لا تعتبر المرأة العراقية ضعيفة وقاصرة إذا كُسِر حاجز العالم الذكوري المتصلت



سعاد الفضلي
2009 / 12 / 1

في مقال نشر في الحوار المتمدن باعتبار المراة العراقية ضعيفة يقول : " تؤكد أجواء الردة الفكرية والسياسية التي يعيش في أجوائها الكثير من الرجال في العراق وخشيتهم المتفاقمة من تطور الدور الحر والمستقل للمرأة العراقية والذين لا يستطيعون رؤية المرأة وهي ناشطة وفاعلة ومؤثرة تدريجاً في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية ومكافحة أمية المرأة وضعف وعيها بحقوقها المشروعة والعادلة, بل يسعون إلى جعلها أو تصويرها وكأنها ضعيفة, خائفة وجاهلة وقاصرة عن حماية نفسها والدفاع عن مصالحها".........إلخ
عل ما يبدو إن كل عصر يحمل في طياته ملامح العصرالذي قبله ، بكل موروثاته من أفكار ووقوانين ونظريات واجتهادات شخصية ورسمية على مستوى الأفراد والدولة , والظاهر إن قانون التطور الذي شمل عالم اليوم بكل ما فيه من انجازات جاءت لصالح الإنسانية جمعاء لا ينطبق على المرأة العراقية بأي شكل من الاشكال وإن انطبق عليها فهو يمثل فئة محدودة ايضا في نطاق من يمثل دفة الحكم عادة لذلك سوف تظل المرأة تصارع الدهر على مر العصور وبالرغم من تقديمها التضحيات لا زالت تدفع فاتورة التخلف ضريبة لكونها إمرأة فقط والتطور الذي يمثل قانون الحياة الطبيعي ، لا ينطبق عليها لأن هذه القوانين تجرد المرأة من كونها إنسان يمتلك ذاته وليس مملوكاً لأحد تلك القوانين التي لا تؤمن بقدسية الإنسان رجل كان أم إمرأة . فهناك الآف القوانين التي يمكن أن تشرع لتطوير المرأة والاخذ بيدها في كل المجالات بدلا من تنحيتها باعتبارها عضوا غير فعال من منطلق منظور أصحاب النظرة الضيقة للحياة , فكما يقول المثل: من السهل على الإنسان قطع مائة شجرة .. لكن من الصعب عليه رعاية شجرة واحدة . فإذا كانت تلك هي النظرة للمرأه في واسط والذي سيسحب بعدوى التطبيع والتقليد وفلونزا القوانين الوبائية فلم نكن أسعد حظاً الآن مما كنا عليه فى الماضى السحيق حيث يقول الشاعر طفيل بن كعب الغنوي:
ان النساء كأشجار نبتن معاً منهن مرُّ وبعض المرّ مأكول
ان النساء ولو صُورن من ذهب فيهن من هفوات الجهل تخييل
ان النساء متى يُنهين عن خُلق فإنه( واجب) لا بُدَّ مفعول
وبالغ بعضهم في الذم فقال
ان النساء شياطين خُلقن لنا نعوذ بالله من شر الشياطين
ان النساء رياحين خُلقن لنا وكلكم يشتهي شمّ الرياحين
ان تاريخنا الادبي العربي زاخر باضطهاد المراة والتقليل من قيمتها.وماذلك الا هو جزء من تاريخ الأمة العربية ولم أقل الاسلامية.حتى بعد ان جاء الإسلام لانصاف المراة وتاكيد حقوقها الانسانية مازال اضطهاد المرأة واحتقارها يمارس حتى بمحاولة تاويل النصوص القرانية أو تحريف الاحاديث النبوية الشريفة.. فلم تخلق المرأة للرجل لاشيطانا ولاريحانة. انما المراة هي انسان حر مكرم يمتلك جميع الحقوق والحريات الانسانية التي منحها إياها رب العالمين ومن أهمها حق الاستقلال. فهي ليست جارية خلقت للرجل ليشمها او ليذمها وفي حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((استوصوا بالنساء خيرا))هذا أمر للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أن يستوصوا بالنساء خيرا وأن يحسنوا إليهن وأن لا يظلموهن وأن يعطوهن حقوقهن، هذا واجب عليهم أن يتقوا الله في النساء ويعطوهن حقوقهن هذا هو الواجب ولهذا قال: "استوصوا بالنساء خيرا.
لقد اضطهدت المرأة واهين هذا ألانسان على مر التاريخ من خلال الخطابات الفكرية والقانونية و ألافكار الرجعية البعيدة عن العلم، ومن خلال العلاقات الاجتماعية والاعراف والعادات والتقاليد الرجعية في المجتمع ولمصلحة الطبقة الحاكمة على مر العصور . لهذا أصبحت بعض جوانب هذا الاضطهاد عادة ودخلت الي خانة السنن والعادات لدى المتطرفين وحتى المرأة نفسها صدقت ذلك مع الأيام ، وأصبحت الفكرة مقبولة لدى البعض , ولم تستطيع مقاومتها الا عند النساء اللواتي لهن درجة عالية من الوعي والثقافة ويعرفن هويتهن الحقيقية ، وكثرت الاساءة للمرأة وقيل الكثير عن ضعفها وتخلفها، لكي يثبتوا ان هذه الفروق طبيعية وموجودة منذ الأزل، بالرغم من عدم وجود أي اثبات علمي لهذه النظرة التسلطية من قبل الرجل ، ليست لديهم المعرفة بأن هذه الفروق هي من ان تقسيم العمل بين الرجل والمرأة كان بداية لاضطهاد المرأة وبداية للاضطهاد الطبقي، منذ ذلك الحين.
كانت المرأة أسيرة ألأفكار القديمة والرجعية وتسلط ألأفكار الذكورية وزادت محنة النساء من التشرد ومن موت الشريك والأب نتيجة القتال ، واهانة المرأة مستمرة. فحرية المرأة مرهونة بحرية المجتمع، مرهونة ألى أي حد تظهر مشاركة المرأة نفسها لتقدم المجتمع وتأخذ دورها لأنهاء أشكال الأستغلال من أجل بناء مجتمع يليق بالأنسان العراقي الذي ينشد النهوض حاليا.
لا يمكن أن نتكلم عن حرية المرأة بدون تغير القوانين التي نشم منها رائحة الرجعية وتقوية العنف ضد المرأة في كل خطوة التي يخطوها المجتمع نحو أحترام ألأنسان و أشباع حاجاته الجسدية والفكرية، حتما تكون المرأة من المستفيدات وهي أيضا مشاركة من أجل الحصول على حقوقها. وهذه التضحيات سوف تستمر الى أن يزول النظام الذي يكون الأنسان مستغلا من قيل الأنسان ، وعندما تكون المرأة مصرة ومستمرة في النضال من أجل النيل لحقوقها تحصد ثمار نضالها بالرغم القسوة والأستبداد من قبل الأنظمة المتسلطة .
الحقوق التي حصلت عليها المرأة ليست مرتبطة فقط بالمرأة وحدها بالرغم من الدور الفعال للمرأة في هذا المجال. هذه الحقوق ثمرة النضال الدوؤب لمحبي العدالة ألأجتماعية على مر العصور وبمشاركة المرأة نفسها تتحقق مطاليب المرأة وحريتها عندما تكون الحركة الأجتماعية للطبقة العاملة قوية في أي مكان وعندما تتجه كل الطاقات المحبة للحرية والعدالة ألأجتماعية لنصرة حرية ألأنسان
ان تخصيص حصة للتمثيل النسائي أو ما يسمى اصطلاحا ب"الكوتا"، ليس اختراعا عراقيا ولا هو من اختراع النساء العراقيات ، وانما هو تدبير اجرائي أقرته الأمم المتحدة بناء على رأي الفقهاء والخبراء القانونين، والمختصين والمعنين بحقوق الانسان وحقوق المرأة، عندما يخصص الدستور أو القانون الانتخابي كوتا نسائية فهذا لا يعني مطلقا الاستهانة بجهود النساء ولا يبرر الاستخفاف بادوارهن المجتمعية والسياسية، ان المرأة هي شريك فاعل وحقيقي في كافة مجالات الحياة ، ، فكان لابد من ايجاد بعض التدابير التشريعية التي تساعد على تأهيلها، وتفعّيل مشاركتها في العملية السياسية لهذا وضعت "الكوتا" في قانون ادارة الدولة الانتقالية، وكذلك في الدستور العراقي لتمثيل المرأة في المجلس التشريعي وافساح المجال لمشاركة المرأة، ولولاه لما كانت اليوم أية امرأة في التشكيلات السياسية أو الحكومية، بمعنى آخر ان "الكوتا"، آلية لاشراك المرأة في القرار السياسي، لغرض بلوغها المساواة في السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهي تمييز لصالح المرأة لعدم استئثار السلطة فقط بيد الرجل، كما ان المرأة مازالت تفتقر الى الأمكانات الفاعلة لفوزها دون اللجوء الى "الكوتا" لذلك يجب على الدولة ان تضع تدابير مناسبة لاشراك المرأة في العملية السياسية، وطبعا "الكوتا" ليست منحة أو منة لها من الرجل، بل جاءت عبر نضالها وعملها الدؤوب، وحتى الان وهي موجودة أصلا في الدستورعندما تتسلم المرأة المناصب القيادية والسياسية، فمن المفروض تكون عضوة محافظة على استخدام قدراتها الذاتية باثبات شخصيتها وقابليتها من أجل خدمة قضيتها، وعليها أن تدرك انها تتسلم مناصب سياسية، اذن هي معنية بالسياسة والاقتصاد والمجتمع ومسؤولة عن ابتكار مشاريع تخدم الناس والمرأة بالذات.
الكوتا ليست منحة ولا مكرمة يتفضل بها أحد على المرأة، فالوطن وخيراته ، ليست ملكا للرجل من دون المرأة، والمجتمع السليم هو الذي يوفر لأبنائه رجالا كانوا أم نساء، فرصاً متكافئة وحقوقاً متساوية في المواطنة، والعراق الجديد الذي صمَّمَ شعبه على اعادة بنائه على أساس ديمقراطي، يحتاج إلى كل الطاقات والقدرات لازالة مخلفات العهود البائدة على مر العصور ، ومن هنا فان مساهمة المرأة في هذا البناء كطاقة بشرية ونسبة سكانية، تشكل أكثر من النصف، ضرورة ملحة، ومن جهة أخرى توفير الفرص أمامها للمشاركة في صنع القرار، كمواطنة كاملة المواطنة، يعني رفع الظلم الذي عانت منه على مر العصور، "الكوتا " تكفل لها المشاركة الفاعلة كمواطنة كاملة المواطنة، وهذا يأتي من خلال توفير المستلزمات لتمكينها من جهة وتطوير ثقافة المجتمع وتغيير نظرته للمرأة، وأهمية اتخاذ بعض الاجراءات والتدابير، وعلى أكثر من صعيد لتحقيق المشاركة الفاعلة للنساء حسب طبيعة المجتمع وثقافته السائدة، ولكن هل سيدرك النظام السياسي القادم أهمية حقوق المرأة ويقوم على حمايتها؟ هل ستكون المرأة قادرة على التأثير والمشاركة في العملية السياسية؟ ولا نغالي اذا قلنا ان تراجع المرأة امام الضغوط الاجتماعية والنفسية الموروثة والمكتسبة في مجتمعاتنا العربية والعراقية بالذات قد أسهم بصورة جوهرية وجائرة في انحسار فعاليات المرأة المبدعة عبر التاريخ القديم والحديث , فالابداع لا يقتصر على احد فكل من الرجل والمرأة لهما نشاطاتهما المختلفة في الحياة، فالبيت وتنظيم الاسرة ورعاية الاطفال وما يتعلق بذلك من نشاطات اخرى تكون المرأة صاحبة القدرة والابداع والتجديد ويعود ذلك الى طبيعتها وتعدد طاقاتها وما حباها الخالق عز وجل من صفات وميزات تفردت بها، ومن ثم تحملت مسؤولياتها الجسيمة في بناء الاسرة وتجديد حياتها بما يجعلها اكثر قدرة على خلق التكيف والتوازن مع المتطلبات المتغيرة والمتجددة في النظام الاجتماعي. ويتناسب ابداع المرأة طرديا مع ارتفاع المستوى الحضاري للمجتمع.

خلاصة القول ان الابداع لا يتوقف عند حدود الجنس، انما تتحكم فيه طبيعة المجتمع وحركته الحضارية، ومنطلقاته الفكرية والفلسفية، والتشريعات السائدة في مؤسساته المختلفة.
لا يتوقف الابداع على جنس سواء أكان ذكرا ام انثى اذ ان الابداع ملكة يهبها الله لكائن حي يتميز بها عن الاخرين يقول سعد الزبيدى ان الابداع نشاط داخلي ينبع من تفاعل الخبرات المعرفية والثقافية والسيكولوجية للارتقاء بمتطلبات الاداء او السلوك او الانتاج الفكري او الثقافي ولا شك في ان فعالية المرأة الابداعية في مجالات معينة تبدو واضحة وتتميز بها على الرجل خاصة في مجال اللغة والفنون التشكيلية والاعلام او في مجالات اخرى يكون للرجل شأن مميز يتفوق بها على المرأة وفي كلا الامرين تبقى العملية نسبية ولا تخضع للاطلاق لان الابداع بحد ذاته يحتاج الى البيئة والظروف الزمانية والمكانية والآليات التي تؤدي الى تحقيقه.
الرجل والمرأة لهما دورهما في عملية البناء والابداع والتجديد في المجتمع ولكن المرأة في المجتمعات الشرقية وفي العراق خاصة لم تأخذ حقها في المساواة مع الرجل في ميادين الحياة
ففي الحياة معادلة ضرورية لخلق التوازن طرفاها الرجل ـ المرأة ولكل طرف من هذه المعادلة شروط ومسببات .
ان الله سبحانه وتعالى خلق المرأة والرجل من نفس واحدة، وبما ان الابداع صراع تاريخي محتدم فان المرأة وعلى مر العصور حققت حضورا احتل مساحة النصف على خارطة االابداع والتميز المتواصل .إن المرأة هي المبدع الأول على صفحة الوجود لانها وحدها التي تثري العالم بالمبدعين أما وحاضنة، ومربية ومن احضانها انطلقت الشخصيات الفذة والتي بهرت العالم بعبقريات هزت العالم فكيف تحجًم من قبل الآخرين بقوانين جائرة ووصفها بصفات الضعف والخوف والتخلف . ولكن إذا نظرنا إلى تقييم احتياجات العراق وفقاً لاهداف الأمم المتحدة فلقد اقر مشروع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 بأهمية النوع الاجتماعي في عملية إعادة بناء العراق مذكراً بمشروع القرار رقم 1325 المتعلق بالمرأة، والذي جعل حقوق المرأة الإنسانية ونظرة النوع الاجتماعي عناصر مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمناقشات السلام والأمن والتخطيط للمساعدات الإنسانية، عمليات حفظ السلام، وعمليات إعادة بناء المجتمعات الممزقة من الحروب وآثارها. تبعاً لذلك، اصبح من الواجب إدماج النوع الاجتماعي منذ بداية أي مهمة أو مبادرة للحرص على تصميم البرامج والهيكليات بأسلوب يخاطب احتياجات المرأة والرجل على حدٍ سواء من منظور الحماية، والمساعدة، وإعادة البناء بناء العراق والتخلص من كل العوائق ولا يكون ذلك إلا بالمرأة التي تستطيع المواجهة والمثابرة والوصول عن طريق كفاءتها في كل المجالات تستطيع اختراق حاجز العالم الذكوري وتنهي التسلط بكيانها الذي تفرضه على الجميع .
د.سعاد الفضلي
كندا في 30/11/09
[email protected]