مكانة المرأة وموقعها في الإسلام



محمد قانصو
2009 / 12 / 9

من المسائل التي كثر الجدل والنقاش حولها مسألة المرأة ومكانتها في الإسلام وأي دور وقيمة منحها هذا الدين السماوي الخاتم للمرأة؟ وما هو موقف الإسلام من حقوق المرأة؟ وقد اتهم الإسلام بأنه لم ينصف المرأة وانه اعتبرها مخلوق تابع للرجل مهيمنا عليها، وقد استند هؤلاء في ادعاءهم على أمرين أساسيين:

الأمر الأول : التأويل الخاطئ لبعض الآيات والأحاديث التي تناولت المرأة.

الأمر الثاني: الحكم على الإسلام كنظرية من خلال محاكمة بعض الممارسات اللاإنسانية والعنف المفرط بشتى أشكاله الذي تمارسه بعض المجتمعات أو الأفراد المنتمون إلى الإسلام.

وقبل مناقشة هذين الأمرين وتوضيح موقف الإسلام ورؤيته للمرأة لا بد لنا أن نتعرف على واقع المرأة في الجاهلية (ما قبل الإسلام) ونقارنه بواقعها الجديد الذي عاشته في ظل الإسلام، بحيث تكشف لنا هذه المقارنة حقيقة النظرة الإسلامية للمرأة وتبعد عنها كل لبس وافتراء.

المرأة في الجاهلية:


كانت المرأة عند العرب تباع وتشترى كالمتاع، وكانت محرومة من جميع الحقوق الفردية والاجتماعية، حتى حق الإرث.

وكانت عند أعراب الجاهلية تعتبر جزءا من الأثاث وتعامل معاملة الرياش والفراش حتى سار فيهم المثل المعروف: "وإنما أمهات الناس أوعية " وكان الرجل يرث إمرأة ذي قرابته إذا مات عنها تماما كما يرث ما خلف من أمتعة المنزل، زاعما انه أحق بها من غيره، وفي رواية إن كانت جميلة تزوجها وان كانت دميمة حبسها حتى تموت.
.كما أنهم غالبا ما يقتلون بناتهم في اليوم الأول من ميلادهن خشية الفقر تارة، ودفعا للعار والشنآن تارة أخرى. وقد تعرض القرآن الكريم لهذه الظاهرة في سورة النحل حيث قال: وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون."

ولم يكن للمرأة حق في تقرير مصيرها واختيار شريك حياتها بل كان اختيار الزوج من حق الأب أو الأخ أو ابن العم أحيانا وبكل الأحوال كان الصهر المحبب للعربي الجاهلي هو القبر الذي يأد مولودته فيه وقد قال شاعرهم:

لكل أبي بنت يراعي شؤونها - ثلاثة أصهار إذا حمد الصهر

فبعل يراعيها وخـدر يكـنها - وقبر يواريها وأفضلها القبر

وهكذا كان واقع المرأة في المجتمع الجاهلي حتى بزغ فجر الدعوة الإسلامية وسطع النور المحمدي ليخرج الناس من ظلمات الجهل والخرافة إلى نور الإيمان والمعرفة وليستنقذ الإنسان من أسر القيود التي كبلته بها الأعراف والتقاليد المقيتة، وكان للمرأة نصيبها الوافر من إشعاعات الرسالة وبركاتها، فإذا بالقرآن الكريم المعجزة والدستور يتحدث عن المرأة بوصفها كائنا مستقلا له من الاحترام والتقدير ما له، ويتوجه إليها بالخطاب والتكليف ويحملها أمانة الدعوة إلى الله تعالى كما الرجل على قدم وساق، ويجعلها مع الرجل خليفة الله في أرضه بوصفها إنسان كامل، هذا في جانب الاعتبار والرؤية أما في جانب الأحكام والتشريعات فإننا نرى الرسالة الإسلامية تتوجه بأكثر التكاليف مساوية بين الرجل والمرأة دون ميزة أو فرق، فعلى سبيل المثال: الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليف مشترك يتساوى فيه الرجل والمرأة على حد سواء بدليل قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وكذلك في الصلاة والصوم والعبادة والصدقة والذكر.

{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} الأحزاب 35. وفي الوعد الإلهي لمن آمن وصدق بالفوز بالجنة والرضوان نجد أن البشرى تعم المؤمنين والمؤمنات دونما تفاوت {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً} الفتح 5، و{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الحديد 12.

نعم قد يتحدث البعض عن استثناء المرأة من بعض التكاليف واختصاص الرجل بها كحرمانها من الجهاد في سبيل الله {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} التوبة 20. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن المرأة استثنيت من الجهاد بالنفس ولم تستثن بالجهاد بالمال، وفي تاريخ الدعوة لا بد من ذكر الدور الكبير للمرأة وجهادها بمالها في سبيل نصرة الدين هذا الدور الذي جسدته زوجة النبي (ص) خديجة بنت خويلد (ع) الذي آثرت النبي ودينه على نفسها ووهبت كل ما تملك من مال في سبيل الله حتى قال رسول الله (ص): "بني الإسلام على ثلاث: مال خديجة (ع) وسيف علي (ع) ودين محمد (ص)".

غير أن حرمان المرأة من جهاد السيف واختصاص الرجل به لا يدل على تفضيل الرجل وأهليته دونها وإنما للتمايز التكويني بين الرجل والمرأة والقدرات الجسمية التي يملكها الرجل بحيث يكون قادرا على تحمل المشاق والأذى دون المرأة التي لا تملك تلك المؤهلات وعليه يصبح تكليفها بالجهاد تكليفا بما لا يطاق وهو محال على الله تعالى لأنه يدخل في دائرة الظلم والتكليف بما لا يطاق، وحتى لا تحرم المرأة من أجر الجهاد فقد جعل الله لها جهادا تؤجر عليه كأجر الرجل المجاهد في ساحة المعركة هذا الجهاد هو حسن التبعل يؤكد هذا المعنى ما ورد عن النبي (ص) في جوابه لأسماء بنت يزيد التي جاءت إلى النبي (ص) قائلة: يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك، ثم خاطبت الرسول عليه الصلاة والسلام وهو بين أصحابه، فقالت: (إن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبإلهك، إننا معشر النساء مقصورات محصورات، قواعد بيوتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وشهود الجنائز والحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل، وإن أحدكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفنشارككم في هذا الأجر والخير؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مسألة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها؟ فقالوا: يا رسول الله! ما ظننا أن امرأة تهتدي لمثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم وقال: افهمي -أيتها المرأة- وأعلمي من ورائك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله. فانصرفت المرأة وهي تهلل).

أما في مجال الحقوق التي ضمنها الإسلام للمرأة فيأتي في مقدمتها حق الملكية الفردية وحق الإرث اللذين كانا ممنوعين عليها في الجاهلية {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً} النساء 11.

كما ضمن الإسلام للمرأة حق العلم وقد امتدح القرآن الكريم العلماء دونما تمييز بين رجل وامرأة {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} فاطر 28، وفي الحديث النبوي: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، وقد أولى الإسلام مسألة تعليم المرأة وتثقيفها وتعريفها بأمور دينها أهمية كبير حتى اعتبر تعليم الزوجة من الواجبات المترتبة على الزوج لأن العلم والمعرفة ضمانة أكيدة لحياة زوجية متينة وحياة أسرية تتمكن من خلالها الأم تربية جيل مؤمن صالح مثقف بثقافة الإسلام متخلقا بأخلاقه السامية.

كذلك ضمن الإسلام للمرأة حق العمل واثبات الذات من خلال مزاولتها للإعمال والمهن التي لا تتعارض مع شروط العفة والستر، وحفظ الأنوثة وصونها من السقوط في مهاوي الرذيلة، كذلك إذا لم يتعارض العمل مع الدور السامي الذي شرف الله به المرأة وهو تربية الأطفال وتنشئتهم ورفد المجتمع بالنموذج الصالح للإنسان.

والى الحقوق المتقدمة التي ضمنها الإسلام للمرأة ،فقد ضمن لها أيضا حق التعبير عن الرأي فيما يتعلق بتحديد مصيرها واختيار شريك حياتها دون إجبار أو إكراه من أحد، وقد اعتبر الفقه الإسلامي أن عقد الزواج القائم على الإكراه والجبر هو عقد باطل لا اثر له ولا شرعية لأنه فاقد لشرط أساسي مصحح وهو رضا الطرفين، وقد جسد النبي (ص) هذا الموقف الإسلامي الإنساني الراقي عند زواج ابنته الصديقة فاطمة الزهراء (ع) من الإمام علي بن أبي طالب (ع)، فعندما جاءه علي (ع) خاطبا دخل حجرة فاطمة وذكر لها الأمر مستطلعا رأيها فلما أطرقت وسكتت قال (ص): "الله أكبر سكوتها علامة رضاها".

وقد ضمن الإسلام للمرأة حق التعبير عن الرأي في مختلف القضايا والشؤون الاجتماعية والثقافية والسياسية والفكرية لأنه رأى فيها نصف المجتمع وشريكة للرجل في صناعة الحياة وكتابة التاريخ والتخطيط للمستقبل، وضمان هذا الحق وتثبيته جسده الرسول الأكرم (ص) في حادثة بيعة النساء التي يحدثنا عنها القرآن الكريم {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} الممتحنة 12. إن هذه البيعة التي أخذها النبي من النساء حين استدعاهن وعاهدنه على الدخول في دينه وترك الشرك والمحرمات تدل على النظرة الإسلامية للمرأة بوصفها إنسان معني ومسؤول تمثل ذاتها وتتحمل مسؤوليتها أمام الله والرسالة ولا يلغيها الرجل أو يمثلها في ذلك

بعد هذه المقارنة الموجزة بين واقع المرأة في الجاهلية وواقعها في ظل الإسلام نعود إلى مناقشة المتهمين للإسلام بأنه ظلم المرأة وألغى كيانها وكرّس الذكورية التي كانت تحكم المجتمع في الجاهلية، وقد تذرع هؤلاء بتأويل بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أولا ، وبمحاكمة بعض الممارسات العنفية ضد المرأة في بعض المجتمعات الإسلامية ثانيا.

مناقشة الأمر الأول: التأويل الخاطئ لبعض الآيات والأحاديث التي تناولت المرأة:

استدل الطاعنون على الإسلام في موضوع المرأة واتهامهم له بظلمها واحتقارها ببعض الآيات كقوله تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} فقد فهموا من القيمومة التي افترضها الله للرجل على المرأة أنها شكلا من أشكال التسلط والإلغاء ولكنها في الحقيقة ليست كذلك وإنما تعني قبول الرجل لإدارة شؤون الأسرة على أساس المعايير الحقوقية والأخلاقية،أي الرجال قيمون على النساء بمعنى معنيون بإدارة شؤونهم في دائرة الحياة الزوجية والسرية دون سواها ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى (بما أنفقوا من أموالهم) لأن هذه القيمومة تفرضها العلقة الزوجية القائمة على مسؤولية الرجل في الإنفاق، إذا فمسألة القوامة هنا ليست مسألة شخصية ولكنها مسالة شخص يتحمل مسؤولية إدارة البيت الزوجي، لأن الدائرة الزوجية لا تتسع لشخصين، بل لا بد من شخص واحد في هذا المجال، ولذلك كانت الولاية للرجل باعتبار بعض الخصائص التي تمثل حالة التنوع في أكثر من جانب من جوانب الحالة التكوينية للرجل والمرأة، الخصوصية الجسدية في بعض الحالات والخصوصيات النفسية في حالات أخرى كذلك في الإنفاق.

ومن القيمومة إلى الضرب الذي اعتبره هؤلاء شاهدا على ظلم الإسلام للمرأة وتسليط الرجل عليها {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} وفي الرد لا بد من القول إن الضرب الوارد في الآية هو الأسلوب الثالث، من أساليب ردع المرأة عن نشوزها وهو لا يمثل الضرب اللامعقول الذي يمارسه الإنسان بطريقة انفعالية، على أساس المزاج الحاد والعقدة النفسية، والحاجة إلى التنفيس عن الغيظ، بل هو الضرب التأديبي الهادئ، وقد وردت الأحاديث التي تظهر أنه الضرب غير المبرّح الذي لا يدمي لحماً ولا يهشم عظماً؛ مما يوحي بأنه يمثّل أسلوباً نفسياً أكثر مما يمثّل أسلوباً مادّيا، ولنا أن نسأل هل أن أسلوب العقوبات التأديبية، من السجن والضرب ونحوهما، يتنافى مع كرامة الإنسان كإنسان، لتكون الدعوة إلى إلغاء العقوبات من أساس التشريع، دون فرق بين الرجل والمرأة؟ وهذا ما لا تتقبله كل الأمم والشعوب التي تريد أن تحفظ حياتها، من خلال حفظ نظامها الذي يعتبر العقوبات جزءاً من الخطة العامة للقانون، باعتبارها العنصر الرادع للمجرمين والمنحرفين عن السير بعيداً في ميدان الإجرام والانحراف.

ونحن لا ننكر أن مثل هذا الأمر قد يجعل التطبيق خاضعاً لبعض ألوان الاستغلال الذاتي من قبل الزوج؛ ولكن الذنب في ذلك ليس ذنب التشريع، بل هي مشكلة المجتمع، والذي لا يتحرك لتطبيق الخطة الشاملة بشكل متوازن ضاغط؛ ولعل من أبرز الشواهد على ذلك، ما نلاحظه من ألوان الظلم الشخصي والاجتماعي على الفرد والمجتمع.

ومن جملة ما تذرع به المتهمون للإسلام بظلم المرأة والانتقاص من مكانتها ما ورد عن الإمام علي (ع) "إن النساء نواقص العقول، نواقص الحظوظ، نواقص الإيمان"، وربما نسب هذا الحديث للنبي (ص)، وعندما ندرس هذا النص، على فرض صحته نجد أنه ليس انتقاصاً من المرأة ولو بنسبة واحد في المئة.

فلو صحت الرواية فما المقصود من نقص الإيمان؟ يعني هو القعود عن الصلاة أيام الحيض، والمرأة لا تصلي أيام الحيض، هذا من جهة إيمانها بأنه حرام، فهي لا تترك الصلاة لنقص في إيمانها، بل لأن الله أمرها بذلك، والرجال يتركون الصوم حال السفر، فهل ينقص إيمانهم بذلك؟ فنقصان الإيمان هو حالة في العقل والقلب والممارسة، من حيث ترك الواجب وفعل الحرام.

وأما نقصان الحظوظ من جهة أنّ للذكر مثل حظ الأنثيين، فنحن نقول كطرفة إنه لا بد للرجال من أن يطالبوا بالمساواة، لأن حصة المرأة في النهاية تكون أكثر من حصة الرجل، فعلى عاتق الرجل الإنفاق على البيت وعلى الزوجة وعلى الأولاد في حين تحتفظ المرأة لوحدها بنصيبها من الميراث.

وأما نقصان العقول، كشهادة امرأتين مقابل شهادة رجل، فنقول أولاً ما علاقة الشهادة بالعقل؟ فمفاد شهادة الرجل هو إما أن يكذب أو أن يصدق، ثم إن القرآن فصّل المسألة باعتبار أن هذا لا يمثل نقصاناً في المرأة، ولكنه احتياط للعدالة: {أن تضل إحداهما فتذكِّر إحداهما الأخرى}، فإذا كانت المرأة صفراً فهل الصفر يكمّل صفراً؟ فإذا كانت هي ناقصة العقل والثانية ناقصة العقل، فكيف يكمِّل الناقص الناقص؟ هذا احتياط للعدالة، ومثالٌ على ذلك الشهادات في القضاء،حيث إنّ البيّنة يلزمها رجلان ولا يكفي رجل واحد، وفي الدعاوى أيضاً يلزمها رجلان عدلان، فهل عدم قبول شهادة رجلٍ واحد في هذه الأمور يجعل الرجل ناقصاً؟ إن هذا أيضاً احتياط للعدالة، وكما في الأمور التي جعل الله فيها أربعة شهود كمسألة الزنا، فهذا أيضاً نظام يحتاط للعدالة.

فالمرأة ليست ناقصة عقل، فهي كالرجل كاملة العقل، والدليل على ذلك أنّ الله حمّلها المسؤولية بالمستوى الذي حمّلها للرجل، ففي المحرمات {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}، فإذا كانت المرأة أنقص عقلاً من الرجل، فكيف يساويها به، وأيضاً مثل: {السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}.

والى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي أولها هؤلاء وابتعدوا بها عن مضامينها الحقيقية خدمة لأهدافهم في ضرب الإسلام وتشويه صورته من بوابة المرأة، لقد كان حريا بهؤلاء أن يلتفتوا إلى الآيات التي قدمت المرأة على أنها صاحبة عقل وحكمة كما جاء عن بلقيس {{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} النمل 23، {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ(34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)} وقدمت المرأة بوصفها قدوة للنساء والرجال معا {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} التحريم 11.

مناقشة الأمر الثاني : محاكمة بعض الممارسات العنفية ضد المرأة في المجتمعات الإسلامية :

من الطبيعي جدا أن يتخلف التطبيق عن النظرية لدى الأفراد والجماعات ويرجع ذلك إلى مدى تبني النظرية واعتناقها من جهة، والى وعيها وفهمها من جهة أخرى، إننا نلحظ كثيرا من أتباع الشعارات والنظريات يمارسون في حياتهم ومواقفهم ما يبتعد بهم جدا عن النظرية التي يتبنونها وربما يصل بهم الأمر إلى ارتكاب ما يناقض النظرية والشعار الذي يرفعونه، فعلى سبيل المثال نجد الولايات المتحدة الأمريكية ترفع شعار الديمقراطية وتنادي بها وتسعى إلى تحقيقها في العالم.

وهي في الوقت عينه تمارس أبشع أشكال القهر والاستبداد والهيمنة والتسلط على الشعوب المستضعفة، إذا ليس غريبا أن نجد تفاوتا هنا أو تمايزا عن النظرية هناك لأنه ليس كل من اعتنق الإسلام فهم الإسلام ،وليس كل من قرأ القرآن وعى القرآن،فقد تجد شخصا يعنف زوجته أو ابنته ويمارس عليهما أبشع أشكال التسلط الذكوري، وقد تجد مجتمعا لا يزال يتعبد بالعادات والتقاليد القبلية، ومجتمعا ينتشر فيه العنف ضد المرأة وتشرع فيه جرائم الشرف وغيرها من الموبقات البعيدة عن روح الشريعة السمحاء، غير أن هذا لا يضير الإسلام في شيء وان هذه الممارسات التي يقوم بها المتسمون باسم الإسلام لا تعبر عن موقف الإسلام الحقيقي ولا تكشف عن نظرته لمكانة المرأة وحقوقها.

إن الموضوعية والإنصاف يفترض بالذين يوجهون سهام الافتراء للإسلام حقدا من عند أنفسهم أن يتورعوا وأن يتبينوا أما إنه قد يرمي الرامي وتخطئ السهام ويحيل الكلام، وباطل ذلك يبور والله سميع وشهيد. أما انه ليس بين الحق والباطل إلا أربعة أصابع: الباطل أن تقول سمعت والحق أن تقول رأيت..