وهؤلاء الشيوخ، الرامين للمحصنات، الآن؟؟؟

لينك الجزء الأول من هذا المقال في الحوار المتمدن
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=188176