مرة أخرى قانون مدني سوري للأحوال الشخصية.



غسان المفلح
2009 / 11 / 25


(منذ أن خرجت علينا اللجنة السرية في الخامس من شهر نيسان الماضي بمشروع لقانون الأحوال الشخصية السوري والضجة التي أحدثها هذا المشروع في أوساط واسعة في المجتمع السوري الرافضة له لم تهدأ أبداً، ليس لأن السوريات والسوريين يرفضون تعديل قانون الأحوال الشخصية أو تطويره، بل لأن هذا المشروع لا يعود بسوريا إلى الوراء مئات السنين وحسب، بل ويكرس الطائفية ويستعبد المرأة و يقضي في النهاية على طموح السوريين وأملهم في رؤية قانون حضاري عصري يساوي بين السوريات والسوريين على اختلاف انتماءاتهم وتلاوينهم)وبمناسبة طرح المشروع بصيغة، جديدة، تحت إسم النسخة الثانية أو المعدلة من قانون الأحوال الشخصية السورية، والذي أيضا أدت إلى نشوء حراك جديد جديد في مواجهة هذا المشروع، برمته.
هذه المناسبة تقودنا مرة أخرى لطرح الموضوع من خلال زواياه التي نراها حقيقية وأغفلت في الواقع، عن مجريات النقاش الذي دار ويدور منذ صدور النسخة الأولى. هذه المواضيع تتعلق برؤية السلطة السياسية للمجتمع السوري، والتي تنطلق أولا و أخيرا من مواضيع تتعلق بتجديد البنى السياسية والثقافية والاقتصادية والأمنية، هذه الرؤية في الواقع علينا تفحصها خلف كل هذه المناشدات الطيبة التي وجهت للسيد رئيس الجمهورية، من أجل إلغاء النسخة الثانية كما تم إلغاء النسخة الأولى، ولكون النسخة الثانية لم تأتي بجديد نوعي معنى ذلك أن قرار الإلغاء الأول، لم يكون سوى لعب على الوقت، ليس من أجل إقرار مشروع متخلف كهذا المطروح في النسخة الثانية، بل لابد لنا من معرفة، هذه الضوضاء التي يراد لها أن تحدث، أليس من قبيل حشد الطاقات من أجل تفعيل، اللعبة الطائفية، بما يتناسب مع سلوك وممارسات أجهزة النظام، لأنه كما هو معروف أن هذا المشروع يظهر وكأنه يحابي رجال الدين السنة، وهذه قضية يجب أن يتم التوقف عندها، والسؤال" لماذا؟
ولازال سؤالنا الذي طرحناه في مقالتنا التي تناولت هذا الموضوع في نسخته الأولى، والتي هي بعنوان(مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد-من وضع رجال دين أم رجال- دولة-؟)
من هو الذي أعطى قرارا بإحداث لجنة لكتابة قانون جديد للإحوال الشخصية في سورية، ومن هي الجهة التي سمت هذه اللجنة؟ وكيف تم الموافقة عليها؟ ومن المعروف أن من يختار اللجنة وأعضاءها يعرف ماذا سيكتبون، أم أنه يختار أناس مجهولين لا يعرفهم!!
إن السلطة تلعب بورقة خطيرة جدا، ولازالت رغم ماوصلت إليه أحوال البلد مصرة على أن تلعب بهذه الورقة في أوقات حرجة دوما، لأن السؤال الآن، هل مطلوب من السلطة العمل على إعادة إنتاج نفس قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في سورية؟ أم أنه مطلوب منها تطوير هذه القاونين بما يتناسب مع روح العصر، كان من الممكن الحديث عن نوايا بريئة للسلطة السياسية التي تتابع كل شيء في سورية، لو أنها أصدرت قانونا مدنيا يحابي رجال الدين من كل الأديان والطوائف، ولكنها لم تفعل ذلك بل فعلت العكس، حاولت أن تجمل التخلف في الأحوال الشخصية، بقليل من الكلام المدني الإنشائي حقوقيا.
لماذا يظهر القانون بنسختيه القديمة و الجديدة في أنه يحابي رجال الدين السنة، على الرغم أنه يحابي كل رجال الدين وخاصة في الطوائف بما فيهم الطائفة السنية، لأنه يعطيهم دورا دينيا من جديد، وعلى أرضية متخلفة، وطائفية، أو لنقل تعزز الطائفية، إن المطلوب بشكل واضح وبلا لبس إما إيقاف هذا اللعب لأسباب تبدو بعضها مجهولة في الحقيقة بالنسبة لنا، أو إصدار قانون مدني عصري للإحوال الشخصية، يكون حاميا لحق المواطن، إلى جانب استمرار القوانين الدينية والطائفية، لمن يريد، تماما كحق المواطن في أية دولة عصرية أن يتزوج زواجا دينيا إلى جانب الزواج المدني، ولسنا هنا بصدد الحديث عن ضرورة وجود قانوني مدني لسورية، يعيد بناء مؤسساته القانونية، وفقا لمبدأ المواطنة، الذي أصبح في إطار ممنوع التفكير فيه بالنسبة لأصحاب القرار في سورية.
وأكثر ما يشكل خطرا على ممارسات السلطة هو مأسسة الدين والدولة. وهذا عداء مستحكم بين سلوك النظام والمأسسة، ولهذا هو يرفض رفضا قاطعا الحديث عن قانون مدني عصري يحمي المواطن في خياراته الشخصية في الحب والزواج والأطفال، والعلاقات الأسرية عموما، كما أنه يساهم في بناء حالة مواطنية لا تعتمد التمييز الديني والطائفي.
رغم أننا مع دعم أي نشاط مناهض لهذه القوانين إلا أننا يجب ألا تضعنا هذه المساهامات على عتبة، تجعلنا، نتجه نحو النتائج وليس نحو المسبب بها.
الممارسات الطائفية لابد لها من حيز ديني متخلف تنتعش فيه وتصبح جزء منه، لهذا نجد أن النظام يدعم، ويغض الطرف عن كل الإسلامويات ذات الثقافة التعصبية، ويرفض الإسلام المعتدل التنويري، ويقمعه، وليس أدل على ذلك هو الاعتقالات التي تشمل رموز من هذا التيار على صغر حجمه في المجتمع السوري، والذي سلم قيادته إلى القيادة السياسية، تقوده سياسيا ممانعة، ودينيا تحت شعار( سورية الله حاميها) من وينطق به هو مجسد لهذا الشعار، الذي أصبح يرفع على الجدران وفي الاحتفالات والكرنفالات السلطوية.
فمنصب الرئاسة هو مرجع ليس سياسي فقط بل ديني وقضائي وأحوال شخصاني أيضا في سورية، ولا شيء مستقل عنه!! هنا تبدأ الحكاية....