عندما يخجل الرجال أن يكونوا رجال - الجزء الثاني



بسام البغدادي
2009 / 12 / 17

كم مرة سمعت عن رجل قتل أبنته أو أخته و (غسل عاره) و أسترد (شرفه)؟ شخصياً قد سمعتها عدد من المرات كافياً كي يجعلني العن هذا الشرف الهزيل المُحاط بألف علامة إستفهام و سوآل دون أن يجرؤ أحدنا على التقرب منه او محاولة الاجابة على الاسئلة تلك, لأن الموضوع يتعلق بـ(شرف العائلة), أقولها هنا دون أن أعتذر عن هذا التعبير. أذا كان شفرك الشخصي يتعلق بأمك أو أختك أو أحد نساء العشيرة فتفووو الف مرة على مثل هكذا شرف.

متى و كيف تحول الشرف من علاقة الفرد بمن حوله الى علاقة الكل بأعضاء الفرد التناسلية. ليس هذا فحسب, بل أرتبط التعريف المخزي للشرف هذا أرتباطاً وثيقاً بحياة المرأة الجنسية. حيث أصبحت حياة المرأة هذه من حيث تدري ولا تدري مسئولية أحد الفحول في العائلة, أو ربما كلهم حتى ذلك اليوم الذي يقومون فيه بتسليمها الى فحل آخر من خارج العائلة ليتحمل هذا (الشرف) الثقيل. كيف شائت الاقدار ان يكون هذا المفهوم العقيم لهذه القيمة الانسانية العليا صفة ملازمة لجميع الشعوب العربية و الاسلامية؟ بل أصبح يحمل عنواناً معروفاً في المجتمعات التي أبتليت بمهاجرين من هذه الشعوب التي تعاني من عقدة العار هذهِ ليتم الاشارة الى هذه الجاليات بمجتمعات الشرف؟ عن أي شرف عار نتحدث هنا؟ ما شكل هذا الشرف الذي يدفع الاب ليذبح أبنته و يقتل الاخ أخته ؟

في بلد الحضارات المزيفة, العراق, يتناسب شرف الرجل طردياً مع جهل المجتمع بعادات نساء العائلة الجنسية. لا يهم أن يكون إرهابياً نشطاُ في تنظيم القاعدة يقوم بحز رقاب الشيعة و المسيحيين في بغداد, ولا يهم أن يكون جزئاً من جيش المهدي يقوم بقتل كل من لايعجبه من السنة و الحكومة في بغداد. المهم هو إننا لا نعرف شيئاً عن ممارسة الإناث في عائلته (أخته, أمه, زوجته, بنت عمته او خالته, الخ) للجنس. هل يوجد تشويه أكبر من هذا لمفهوم الشرف بشكل عام و أنحطاط بمفهوم العملية الجنسية بين البشر بشكل خاص؟ عندما يتعلق شرف عائلة أو عشيرة أو بلد كامل بأعضاء أفراده التناسلية فمن السهولة حينها أعطاء أسم للرذيلة فقد وصلنا قعرها هنا.

حاولت كثيراً معرفة سبب هذا الانحلال الضحل لمفهوم الشرف لدينا, وما هي علاقة الشرف بممارسة الجنس؟ هل هو ظهور المجتمع الذكوري الذي جيل بعد جيل قام بتطوير هذا المفهوم على مدى آلاف السنين للأرتقاء بمقام الرجل حتى اصبح الألهُ ذاتهُ رجلاً يحشر ذكرهُ في كل شؤون حياتنا؟ أم هل لأن جميع الابطال و الانبياء في تأريخنا المزور هم مجانين جنسياً تتناسب مقدار بطولتهم أو قداستهم طردياً مع مغامراتهم الجنسية؟ ما هو سبب هذا التشنج الغريب و التركيز الغير منطقي لمجتمعاتنا حول الجنس بالذات؟ لماذا كل تأريخنا و مقدساتنا تدور حول الجنس و مدى أستخدام أو عدم أستخدام أبطالنا لأعضائهم الجنسية؟

نزولاً من التراث المُتوهم بقصة آدم و حواء عندما أكتشفوا و بصورة لا منطقية بانهم (عراة), مروراً بمغامرات محمد الجنسية و حتى ذكور يومنا هذا. هذا التحقير الاعمى و الخوف الازرق من الجنس و كل ما له علاقة بالجنس, و هذا التمجيد الغير مبرر لجنسية الرجل و قدراته الجنسية الخارقة يملأ كل دفاتر التأريخ و الادب و الدين لدينا. الكثير من الشباب الاسلامي اليوم يفتخر بقدرات محمد الجنسية و المسيحيين يتخذون من مريم العذارء مثالاً في الحفاظ على البتولية و يقدسونها حتى اصبح اسمها مريم (العذارء). تصور معي لو تحدثنا بنفس المقدار من الفخر عن قدرات مريم (العذارء) الجنسية؟ عن مغامراتها مع المؤمنين الاوآئل و أنتقالها بين مختلف الذكور لتوحيد القلوب و نشر الايمان بأبنها المُخلص و توطيده؟ الم يستخدم الله جسدها (بأعتراف الانجيل) لنشر رسالته؟ ما الضرر من أستخدامه في أشياء أخرى لنفس الهدف؟ تصور معي لو تحدثنا بنفس الفخر عن حياة فاطمة الزهراء او زينب الجنسية في البدايات الاولى لظهور الاسلام و أستخدامهن الجنس (تماماً كأبيهن) لتوحيد القبائل العربية على الدين الجديد؟ تصور معي, و أكتشف بكل صراحة أذا كان الشرف الذي تؤمن به هو شرفٌ يستحق الدفاع عنه أم شرف يجب ان تخجل منه و تتركهُ لانه لا يليق بك كإنسان عقله فوق رقبته لا بين رجليه.

لن أستثني نفسي الآن وسط هذه المعمعة المرضية لهذا العار الذي ندعوه شرفاً, فأنا أيضاً أحد ضحايا الثقافة الذكورية التي تسمح لي و لغيري من الرجال بأعطاء أبعاد خيالية و مرحة لجنسيتنا و نمارس التعتيم و القمع و حتى التعجيز و الخرافة فيما لو مس الحوار جنسية المرأة. الجنس في حد ذاته أصبح ظاهرة غير طبيعية في مجتمعاتنا محاطة بالكثير من الخرافة و المعتقدات و الغرائب. في مجتمعات تعاني من الكبت الجنسي حد الانفجار أصبحت كلمات مثل (ليلة الدخلة, فض البكارة, العجز الجنسي) كلمات مُرعبة لذكورها قبل إناثها لدرجة أنتشار مجلدات كاملة و مواقع و احاديث تتناولها بالشرح و التفصيل الدقيق و العجيب في نفس الوقت. لن ننسى كذلك وصفات الفياجرا التي لم أسمع بها قبل أن أدخل احد البلاد العربية و المئات من الخلطات السحرية الأخرى, و كأنما أصبح الجنس صعوداً الى الفضاء أو أختراع من نوع جديد و خاص جداً و ليس لقاء عادي جداً بين شخصين عاديين جداً بإرادتهما الحرة و أستجابة لنداء الغريزة (الطبيعية جداً) التي ستتناول مسألة كيف و أخواتها.

السوآل الذي يطرح نفسهُ الآن و بشدة علينا نحن (ذكور القبيلة حصراً) هو عن كيفية تخلصنا من هذه العقدة المريرة و المخزية المدعوة الشرف التي تسلبنا أدنى حد من حدود إنسانيتنا و راحة البال الكامنة في تعاملنا مع كل النساء حولنا. كيف نتخلص من هذا الشعور المرير بالدماء المتوهجة في عروقنا كلما رأينا او لمحنا او حتى سمعنا على أقتراب فحل ما لأحد إناث (قبيلتنا). كيف سنسكت دوامات الافكار و الشكوك و نتوقف عن محاولة لعب دور حامي الحمى و فارس الفرسان.

كي لا نعقد المسائل أكثر مما هي, تذكر أولاً إنها (أمك, أختك, بنت عمك, خالتك, الخ) إنسانة ناضجة و حرة مسؤولة عن نفسها تماماً كما أنك أنت مسؤول عن نفسك. تذكر كذلك البهجة الناصعة التي تملأ قلبك لحضات لقائك لحبيب قلبك, و تمنى نفس السعادة و البهجة لكل إنسان حولك و من ضمنهم (أمك, أختك, بنت عمك, خالتك, الخ). تذكر أن أمك أو أختك لسن أبقار مقدسة تملكها العشيرة. بل هن بشر مساويات لك بالقيمة و يمتلكن نفس المشاعر و الاحاسيس و الاحلام بحياة يملأها الحب و السعادة. سيقول لك الكثير من الفحول حولك, هل ترضى لأختك أن..... (نفس الاسطوانة القديمة). أجابتي هي أن أختي ليست دابة قاصرة العقل أقودها من الحضيرة الى المعلف كل يوم, بل هي إنسانة أثق بها و أحترم آرائها و أختياراتها و سأكون سعيداً لسعادتها من كل قلبي.

يا رجل أغسل عارك الفكري و تذوق روعة أن تكون صديقاً حميماً و صادقاً لأختك التي تستطيع ان تضع ثقتها بك عن حاجتها اليك. أدفن سيفك و أعلن السلم بينك و بين النساء من حولك و القي عن ظهرك هذا الحمل الثقيل الذي تتصور انك تحمله و أترك فسحة للاحترام و الثقة بينك و بين كل من حولك. هل أنت معنا؟ أذن مرحباً بك في عالمك الجديد, عالم البشر الاسوياء الاحرار.

بالتوفيق