دفاعا عن وجيهة الحويدر....وعن المرأة وحرية الرأي



جلال محمد
2004 / 6 / 22

..نشرت الكاتبة "السعودية"، وجيهة الحويدر مقالا في الحوار المتمدن كشفت فيه جانبا من التهديدات والمضايقات المستمرة التي تتلقاها من قوى الإسلام السياسي واستشهدت بنص إحدى تلك التهديدات القذرة التي تلقتها مؤخرا عبر الانترنيت : إن يدنا تطول أمثالك من المنافقين وإن لدينا ما نفعله لك.. وقد أعذر من أنذر..تذكري جيدا. ترد وجيهة في نفس المقال على تلك التهديدات البائسة بجرأة وتؤكد بحق إنها تصدر عن قوى ظلامية متخلفة ....إلا ان ما تركز عليه هو محاولة اثبات ان تلك القوى لا تمثل الاسلام وكونها غريبة عن التعاليم والقيم الإسلامية وان الاسلام الصحيح هو بالتالي ضد هذه الممارسات.
من نافل القول ان نشير الى ان الممارسات الارهابية التي تتعرض لها الكاتبة وجيهة ليست حالة جديدة، معزولة او طارئة في البلدان العربية او ما تسمى بالاسلامية ولا غريبة، سواء على معظم الانظمة الحاكمة او قوى الاسلام السياسى التي حولت هذه البلدان منذ نهاية السبيعنات من القرن الماضي الى ساحة حرب حقيقية ضد كل الحركات التقدمية والراديكالية وكل المكتسبات التي حققتها بل انها تشن حرب شعواء ضد كل ما هو إنساني وينبض بالحياة وخاصة ضد المرأة وعلى سبيل المثال لا الحصر اشير الى التهديدات المشابهة التي تلقتها ولا تزال الناشطة النسوية الشيوعية ينار محمد في العراق من قبل نفس المجموعات الإسلامية و الفتوى الأخيرة التي صدرت عن الأزهر ضد رواية نوال السعداوي وما تمارسه هذه المجموعات في مصر، الجزائر، إيران ، الأردن ، السودان ، باكستان ، سوريا، اليمن ...الخ. ما هو جديد في المسالة التي نحن بصددها هو إنها تحدث في السعودية والصوت الذي برز هو صوت امرأة.
ظاهر الامر او ما تحاول الطغمة السعودية الحاكمة تصويره ، مستفيدة من بعض التاريخ ،ان السعودية هي مهد الاسلام والرسالة المحمدية ، تحتضن رفات محمد ومعظم صحبه الاوائل ويحج اليها سنويا مئات الالوف من المسلمين كل عام و تعتبر مركزا لكل الفتاوي والتعليمات المتعلقة بكل صغائر وكبائر حياة المسلمين في العالم...انه بلد الشريعة الاول ويجب ان يكون نموذجا ومثالا حيا لتطبيق الاسلام والالتزام التام بتعاليمه وبالتالي كيف يجوز لبلد كهذا ان يرتفع منه صوت يطالب بحرية الراي والعقلانية والمعاصرة وبان تعامل المراة بوصفها انسانة وليس شيئا من ممتلكات الرجل وخاصة اذا كان هذا الصوت هو صوت امراة ؟. التعاليم الاسلامية سواء اكان القران ، سنة محمد او ممارسات الشخصيات او الانظمة الاسلامية الحاكمة، قديما وحديثا وفي مقدمتها حكم محمد نفسه وخلافة الراشدين تثبت و ترسخ النظرة الدونية والبربرية للمرأة ، وانا لست بصدد النقاش التفصيلي لهذه المسالة.الا ان حقيقة الامر هو ان ما يسود في السعودية هو نظام راسمالي وطبقة برجوازية حاكمة تستحوذ ليس على اكبر ابار النفط في العالم فحسب بل على ايدي عاملة رخيصة تصل معدل انتاجيتها الى اعلى المستويات العالمية في الوقت الذي تحرم فيه من ابسط حقوقها السياسية والاقتصادية والنقابية ولا يهم في ذلك ان كانت جنسية اكثرية الطبقة العاملة في هذا البلد هي سعودية، هندية، فلبينية او باكستانية او غيرها..المهم ان النظام الاقتصادي – الاجتماعي والسياسي السائد في هذا البلد هو نظام للاستغلال الراسمالي تمارس فيه البرجوازية السعودية و الاوروبية المتحضرة درجات من الاستغلال الوحشي قل نظيره في العالم الاسلام ، سواء اكان اسلام الاتجاهات البربرية التي تهدد وجيهة وكل اشكال التحرر والانسانية او الاسلام الذي تستنجد به وجيهة ليس الا نظاما ايدولوجيا وقانونيا واخلاقيا لتبيرذلك الاستغلال. انه الغطاء الذي يبرر ويدافع عما تمارسه الطبقة الحاكمة في السعودية ذلك ان الاسلام هومن اشد الايدولوجيات والمنظومات الفكرية والاخلاقية عداءا لتحرر الانسان وخاصة لتحرر المراءة وان ما يجري من صراع بين بعض الانظمة الاسلامية وحركات الاسلام السياسي يتمثل ببساطة في كون الاتجاهات الاسلامية الارهابية ترى في انفسها بدائل مناسبة اكثر من الانظمة الاسلامية الحاكمة لخدمة الطبقة البرجوازية في البلدان المذكورة التي شاخت وما عادت قادرة على مواجهة التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرات على العالم خلال العقود الاخيرة والتي تحمل في طياتها وابعادها تهديدا حقيقيا لسلطة البرجوازية فيما يسمى بالعالم الاسلامي.ومن جهة اخرى تتنازع التيارات المذكورة مع القوى العظمى على السيطرة على المنطقة وعلى حصتها من الارباح والاموال الطائلة التي تدرها المنطقة على حساب جماهيرها المسحوقة. بمعنى اخر فان صراع القوى والانظمة الاسلامية فيما بينها وبينها وبين القوى العظمى وخاصة امريكا هو على مسالة السلطة والنفوذ في المنطقة وليس بين التفسيرات المتعددة والمتباينة في الاسلام او بين الاسلام وما تسمى بالحضارة الاوروبية . الاسلام، كل تيارات وتفسيرات الاسلام تخدم الانظمة الحاكمة والتيارات الاسلامية في المنطقة ضمن هذا المسار.
انني اخالف خديجة في كون اصحاب التهديد لا يمثلون الاسلام الحقيقى وانهم يحتمون به زورا وبهتانا.فاذا كان الامر كما تقول الكاتبة بماذا نفسر اذن الاستبداد المطلق الذي يمارسة النظام السعودي الحاكم وبماذا تفسر معاملتها البربرية للمراءة وحرمانها من ابسط حقوقها ؟ وهل القوانين السعودية اقل فتكا ووحشية من ممارسات المجموعات الاسلامية الارهابية؟
لو القينا نظرة سريعة على مجمل التيارات الاسلامية المعاصرة لما وجدنا ادنى اختلاف فيما اشرت اليه فالتيارات الاسلامية السنية بكل تنوعاتها كالنظام السعودي ونظام طالبان السابق ومعظم الانظمة العربية الحاكمة وكذلك الحركات الوهابية المعارضة المنتشرة في البلدان العربية والاسلامية تلتقي فيما بينها ومع الانظمة والحركات الاسلامية الشيعية كالنظام الايراني واحزاب الله والدعوة المنتشرة في هذه البلدان على موقف مستبد وصارم تجاه كل اشكال المعارضة السياسية للاسلام والانظمة الاسلامية الحاكمة وكذلك على موقف لا انساني وبربري تجاه المراءة بحيث لا تعترف بادنى حقوقها الانسانية فما بالك بمساواتها بالرجل. ان جوهر الموقف الاسلامي الذي يشترك فيه مع الايدولوجيات الرجعية الاخرى تجاه المراءة هو انكارها لانسانية المراءة ، أي كونها انسانة تماما كالرجل فالمراءة وفق الاسلام هي اما زوجة او ام او اخت ولكل هذه الكائنات" الاشياء" واجبات خاصة عليها الالتزام بها ، جوهرها هو خدمة الرجل و محرم عيها تجاوزها وان فعلت تواجه عقاب الرجل في الدنيا وجحيم الرب في الاخرة، من اولى المحرمات على المراءة هي المطالبة بمساواتها بالرجل لان الله خلقها غير متساوية والمطالبة بالمساواة تعني مخالفة ارادة الرب....باختصار فان الخلافات بين التيارات الاسلامية لا تمنعها من الالتقاء على امور من اهمها موقفها المستبد و اللاانساني تجاه حرية الراي وتحرر المراءة ومساواتها في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولذلك فان تلويح الكاتبة الى مطلقي التهديدات بكونهم جزء من الاسلام الافغاني ليس صحيحا ولا يصب الا في خانة تبرئة بعض التيارات الاسلامية .
واخيرا فان بروز الصوت الشجي لوجيهة الحويدر يطرح على الجبهة الانسانية وقواها الراديكالية والمدافعة عن حقوق الانسان في العالم والمنطقة العربية بالذات مهمات عاجلة وفورية خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان كل قساوة ووحشية الحركات الاسلامية واستبداد الانظمة الحاكمة في المنطقة خلال العقود الاخيرة فشلت في كبت الاصوات التحررية والمناضلة في سبيل تحرر الانسان ومساواة المراءة وحقوقها .ان الدفاع عن كل الاصوات والشخصيات المذكورة وحمايتها هي في مقدمة الواجبات والمهام الفورية للقوى المذكورة وان حماية وجيهة الحويدر تاتي في مقدمة هذه المهام , ذلك انها تسفه كل ادعاءات الرجعية الاسلامية والطبقة السعودية الحاكمة ومحاولاتها لتصوير هذا المجتمع بكونه خارج عن سياق التاريخ المعاصر للبشرية ولا تنطبق عليها قوانين تطوره الاجتماعية . ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي بما يحمل من اهداف وطموحات تحررية وانسانية وما يناضل في سبيل تحقيقه وما يعبئ من قوى تحررية في المجتمع العراقي يرى نفسه في مقدمة القوى.

جلال محمد
13/6/2004