تكاشف علني في قضايا تخص النساء



منى الطحاوي
2004 / 6 / 21

في الاسبوع الماضي طلبت من قارئاتي العربيات ان اشاركهن قصص حياتهن، ومن العدل في هذه الحالة ان اقدم قصة حياتي اولا
انا ابنة نساء قويات. استمد وجودي منهن وفخورة بحمل جيناتهن. جدتي لأمي، انجبت 14 طفلا، عاش منهم احد عشر. وتربية هؤلاء تعني ان حياتها كانت مشغولة دائما مثل اي وظيفة. اما جدتي لأبي، فكانت مدرسة وامرأة نشيطة، وقد انجبت 8 اطفال.. ابي ومعظم اخوته وأخواته يشجعون النادي الاهلي، غير ان جدتي ظلت تشجع الزمالك
أمي هي بطلتي، التقت ابي في كلية الطب، وبعد زواجهما حصلا على درجة الماجستير والدكتوراه في الطب. وقد شببت وسط مناخ رسخ عدم وجود قيود من أي نوع امام انجازات المرأة، فقد ربتني امي انا وشقيقي وشقيقتي خلال مرحلة الدراسات العليا، وخلال دراستها في كلية الطب وممارسة المهنة، وكبرنا جميعا ولدينا تقدير كبير للمعلومات. شقيقي طبيب، وشقيقتي في الجامعة، وهي تريد ان تصبح صحافية ان شاء الله

قادني طريق المعرفة الى الصحافة، وقد بدأت ممارسة المهنة في القاهرة، واستكملتها في القدس، وها انذا في نيويورك الآن

القصة حتى الآن، تخص حياة ثلاثة أجيال من النساء المصريات، وهي بالتالي، قصة مصر الحديثة، ومثل الكثير من المصريين في القرن العشرين، كان والدا أمي قد انتقلا إلى القاهرة من مدينة صغيرة، ومثل الكثير من النساء المنتميات إلى جيلها، كانت أمي متعلمة أكثر من أمها، ومثل الكثير من أبناء جيلهما سافر والداي إلى الخارج لإكمال تعليمهما، ومثل الكثير من نساء جيلي ما زلت أعيش في الخارج

كل جداتي وأمي يعشن في داخلي، مخاوفهن وآمالهن، طموحاتهن وخيباتهن، ساهمت كلها في تكويني وما اصبحته الآن. أنا لست أما مثلهن، لكنني تعلمت الكثير من حياتهن
انتقلت إلى الولايات المتحدة للعيش مع زوجي ووقع بيننا الطلاق في العام الماضي، بسبب عدم توافقنا مع بعضنا البعض. هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها عن طلاقي، لكنني أشرك الآخرين في هذه التجربة المؤلمة لأني، على الرغم من فشل زواجي، وما سبّبه لي من أسى، لا أشعر بالخجل من كوني امرأة مطلقة

ساندتني اسرتي كثيرا خلال الاوقات العصيبة الذي مررت بها في حياتي، ولو لم احصل على تلك المساندة لكان وضعي قد ازداد صعوبة. لقد أدركت أن الله انعم علي بمنحي أسرة مساندة كأسرتي. كم من النساء سيرفضن من قبل ذويهن إن هن فكرن، مجرد التفكير، في الطلاق؟ أدركت أن الله قد باركني حينما منحني تعليما ومهنة، يسمحان لي بأن أكون مستقلة. كم من النساء سيبقين تعيسات في حياتهن الزوجية لعدم توفر خيار آخر أمامهن؟

لا عيب في الطلاق، فللأسف لا تنتهي كل الزيجات بالنجاح والسعادة التي يتمناها الزوجان، إلا ان النساء في العالم العربي كثيرا ما يجبرن على التزام الصمت عندما يعشن حياة تفتقر الى السعادة، كما يحرمن حق الطلاق الذي منحه الاسلام لهن. كثيرا ما توجه مسؤولية فشل تجربة الزواج الى المرأة، رغم ان نجاح الحياة الزوجية يعتمد على شخصين. كما ان المرأة في العالم العربي هي التي تتحمل «وصمة» الطلاق

اعرف امرأة طلبت مني ان اقسم على الإبقاء على سرية ما دار بيننا، لأنها تخاف على سمعتها بين سكان المبنى الذي تسكن فيه

في بعض الحالات، تصبح حياة المرأة في خطر، لكنها تتعايش مع هذا الخطر، تجنبا لمخاطرة تجعلها مطلقة، وقد تفقدها حقها في حضانة اطفالها. من يستطيع ان ينسى مذيعة التلفزيون السعودي، رانيا الباز، التي كاد ضرب زوجها لها ان يودي بحياتها؟ سمحت رانيا بشجاعة لوسائل الإعلام بتصوير وجهها، الذي ظهرت عليه آثار الضرب الوحشي، لتصبح بذلك صوتا لآلاف النساء اللائي يتعرضن لهذا النوع الوحشي من المعاملة

ابلغت رانيا الصحافيين بأنها لم تطلب الطلاق، لأنها تخشى فقدان حقها في رعاية اطفالها، إلا ان زوجها لا يستحقها ولا يستحق الاطفال، ذلك ان رجلا مثله يجب ان لا يعطى حق حضانة الاطفال

حظيت قضية رانيا باهتمام واسع، وآمل ان تكون شجاعتها وأمانتها قد حفزت النساء على الحديث عن العنف الذي يتعرضن له، وأن يدركن جيدا انهن يستحققن معاملة حسنة من جانب ازواجهن، لكن نساء كثيرات لا يجدن المنبر الذي توفر لرانيا لإطلاع الناس على ما تعرضن له، بل ان قصص هؤلاء النساء والمعاملة السيئة التي تعرضن لها، ربما لا تخرج الى العلن
التقيت خلال عملي صحافية في القاهرة، بنساء كثيرات هجرهن ازواجهن. اختفى اولئك الازواج ولم يطلقوا زوجاتهم المهجورات. كما لم يقدموا لهن أي مساعدات مالية او نفقة طبقا لأحكام القضاء، رغم ذلك هناك من ينتقد النساء اللواتي يعملن خارج البيت. حسن، اذا لم تعمل هؤلاء النسوة، فمن اين ينفقن على انفسهن؟
تلقيت على بريدي الإلكتروني [email protected]،رسائل من عدد من النساء، وأود ان اقدم لهن الشكر الجزيل. طلب معظمهن مني ان اتحدث بصوت عال حول هذه القضايا وغيرها من المسائل التي تتسبب في معاناة العديد من النساء في العالم العربي. كما تلقيت رسائل من بعض الرجال ايضا، ممن عبروا لي عن تأييدهم لحقوق النساء، لأن ذلك، يعني، من وجهة نظرهم، تأييدا لقضية عادلة. فهؤلاء لهم امهات وشقيقات وبنات، ولا شك انهم يدركون جيدا اهمية هذه الحقوق في تحقيق سعادة ورفاهية نساء وبنات الاسرة، ومن تربطهن بهم صلة قرابة

بدأت قصتي بالقول انني ابنة امرأة قوية، وأود ان اختتم بالقول إنني ابنة رجل قوي ايضا. قوة الرجل لا تقاس بقوته الجسمانية، وإنما بشجاعته الاخلاقية في الوقوف في وجه المظالم التي يراها من حوله، وكذلك برفضه المشاركة في هذه المظالم والتجاوزات. لعله من الظلم ان تحرم نساء كثيرات في العالم العربي من حقوق كثيرة. اجدادي ووالداي اقوياء لأنهم ايدوا النساء ووقفوا في صف الدفاع عن حقوقهن ودفع المظالم عنهن

جدي لوالدتي، اب لسبع بنات، وكان قاضيا للأحوال الشخصية. وجدي لأبي كان ابا لأربع بنات، وكان متخصصا في اللغة العربية. اما والدي فقد كان طبيبا
من ضمن الشخصيات الاخرى القوية في اسرتي، شقيقي الذي رزق ببنت قبل فترة قصيرة. اعتقد انه على كل رجل ان يصبح أبا لبنت حتى يترجم رعايته واهتمامه بها الى رعاية واهتمام بكل النساء
للنساء القويات والرجال الاقوياء في حياتي.. اتقدم بالشكر