نادين والعنف ضد المرأة..!



باقر الفضلي
2009 / 12 / 28

الجرأة وحدها لا توقف العنف،
ولكنها تفتح الطريق أمام منع العنف..!


منذ مقالتي السابقة، وهي آخر ما كتبت حول وقف العنف ضد المرأة (1) ، أن فوجئت وبعد أيام قليلة من ذلك، بمقالة الكاتبة الفاضلة نادين البدير، على صفحات موقع الحوار المتمدن الألكتروني، وقد إستوقفتني بنفس الوقت، صورتها المنشورة في أعلى الصفحة لأول مرة، والتي كانت تطفح ثقة وجرأة عاليتين؛ ما أستوقفني في الحقيقة، هو عنوان المقالة الطاغي على كل ما حوله من عناوين أخرى، فدفعني الفضول الى القراءة المباشرة، ومنذ البداية كنت قد إفترضت؛ أن شيئاً ما لابد أن يقف وراء مثل هذا العنوان المثير، وإثار فضولي أكثر، هذا الكم الكبير من التعليقات التي سطرها القراء على المقالة..!


بعد إتمامي للقراءة، إستقرأت ما كانت تخفيه الكاتبة الملهمة من وراء العنوان الذي إختارته لمقالتها، وهو وحده يعطي للقاريء اللبيب الطريق لولوج حقيقة ما تريده الكاتبة من وراء هذا العنوان، الذي يبدو منذ أول وهلة، وكأنه عنوان يغلب عليه طابع الإستفزاز والإثارة المتعمدين مع إصرار مسبق للوصول من خلال هذا العنوان الى الهدف الذي أرداته الكاتبة الفاضلة، وهو في الحقيقة، وفي جوهره هدف يصب في الإتجاه الصحيح من أجل إقامة التوازن العادل في المجتمع بين المرأة والرجل وضمن أطر من الشرعية القانونية التي ينبغي على كامل المجتمع إحترامها من خلال الخضوع لأحكامها، أي بمعنى آخر، إعتراف المجتمع نفسه بمبدأ (المساواة بين الرجل والمرأة)، كمبدأ سام توصلت له الحضارة المدنية أممياً وسنت له الشرائع القانونية، بما فيها: ( اتفاقية كوبنهاجن أو السيداو "CEDAW" اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ) ، والقانون الدولي لحقوق الإنسان..!


الى هذا الحد يبدو كل شيء مفهوماً في إطار القصد الذي توخته الكاتبة من وراء ذلك العنوان المثير للجدل، والذي أثار زوبعة من الغضب والجدل العارمين من جهة، والدعم والتأييد المطلقين من جهة أخرى، في نفس الوقت ما تخللهما من سخرية ودعابة هي الأخرى لم تكن مقصودة ولكنها تدخل في باب القراءة الظاهرة والسطحية للعنوان، بعيداً عن الربط الموضوعي بين العنوان ومضمون المقال وقصد الكاتبة من إختيارها لهذا العنوان من جهة ، والهدف الذي تتوخاه من ورائه من جهة أخرى..!

البداية الساخرة التي وظفتها الكاتبة المحترمة في مقالتها الموسومة (أنا وأزواجي الأربعة)، هي في تقديري من منحت تلك القوة والإهتمام الى المقالة، مقرونة مع صياغة العنوان بهذا الشكل الإستفزازي، وذلك في النقاط التالية:


• فالامعقولية المنطقية، والإفتراضية، التي إختزلهما العنوان نفسه هما ما زرع الريبة والشك لدى جمهور القراء فيما تقصده الكاتبة من وراء ذلك، وهذا وفي تقديري، ربما خلق لدى هذا الجمهور حتى عدم الرغبة لإتمام قراءة المقالة، أو الإكتفاء بقراءة سريعة وبعيدة عن التدقيق في المضامين بهدف الإستقراء وإستنتاج القصد. ومن هنا جاءت ردود الفعل المتناقضة والسريعة والكثيرة، وهي طبيعية في مثل هذه الحالات وأزاء مثل تلك الموضوعات الإجتماعية ذات الوضع الخاص، ولم يطرح الغالبية من هذا الجمهور على نفسه التساؤل المنطقي والمفترض وهو؛ هل حقاً أن الكاتبة المحترمة تقصد حقاً ما تقول من وراء هذا العنوان..؟
• أما الإتجاه الثاني الذي تمكنت المقالة من خلال عنوانها المثير والسخرية البالغة التي إعتمدتها الكاتبة كإسلوب في العرض لأمور غاية في الحساسية بالنسبة للمجتمع، فهو في تقديري أيضاً، يكمن في ما نسميه بطريقة (الصدمة)، وهنا تراها قد وضفت شخصيتها، وكما أراها بإعتبارها "شخصية إعتبارية"، لتطرحها وعلى سبيل الفرض، مثالاً للتدليل على صدق ما تفترضه إعتبارياً، وهو أحد الطرائق التي قد يلجأ اليها الإنسان لإيضاح أفكاره حينما يفترض العكس من أجل الوصول الى الهدف الحقيقي، وهنا هو مبدأ المساواة في مجال الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة..! ولكن هذا من جانب آخر، لا يعني المساواة المحضة، أي لا يعني أن تساوي المرأة الرجل في كل ما يحوز عليه من حقوق، وبمعنى آخر، وهو المطلوب بالنسبة للمرأة والكاتبة الكريمة تمثلها في هذا النقاش، أن لا تساوي المرأة الرجل في "حقه" بتعدد الزوجات، لأن يكون لها "حق" مثله بما يسمى إفتراضاً "تعدد الأزواج" ، وهذا ما لا تقصده الكاتبة الفاضلة إطلاقاً. وهنا سقط الكثيرون في سوء الفهم لحقيقة ما تناضل من أجله الكاتبة المحترمة نادين البدير، فليس ما أطلق عليه حقاً من جانب واحد هو حق محض بالمعنى المفهوم للكلمة، كما أن الأمر لا يدخل في نزاع لحق مختلف على عائديته، كما يريد البعض، أو هكذا تفهم البعض ما تقصده الكاتبة المحترمة من وراء العنوان..!
• في الخلاصة فإن ما أرادت أن تلفت الفاضلة نادين البدير الأنظار اليه، إنما يتركز في مطالبتها بالوصول الى تشريعات قانونية على صعيد الدول العربية والإسلامية، تمنع تمسك الرجل بما يسمى بحقه في " تعدد الزوجات" إلا في تلك الأحوال التي يجيزها القانون ولأسباب موضوعية تقرها المرأة، وليس على عكس ما فهم خطئاً بأنه "دعوة" لما يقال "بتعدد الأزواج"..!

لست بصدد التعليق على المقالة، وظروف كتابتها ، وكيف ينظر لها من قبل الآخرين،، أكثر مما قدمت، مشيراً بنفس الوقت عن وجهة نظري العامة حول العنف ضد المرأة، في المقالة المشار الى رابطها أدناه لعلاقتها بالموضوع، ولكني أشير الى أهمية إحترام الرأي الأخر، بعيداً عن التشهير والشخصنة، فاهمية المقالة تكمن في عمق ما أثارته من جدل ونقاش واسعين، والكاتبة الفاضلة هي أقدر على تلمس النتائج التي توصلت اليها المقالة على الصعيد الإعلامي والفكري، من ردود الأفعال المختلفة، وأنا أجد فيها من الجرأة ما يستحق الإشادة والإحترام..!
____________________________________________________
(1) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=195947