الصمت الذى صنع فقها



محمد عبد الفتاح السرورى
2009 / 10 / 21


رؤية فى ظاهرة النقاب

السؤال ... كيف تسيد على حياتنا فقه أحادي وتم تحييد أى فقه مخالف أو مناهض له؟

....

السؤال ... ما هي الأسباب التي دعت الى هيمنة فقه صحراوي بدوي على عقول وقلوب دولة كانت يوما ما حاضره للثقافة العالمية وحاضنه لها.

السؤال ... ما هي العوامل التي أدت الى وهبنة المجتمع المصرى؟



أكاد أجزم أن أحد الأسباب الرئيسية التي جعلتنا نصل الى هذه الدرجة من الإنحدار الفكرى والثقافى هي هذه الحالة المريبة من الصمت تجاه هذا الخطاب الأحادي الذي يبث في عقول وقلوب العامة ليلاً ونهاراً ويرسل إليه أفكارا تجعله ينعزل عن المعطيات التي تأخذ به الى الاندماج في بحرا الحياه المعاصرة .

وأكاد أجزم أن هذا الصمت بدوره هو الذي صنع هذا الفقه ... فلولا الصمت ما كان هذا الخطاب ليتجرأ علينا كل هذه الجرأة فيما يطرحه من أطروحات سلفية ماضوية بعيدة كل البعد عن واقع الحياة المعاش أو الرغبة فى رسم ملامح مستقبل مأمول .

لقد صنع هذا الصمت فقهاً.... فلولا هذا الصمت لكان هذا الخطاب السلفي الآن يقاوم ولا يهاجم كما هو الحال الآن ... إن هذا الصمت قد صنع من هذا الفقه جيشا هجومياً على كل ما يخالفه لا جيشاً دفاعيا ضد كل من يناهضه.



لقد صنع هذا الصمت فقهاً ....فلولا هذا الصمت تجاه هذا الخطاب السلفي الماضوي لكان المتحدثين بلسان هذا الخطاب يحملون الآن هم الرد على ما يطرحونه من أفكار وفتاوى ولكن لأنهم يعلمون جيدا أن خطابهم هذا سيواجه إما بالقناعة ممن يقبل أو بالصمت ممن يرفض و لو كان يعلمون ان المواجهه والنقد لكل ما يطرحونه سوف يأخذ نفس المساحة الأعلامية والشعبية لجمحوا جماح هذه الفتاوي وعقلوعقال هذا الخطاب.



لقد صنع هذا الصمت فقهاً ... بما صمت عن سرعة المواجهة وقوة المعارضة ... صحيح أن هناك من يردون ويرفضون ولكنهم للأسف لا يملكون مثل ما يملك متحدثي خطاب السلفية المتخلف .

. كثير من ذوي الرأي آثروا الصمت وقاية لانفسهم من عنت الجدال أو يأسا من تغيير واقع صارت له السيادة والسؤدد .

كثيراً ما كنت أتساءل كيف إستطاع هؤلاء السلفيون والوهابيون التمكن من عقول والباب العامة وبعض من الخاصة .

والأجابة الوحيدة المقنعة على هذا التساؤل هو أن هذا المجتمع بكل ثقلة الثقافي والحضارى قد صمت دهراً على المطروح السلفي وعندما إستفاق البعض كان الأوان قد فات وصار لهذا المطروح الغلبة في مجتمع ريفي الفكر بدوي المنهج .

ولعبت الظروف الاقتصادية دوراً فيما حدث من إحساس عام بالإحباط مما جعل اللجوء لرجال وسيدات الدين مهربا لهذه النفسية المهزومة.

ولكي يكون كلامنا موثقا ومبرهنا عليه نسوق ما نبغى قوله في مثال محدد تال –

هاج المجتمع المصري وماج في الأسابيع الأخيرة حول مسألة النقاب وتصريحات شيخ الازهر بشأن شرعية النقاب وهل هو فرض أم فضل وعادة أم عبادة... و محل حديثنا فى هذا المقام هو الظرف أو السبب الذى جعل من هذه القضية تأخذ كل هذه المساحة الأعلامية وكل هذا الإهتمام الشعبى.

أننا جميعا صمتنا دهرا عن هذه الظاهرة (اعنى ظاهرة النقاب) وعندما صارت هذه الظاهرة علامة من علامات الشارع المصري بدأت المواجهة رغم أنها لم تكن خافية على أحد منذ البداية ... فالمنقبات لم يظهرن فجأة في الشوارع بل كان هناك تدرج في إنتشار النقاب ولما تحرك مناهضى النقاب أصبحوا يتحركون ضد فكر وفقه له الغلبة والحضور في نفوس وأذهان العامة .

صحيح أنه كانت هناك دائما محاولات لمناهضة هذا الزي الكريه ولكن هذه المحاولات لم ترق أبدا لكي تكون حركة تثويرية ترفض هذا الزي وتعمل ضد العقليات التي تتبني الدعوة اليه .

- ظاهرة النقاب مثلها مثل أى ظاهرة دائماً ما تأخذ صفة التدرج إما أن تموت في مهدها أو تتسيد وتصبح من القوة بحيث يصعب تحجيمها وهذا ما حدث... انني اعتبر أن ما حدث للنساء في مصر هو ما يمكن ان أسميه (التناقب) أى نقل زي النقاب من إمرأة الى أخرى بصورة لعب الولع بالتقليد فيها دور .... فما إن تلبث فتاة او سيدة بإرتداء النقاب ودون أن تدعوا غيرها الى إرتداءه تلعب عملية التناقب دورها وتقل المقاومة رويدا رويداً حتى ترتديه أخرى ومن أخرى الى أخرى حتى صار النقاب زياً لا يمكن تجاهله في مصر... زياً ترتديه فتيات صغيرات ( رحم الله أيام الضفائر( ويتدخل الفقه والفكر الذكوري في الموضوع ليزيد الضغط على النساء الفتيات في هذا الشأن .

المفارقة التي نلاحظها ان ما حدث للنقاب هو نفسه ما حدث للحجاب وأقصد بذلك) تمصير النقاب ( فلقد بدأ الحجاب زيا كاملا مستقلا بذاته.. ورويدا رويدا صار الحجاب منفصلاً عن الزي التابع له من رداء واسع وخلافه.. ولم يعد أكثر من طرحة على الرأس أيا كان الزي أسفله. وهو ما يحدث للنقاب الآن. فصرنا نرى نقابا مزركشا وعباءة ضيقة واكتحال في العينين .... وهذا الشئ طبيعي لأن المجتمعات مثل الاجساد ترفض الأعضاء الغريبة المنزرعة فيها والنقاب زياً لا ينتمي لمصر ولكنه ينتمي للصحراء ومصر ليست صحراوية الثقافة



المعركة ضد النقاب لا يجب أن تهدأ ... لأن هذا معناه أن يرضخ هذا المجتمع لفقه وفكر أبعد ما يكون عن الحضارة والتقدم .

ولا بد أن تنتبه الحركة الثقافية والأجتماعية في مصر لمثل هذه الظواهر مستقبلا فإذا جد علينا جديد لا يجب أن ( نصمت( تجاهه حتى يصير وحشا يفترسنا إن حاولنا مقاومته وذلك لأن كما أن القول يصنع فقهاً بما يصبه في آذان وعقول متلقيه فالصمت أيضا يصنع فقهاً بما يتركه من مساحة خالية يرتع فيها المتحدثون ويصولون ويجولون دون أن يردعهم رادع ودون أن يخافوا من المواجهة والتي ينأى الكثيرين عنها إما شراءا لراحة البال او يأسا من التغيير أو خوفا من الوقوع في حرج عدم القدرة على صياغة الرد صياغة تجابه براعة رجال السلف وفقهاء البدواة فى التحدث وسوق الحجج والبراهين وإمتلاك نواصى الحديث وطلاقة القول فيصبح الصمت هو الحل.. ومن ثم يصبح بعد ذلك هو المشكلة... ولذلك فإننا لن نصمت وسنقاوم كل محاولات تصحير هذا المجتمع و سنناهض بدونه مصر وسنحارب كل محاولات وهبنتها ولو كره الكارهون

لا يجب أن نصمت لإن الصمت يصنع فقهاً كما يصنعه القول تماماً ولهذا

لنا عند المنقبات ومشايخ الفضائيا ت سؤالاوبيانا أما البيان فهو... . ليس من حق اى إنسان أن يرتدى ما يشاء ..هناك ضوابط لكل شىء بما فيها الأزياء وإذا كان المجتمع المصرى منذ أمد إتفق على أن من شروط أزياءة الأحتشام والوقار للرجال وللنساء على حد سواء نقول.... إن النقاب ليس إحتشاما ولكنه نفى للمرأة إنه زى يتعارض مع الفطرة السوية ...المفارقة أن المنقبات لا يجدن أى غضاضة فى أن يذهبن لكليات تتعارض مقتضياتها مع هذا الرداء وهنا السؤال لماذا تذهب المنقبة لكلية الهندسة؟ ولماذا تذهب لكلية الطب؟ ولماذا تدرس فى كلية الحقوق و جميعها مهن تحتم الإندماج والتعامل الحيوى مع المحيطين فكيف سيتعامل المجتمع المهنى مع المنقبات أليس من حق المرء أن يعرف مع من يتعامل التى ترتدى النقاب هى فى الواقع يرتدى هو الاخر النقاب أمامها بمعنى أن المجتمع لا يراها أى ان المجتمع هو الاخر قد صار بدوره منقبا رجالا ونساء

إن أسوأ ما يبتلى به أى مجتمع من المجتمعات هو التنميط ..أيا كان مجاله تنميط الفكر تنميط الذوق تنميط التفكير وأيضا تنميط الزى لأن التنميط معناه الموات

توحيد الزى المهنى مثل زى الممرضات أو زى العاملات بحكم المهنه فإذا ما خرجن للمجتمع العام عادت كل واحدة لزيها الطبعى الموافق لذوقها وثقافتها أما النقاب فليس توحيد للزى ولكنه كما سبق وذكرنا تنميط له وليس هذا فحسب بل إن هذا الزى يتعارض مع طبيعه المجتمع المصرى وطبيعة بنيته الإجتماعية والأثنية فالمرأة الريفيه لها زى والمرأة البدوية المصرية لها زى والنوبية لها زيها المتوارث وهكذا وإذا بهذا النقاب ينمط كل هذا فى زى واحد ويالته زيا جضاريا ولكنه حتى لاينتمى للآدمية ولا للإنسانية بأى صلة

إن الحديث عن النقاب حديث يطول ولكننا فقط نحاول الا نقع فى فخ الصمت كما ذكرنا نحاول فقط ولو محاولة متواضعة أن نبين أنه لا يزال فى هذا المجتمع المكلوم أناسا يرغبون له الرفعة والتقدم ويأملون للمرأة أن تتواصل مع الحياة ولا تنعزل عنها ويرغبون أن يعود هذا المجتمع وأن تعود مصركما كانت دوما منتجه للثقافة وليست فقط مستقبله لها