نضال المرأة من أجل الكرامة



محمد عبد الفتاح السرورى
2009 / 10 / 26

* أكاد أجزم بيقين راسخ أن هناك فجوة هائلة بين الخطاب الديني المطروح وبين حقيقة الواقع المعاش ... وأكاد أجزم أيضا أن الرواسخ والثوابت الأجتماعية تعد مسئولة عن الحالة التي تعيشها المرأة المصرية ... بل وأؤكد أن العادات والتقاليد الاجتماعية كثيراً ما يتغلب خطابها على خطاب الأوامر والنواهي الدينية وأن الموروث الأجتماعي له الغلبة في سياق الحديث عن المرأة المصرية وأحوالها ولكن المورث الديني والموروث الاجتماعي يشتركان سويا في النسق العام الذي يشيع جواً من العداء تجاه المرأة وتجاه نضالها في الحياة حتى لو كان هذا النضال نضالاً شريفاً.

قضية عمل المرأة :

ذكر أحد المفكرين يوما أننا لا زلنا نرواح في المكان نفسه وتذكرت هذه المقولة الحقه عندما يأتي الحديث عن عمل المرأة وهل عملها أولى بها أم بيتها ... وسبب تذكري لهذه المقولة هو أننا وحتى الآن ونحن نقترب من توديع العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرون لا زلنا نردد نفس المفاهيم ونطرح نفس القضايا ونتناقش في نفس المشكلات التي كانت مطروحة في بداية القرن المنصرم وربما قبل ذلك أيضا..ومعنى هذا اننا بالفعل لازلنا نراوح فى المكان نفسه.

تعد قضية عمل المرأة من القضايا الشهية لدى رجال الدين ومن يتبنى خطابهم العام ... فهم في مجمل آرائهم يرفضون عمل المرأة من حيث المبدأ وعملها من وجهة نظرهم يكون إضطراريا لمواجهة شظف العيش أو لأن ليس لها عائل يعيلها وهنا مكمن رفضنا وجوهر خلافنا معهم.

لأننا نرى في هذا المقام إن عمل المرأة من حيث المبدأ هو حق لها ولا يجوز لأحد أن يصادر عليها هذا الحق. كما أن عمل المرأة يجعل منها كائنا متفاعلا مع الحياة ومندمجا في الواقع وليس في معزل عن المجتمع فنحن نرى أنه لا يجب أن يكون بين المرأة وبين الحياة (حجاب)

أما عن الحجة التي يسوقونها بأنه إذا كانت للمرأة معيل فلا داع لنزولها للشارع وإحتكاكها بالرجال وما قد يستتبع ذلك من ضرر أو أذى يقع عليها من الرجال نقول ...

أن الواقع والشاهد ومجريات الأحداث تستنطق العقل بغير ذلك وبمعنى أنه حتى لو كانت المرأة في كنف رجل فليس هذا معناه أنها في غنى عن العمل والكفاح ولكي لا يكون كلامنا مرسلا بلا دليل نسوق بغيتنا من خلال الأمثلة التالية وجميعها أمثلة حقيقية لنساء لا زلن على قيد الحياة ولا يزال بعضهم يمارس دورة النضالي ضد المجتمع وضد ثقافة الفقه والفكر الذكوري المتخلف أى اننا لا نأتي من بنات أفكارنا بشئ بل نؤكد أن الامثلة التالية هي لشخصيات حقيقية.

(ز.ع) سيدة توفى زوجها وترك لها ثلاث أبناء إثنان من الذكور وطفلة وكان أكبر أبناءها حين توفي الزوج يبلغ من العمر سبع سنوات والطفلة خمس سنوات أما الطفل الثالث فكان لا يزال رضيعا لم يبلغ الفطام الى هنا والأمر عادي لا غريب فيه ولكن العجيب في أمر هذه الحالة هو أن الزوج الراحل كان يرغب مثل غيره ألا تعمل زوجته وأن تتفرغ لتربيه الذرية ولكن الزوجة بكل عقلانية رفضت ترك عملها الثابت الآمن ورضخ الزوج آنذاك بضرر ونزل على رغبة زوجته وما هى إلا سنوات قلائل حتى قبض الله روح هذا الزوج ووجدت هذه السيدة نفسها مسؤلة عن أطفال كان اكبرهم في السابعة من عمره كما ذكرت ... صحيح أن الزوج كان له معاش بحكم عمله في احد مصانع القطاع العام )قبل التفريط فيه وبيعه بسبب سياسة الخصخصة اللعينة( إلا أن المعاش وحده لم يكن يكفي إعالة هذه الاسرة التي تتكون من أربعة أفراد ... ولولا عمل الزوجة )المرأة( ما استطاعت وهي وحدها أن تقوم بتربية الثلاث أبناء حتى يصلوا جميعا لبر الأمان ويتزوجوا جميعهم وينجبوا ... ويؤكد لنا الأبن الاكبر لهذه الام الرؤوم أنه وهو صغير كان يشعر بأنهم أغنياء على الرغم من تواضع مسكنهم وحياتهم بصفة عامة إلا انه فعليا لم يكن محروما لا هو ولا أخوته من أى شئ خاصة الطعام والملابس والتي كانت أمهم المناضلة تشتريها لهم من أفضل محال الملابس ومن أرقى شوارع المدينة التي يعيشون فيها ... لم تتأخر يوما عن تسديد مصاريف الدراسة أو الإمتناع عن شراء ما يحتاجونه من كتب خارحية ولم يأتي عليهم عيداً إلا وكانت ملابسهم الجديدة معلقة أمامهم لا حرمان على الاطلاق وتسوق هذه السيدة الفاضلة لنا أن بعض زملائها في العمل( من الذكور) كانوا أحيانا يقترضون منها ... ولم تعرف لا هي ولا أحد أبناءها يوما الإستدانة ولا عرفوا جميعهم للديون طريق ... وليس هذا فحسب فلم تنتهي القصة عند هذا الحد ... ببلوغ هذه السيدة سن الإحالة للمعاش كان في إنتظارها مكافأة نهاية الخدمة وهوالمبلغ الذي اتمت به زواج ابناءها.

فكيف كان سوف يصبح حالهم إذا اكتفوا فقط بمعاش الزوج الراحل ...

وعندما ذهب الإبن الأكبر للمحكمة لرفع الوصاية عنه عند بلوغه سن الرشد فوجئ أن المبلغ المتروك له فى المجلس الحسبى كما هو لم ينقص جنيها واحداً فلقد كان عملها يغنيها عن الاحتياج للجوء الى المجلس الحسبي لصرف ما تحتاجه لمواجهة الحياة... لقد كان عملها وكفاحها ونضالها يغنياها عن أي شئ .. عفت هذه السيدة الفاضلة نفسها وأبناءها عوز الحاجة وإمتهان الاقتراض ... إستطاعت وحدها وبعملها الذي استمرت فيه اكثر من ثلاثين عاماً أن تغنى نفسها وأبناءها لقد كانت هذه السيدة زوجة لرجل يعمل وكان من الممكن ألا تعمل ويكتفيان سويا بدخل الزوج ولكن لأن الله أحيانا يهب بعض الناس فطنة وبعد النظر رفضت هذه السيدة أن تترك عملها وأن تستمع لصوت المجتمع الذي يجر نساؤه الى الوراء جراً وتشبست بعملها فكان نعم التشبس
فصانت كرامتها وكرامة ابناءها ولم يحتاجوا جميعا لا الى خال ولا إلى عم...

والحالة الثانية التي أسوقها هنا هي حالة زوجة(ع.م) لم يتوفى زوجها ولكن تزوج عليها ... تزوج بعد حياة بينهما دامت أكثر من عشرين عاما أثمرت عن أبن وابنه وكالعادة في بداية زواجهما كان الزوج يرغب وبشدة وعنف(لازلت أتذكره) في أن تترك زوجته العمل ولكنها أصرت ومرت السنون ... واذا بهاذ الزوج يتزوج بأخرى كما ذكرت واذا بالزوجة تجد نفسها وحيدة مع ولديها بعد أن استنزفت الزوجة الثانية دخله وأصبحت الزوجة الأولى هي التي تتولى الانفاق على نفسها وعلى ولديها ...

وحالة ثالثة لسيدة (ه.ع) توفى زوجها وترك لها إبنتان لا تزالا في مرحلة الطفولة ورغم أيضا ان الزوج كان يعمل إلا انه لولا عمل الزوجة لكانت الآن ضيق وضنك ولكن لأنها إختارت حياة الكفاح والنضال حمت نفسها وصانت أبنتيها من الإحساس بالحرمان والفقر خاصة وأنها ليست على وفاق مع أهل زوجها الراحل الذين لم يتركوا لها شيئا الا وحاربوها فيه وكأن من مات ليس بأخيهم الذي ترك لهم طفلتان هما أيضا في حاجة للأحساس بالانتماء لأسرة كبيرة ووجود الأعمام والعمات الذين يرونهم دوماً بحكم تشاركهم في المسكن الواحد

المثالان السابقان ليسا من محض الخيال بل هما حقيقة معاشه ولكننا فقط نسوقهما لنبرهن على أن حتى وإن كان الزوج يعمل فليس هذا معناه إستغناء الزوجة عن العمل ... لأن عملها فيه أمان لها من تقلب الأيام ومن غدر الأزواج وتلك حقيقة – لعمري – لتائهة عن ابصار الكثيرين الذين يستعذبون الإستماع لخطاب اجتماعي وديني وثقافي شديد الرجعية والتخلف وبعيد كل البعد عن واقع الحياه الفعلى ولا يرون المستقبل ويالها من بديهيات يعمون عنها جميعا

ولنعود لسياق حديثنا ... ومبتغى قولنا ... إننا نناضل مع المرأة ونقف بجوارها في سعيها الحثيث نحو تبوأ المكانه اللائقة بها ... إننا نناضل ونقاتل معها ضد ثقافة ذكورية كريهة لا تنظر إلا تحت قدميها ولا تقرأ الواقع ولا تملك لاقدرة على إستشفاف غوائل المستقبل ...

إننا نقف معها ضد خطاب مغيب للعقل مضاد للكرامة مناهض للآدمية ... نقف معها ومع من يناضل ضد الظلم والقهر والتعسف ...