المرأة التونسية منعت تعدّد الزوجات منذ 9 قرون



إقبال الغربي
2004 / 6 / 21

إن مآخذ المفكّر إدوارد سعيد على المستشرقين يمكن تلخيصها في قوله الشهير:"عندما نتكلّم عن الإسلام غالبا ما نتناسى بعدي الزّمان والمكان". أي أن إدوارد سعيد في نقضه لمؤسسة الاستشراق انتقد بشدّة المقاربات التي تأخذ الإسلام خارج التاريخ. بيد أن هذه النوعية في الدّراسات العابرة للتاريخ نجدها أيضا خارج المجال المعرفي الّذي ركّز عليه هذا المفكّر والمتخصّص في "صناعة الآخر". فهي إمّا مقاربات تمجيدية دفاعية تريد بكلّ قسريّة إسقاط مفاهيم حداثية وعصرية على الإسلام أو مقاربات تحقيرية تعتبر الإسلام يحتوي على "رصيد جيني" في التعصّب والانغلاق. وفي كلتا الحالتين نقع في التعميم كعائق ابستيمولوجي عندما نعتبر المنظومة الإسلامية كتلة واحدة، جامعة مانعة، لا تتأثّر بالظروف المحيطة بها. وهوخطأ منهجي غالبا ما نقع فيها عندما ندرس شرط المرأة في الإسلام. وهو شرط متغيّر، يختلف من جماعة إلى جماعة ومن قطر إلى قطر ومن ومن المدينة إلى الرّيف مثلا.

وفي هذا الصّدد تمدّنا الوثائق التاريخية والأدبية والإخبارية بالعديد من المعطيات المتعلّقة بوضعية المرأة. بيد أن النّصوص الفقهية المتعلّقة بالنّوازل والفتاوى تمدّنا أيضا بمعلومات وبمؤشرات هامّة حول شرط المرأة ونوعية العلاقة بين الجنسية في مجتمع ما. ويمكّننا فقه النّوازل والمعاملات أوّلا من تنسيب الصّورة المنمطة عن المرأة المسلمة وثانيا من تجاوز النظرة التبسيطية المعمّقة لتراثنا الثريّ والمعقّد الّذي لا يمكن للنصـوص أن تحيـط بـه.

فالمراة بإفريقية مثلا فرض نوعا جديدا وموازيا من العقود. فقد كانت تتزوّج لما يسمّى "العقد القيرواني" الّذي يحميها من تعدّد الزوجات والّذي يمكّن المرأة من حقّ تطليق أيّ زوجة جديدة للزوج ومن منعه من التسرّي أي اتخاذ الجواري وتأسيـس حريم (1)ولعلّ أشهر زواج قيرواني هو زواج المعزّ لدين اللّه الفاطمي الّذي منعته زوجته التونسية من التعدّد.

وكما لعبت المرأة دورا رئيسيا في تصوّر مؤسسة الزّواج فقد حدّدت أيضا مستقبل ومصير علاقتها الزوجية . إذ كان مكانها أن تشترط في العقد أن يكون أمرها بيدها إذا تغيّب الزوج لمدّة معينة ومذكورة في العقد (أربعة أشهر مثلا). ففي هذه الحقبة التاريخية – القرن الحادي عشر ميلادي- اضطربت الأوضاع وتوتّرت بسبب زحف القبائل العربية ما بني هلال وبني سليم على إفريقية لمعاقبة السلطان الزيري المعزّ ابن باديس الّذي خرج عن طاعة الفاطميين. وقد أدّى انعدام الأمن وانقطاع الطرق والمسالك دون ممارسة الأنشطة العاديّة للنّاس من سفر وتجارة وحجّ ممّا أعاق رجوع الغائبين ولمدّة طويلة سواء بسبب الأسر أو القتل أو المنع. وقد أنتجت هذه العوامل التاريخية ظاهرة اجتماعية وهي غياب الرّجل / الزوج أو تعمّده التغيّب عن زوجته. وفي هذه الحالات كان للمرأة حق طلب الطلاق وكان القاضي يضرب أجلا للمفقود الغائب ويمنح الزوجة جميع الصداق ويمكّنها من الزواج مرّة ثانية (2) .

وفي نفس هذا السياق استطاعت المرأة في إفريقية أن تفرض العديد من الحقوق مثل حق توريث المرأة ذات الرّحم أو من هو من نسلها ممّا مكّنها من تكوين ثروات وأملاك خاصّة بها.

تبيّن لنا هذه الفتاوى إذن كيفية اختراق المنظومة الفقهية القائمة على مراتبية صارمة والتي تفصل بجدار حيني بين الحاكم والمحكوم ، بين الرّجل والمرأة ، بين العامّة والخاصّة ، بين البدو والحضر إلخ...

هذا الاختراق الّذي يجسّر "مقاومة الضعفاء" الّذين يوظّفون الحيل الفقهية من أجل التحرّر والانعتاق.

ورغم نجاحها بقيت هذه المقاومة مهمشة اجتماعيا من طرف السلطة، ومعرفيّا من طرف العلماء لأن المعرفة هي أيضا نوع من السلطة، إلى أن تبلورت وضعية المرأة مع مدونة الأحوال الشخصية في سنة 1957 التي منعت تعدّد الزوجات وفرضت الطلاق بالتقاضي وحدّدت سنّ أدنى لزواج المرأة. وتعمّقت هذه الإجراءات مع إصلاح 1992 الاحترام المتبادل الّذي:

- عوّض مبدأ الطاعة للزوج بمبدأ الاحترام المتبادل

- أعطى الولاية للأم في حال غياب الأب

- أعطى الأم حقّ إعطاء جنسيتها لابنها

- مكّن الأم العازبة من بعض الحقوق





(1) مراد الرّماح "الصداق القيرواني" في كتاب المرأة التونسية عبر العصور 1997- تونس

(2) محمد الغضبان : حق المرأة في طلب الطلاق بتونس في القرن الخامس هجري في الكرّاس الفكري لجريدة الحرّية

مايو 2004