تعالوا نزين فضاءنا بحقوق النساء



منى الطحاوي
2004 / 6 / 14

مديرة تحريرالقسم العربي لمنظمة أخبار المرأة الدولية في نيويورك

حين عرفت الصحافية الايرانية الشابة شادي صدر، قبل اربع سنوات، أنها حامل بطفلة، ظلت تبكي لعدة اسابيع. فقد احست بحزن شديد من فكرة وجود ابنة لها تواجه القيود المفروضة في بلد يمنعها من القيام بأبسط الاشياء. لكن شادي اصرت على منح ابنتها حياة ايرانية افضل بالكتابة عن قضايا المرأة
وشادي كاتبة صحافية ورئيسة تحرير «نساء في ايران»، وهو موقع اخباري ايراني دولي على الإنترنت، تستخدمه لطرح قضايا المرأة الايرانية. وقد اكملت لتوها امتحانات ممارسة مهنة المحاماة، وتريد انشاء منظمة حكومية من محاميات يتولين الدفاع عن حقوق المرأة في ايران
وقد دفعتني شادي للبكاء عندما سمعتها تتحدث عن حركة المرأة العراقية في حفل توزيع جوائز في نيويورك أخيرا. فكل عام، تكرم النسخة الانجليزية من الموقع الذي اديره، 21 امرأة ساعد عملهن على تحسين حياة النساء والفتيات. ويختار القراء النساء اللواتي نقوم بتكريمهن ونقدم لهن الجوائز في احتفال نطلق عليه «21 قائدة للقرن الواحد والعشرين». هذا العام حصلت شادي على جائزة الشجاعة في الصحافة. وحين القت كلمتها في الاحتفال الذي اقيم في نيويورك، ابلغتنا شادي ان الهدف من حركة المرأة الايرانية هو «جعل المجتمع والحكومة يتأكدان من ان الحل الوحيد للازمة الاجتماعية للمرأة هو الاعتراف بحقوقها المتساوية وتطبيق مبادئ حقوق الانسان». وهو هدف تسعى اليه الكثيرات منا في العالم العربي
وأنهت شادي كلمتها ببعض النماذج الايجابية عن التقدم، او على الاقل، الامل في تحقيق التقدم في ايران. ووصفت ببلاغة، هذه النماذج بنجوم ساطعة مستمرة في التألق وسط الظلام
كانت خاتمة كلمتها هي ما دفعني للبكاء. فقد قالت «ربما لا يرانا احد، ولكننا هنا ونترك بصمتنا في العالم حولنا. اؤكد لكم انكم اذا ما نظرتم حولكم بعناية، فسترون اثارنا»
كم من النساء العربيات يعملن بجد ولا نسمع عنهن؟ كم من النساء العربيات يكافحن ضد الظلم، بصمت؟ كم من النساء العربيات يمهدن الطريق لبقيتنا لمتابعتهن ولا نسمع عنهن، ولا نقدر عملهن؟
عندما تذكرت كلمات شادي، تبادر الى ذهني ضرورة التوقف وتقديم الاعتراف والاعتذار ايضا
وسأبدأ بالاعتراف
خلال الشهور الماضية، كتبت عن العراق وفلسطين والسعودية ورواندا واميركا وبريطانيا، ولكني تركت شهورا عديدة تمر، وخلالها ضاعت فرص عدة للكتابة عن المرأة والقضايا التي تهمها
أما الاعتذار، فهو مقدم للقراء، من الرجال والنساء على هذا التجاهل. ان وظيفتي هنا في نيويورك، تجعلني خجولة بصفة خاصة من هذا الاهمال. انا مديرة تحرير موقع «ارابيك ويمن» على شبكة الإنترنت www.awomenenews.org ، وهو موقع اخباري مستقل، لا يسعى للربح، يغطي قضايا مهمة للمرأة. ولذا اطلع يوميا على العديد من الروايات عن النساء وقضاياهن في جميع انحاء العالم
اما الدافع الى الاعتراف والاعتذار، فقد جاء بعد سؤال طرحته اخيرا، على صديق في لندن حول عدم تلقي رسائل من قارئات، حيث قدم لي اجابة بسيطة: انك لا تكتبين عن قضايا تهم المرأة. وكان صادقا في ذلك
اضع عنوان بريدي الإلكتروني في نهاية مقالي في «الشرق الاوسط»، وفي كل اسبوع اتلقى الكثير من الرسائل من القراء. واقدر هذه الرسائل تقديرا عاليا، فهي تقدم لي فرصة لا تعوض لمناقشة قضايا مع اشخاص مثلي ومثلك، وليس مع مسؤولين حياتهم بعيدة عن كلماتهم. تلك الرسائل مهمة بالنسبة لي لأنني افتقد «الشرق الاوسط» كثيرا، والإطلاع على رسائل القراء في القاهرة وبغداد والظهران وعمان، تمنحني طعم الحياة في الشرق الاوسط
ناقشت عددا من القضايا مع نوع محدد من القراء الذين كتبوا لي. فعلى سبيل المثال، تابعنا قصص التعذيب التي حدثت في سجن ابو غريب، وعرفنا حتى اسماء بعض الجنود الاميركيين المتورطين في هذه الفضيحة. ولكن، هل نعرف فضائح اخرى استهدفت النساء ولم يبلغ عن ضحاياها؟
مثلا، هل نعرف معلومات حول السيدة الاردنية الشابة، التي توفيت بعد ان اطلق قريب لها النار عليها ست مرات، وهي في سرير المستشفى بعد ولادتها؟ ربما يسأل احدنا عن «جريمتها». هل السبب هو ولادتها لطفل من دون ان تكون متزوجة، وأن قريبها، الذي ارداها قتيلة وسط دهشة الطاقم الطبي الذي كان يتفرج، فعل ذلك لـ«غسل شرف اسرتها»؟
تقول صحيفة «جوردان تايمز»، ان هذه هي ثالث حادثة «جريمة شرف» في الاردن خلال اسبوع. ترى، اين التحليلات الصحافية الغاضبة؟ وأين المعلقين الغاضبين وإداناتهم لمثل هذه الجرائم التي ترتكب بدم بارد؟ اين رجال الدين ولماذا لا يدينون مثل هذه الجرائم؟
مهما كان رأيكم في الفتاة الاردنية التي قتلت بهذه الطريقة البشعة ورضيعها يرقد الى جانبها، اطلب منكم ألا تحكموا عليها. ضعوا في اذهانكم انكم لا تعرفون ظروف وملابسات قصتها وما حدث لها، كما انكم لستم القاضي المخول بإصدار الحكم عليها. قريبها تولى كل هذه الادوار وهذا جعله مجرما. كل يوم وفي مختلف انحاء العالم، بما في ذلك العالم العربي، تقتل النساء لدوافع شكلية فقط
حاول العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، إجازة تشريع يهدف الى تشديد عقوبة السجن على الرجال الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم، إلا ان البرلمان الاردني رفض ولمرتين، المصادقة على التشريع. علينا جميعا ان نتساءل إذن: لماذا؟ فبدون وجود مثل هذه التشريعات ستصدر المحاكم احكاما بالسجن لفترات قصيرة على مرتكبي هذه الجريمة. فقد حكم العام الماضي على رجل قتل شقيقته الحامل بالسجن لمدة اربعة اشهر فقط
القتل بدافع المحافظة على الشرف نموذج مثير للحزن للمظالم التي تواجه النساء العربيات. هناك العديد من القصص المثيرة للحزن التي لم نسمع بها، وقصص اخرى ايجابية يجب ان نعرفها سعيا لاكتساب القوة والتفاؤل
انتهيت في الآونة الاخيرة من قراءة كتاب مثير للاهتمام جعلني اشعر بالحاجة الكبيرة للاستماع الى النساء مباشرة، عنوان الكتاب هو The Good Women of China من تأليف صحافية صينية تدعى شينران. ولدت شينران في الصين عام 1958 وانتقلت الى لندن عام 1997، وكانت تقدم خلال حقبة التسعينات، برنامجا تشارك فيه المستمعات عبر الاتصالات الهاتفية، اذ يحكين على الهواء عن حياتهن
كان يبث البرنامج Words on the Night Breeze كل مساء، وكان بمثابة منبر للنساء الصينيات يحكين خلاله مختلف تجاربهن في الصين الحديثة
احلم ببناء جسر مماثل لاخواتي العربيات، ليتمكن من خلاله، من الحديث عن تجاربهن وحكاياتهن، فهي قصص لا تقل اهمية عما كتبته حول العراق وفلسطين والسعودية ورواندا واميركا وبريطانيا
اود ان احث هنا اخواتي العربيات اللواتي يقرأن صحيفة «الشرق الاوسط» على إرسال قصصهن وتجاربهن الى عنوان بريدي الإلكتروني
[email protected]

لقد وصفت الصحافية الايرانية شادي صدر نماذج التقدم بالنجوم المضيئة التي تبدد الظلام. اطلب من اخواتي العربيات ألا يبخلن علي بنجومهن لكي نبدد معا الكثير من الظلمات

البريد الالكتروني - منى الطحاوي

[email protected]

منى الطحاوي في سطور


تقوم بإدارة الموقع العربي لومينز إي-نيوز. ولقد عملت منى في مجال الصحافة في الشرق الإوسط لمدة عشرة أعوام, حيث كانت تعمل مراسلة لوكالة رويترز للأخبار وبالإضافة إلى العديد من وكالات الأنباء العالمية مثل الجاردين واليو إس نيوز اند وارلد ريبورت. ونشر لها العديد من المقالات في الصحف والدوريات العالمية منها الوشنطن بوست, النيويورك تايمز والهيرالد تربيون الدولية