سافرة ..ولا زلت



فاتن واصل
2009 / 12 / 29

كانت تبدى ضجرا واضحا من حوارالمدير و تتحرك حركة متململة لتشعره بعدم إرتياحها لأسئلته التي من الممكن تأجيلها حتى الغد خاصة أنها لا تتعلق بعمل عاجل أو مطلوب أن تنتهى منه فورا .. نظرت بضيق لزميلتها التى تقف بجوارها وعلى وجهها إبتسامة ودودة وترد على الأسئلة وإلأستفسارات بهدوء بالغ .. بل يبدو من هدوءها هذا أنها لا تهتم بأن سيارات المؤسسة علي وشك المغادرة أو تتعجل الإنتهاء.. في محاولة لإثبات كم هي مهتمة بتعليمات الرئيس ومجتهدة رغم أن موعد الأنصراف قد حان .
دقت الأرض بحذائها و نظرت لزميلتها بغضب وقالت وهى تشير إلي الساعة " ياللا العصر حيأذن .." ردت الأخرى" نصليه فى البيت " أشارت لرأسها المغطي بحجاب رخيص وردت بعبوس " ضمنتى !! " .. تنبه المدير للحديث الجانبي فسأل" ضمنت إيه ؟ " .. ردت بطريقة من يتهمه بالجهل أوالتعصب " ضمنت تروح وتلحق تصليه ... طب ما يمكن تموت فى الطريق " .... تردد قليلا ثم استدرك قائلا " يا ساتر .. لا لا وعلى إيه روحوا صلوا إنتوا حتحملونا ذنبكم ليه " . رتبت أوراقها علي عجل وأسرعت تغادر الغرفه وهي تقول بصوت مبالغ في إرتفاعه ""سلامو عليكم ""
نظر الأ ستاذ سعد حنا تجاهي وقال " وانت مش عايزه تحصليهم !! "
ضحكت وقلت " الدين يسر بس هي مزوداها شويه "
كانت محاسبة قديمة في الأدارة .. فاتها قطار الزواج مما جعلهاعبوس لدرجة أننى لا أتذكر أنني قد رأيتها تضحك من قبل ..كانت حادة الملامح أقرب للرجال .. وعندما تخيلت أن سبب عدم زواجها هو أنها سافرة تحجبت في إنتظار الفرج ولما لم يأت تدروشت وقادت سيدات المؤسسة في إنشاء مصلية حريمي وكانت تؤمهن وتحرص بديكتاتورية واضحة علي إنتظامهن ثم وبمرور الزمن بدأت تهمل في مظهرها أوفي المحافظة علي أنوثتها فتتكلم بصوت عال وترتدى ألوان غير موفقة وتدخل في معارك حول تفسيرات الدين بحيث أصبح لها سطوة واضحة علي أغلب السيدات والآنسات..أكثرهن تضررا كانت زميلتها.. شابة ومخطوبة لزميل يحبها ولا يتورع عن مغازلتها أمام الجميع مما كان يخجلها خصوصا عندما تكون الاخرى متواجدة.. لذلك عندما تحركت الكبرى تبعتها وهي تنظر لي بأسف .
عند بداية عملى بهذه المؤسسة كان عدد المحجبات محدود خاصة بين الحاصلات علي شهادات جامعية ثم بدأ يتزايد بعد الزلزال وفي كل يوم يجتذب أعدادا أكبر حتي لم يبق غيرى والمسيحيات.. حاولوا أكثر من مرة تجنيدى بالرعب من الآخرة وعذاب القبر ولكنني كنت أزداد إصرارا علي موقفى.. حاولوا إثارة النعرة الدينية وتوحيدى معهم ضد الأستاذ سعد ولكنني لم أستجب.. حتي جاء موعد ترقيتي فأبلغوني أنه يصعب قبول الجهات الرقابية أن تكون سيدة في هذا المكان.. فضلا عن كونها سافرة ..ولم أحصل علي الوظيفة .
إبتسمت وأنا أرد عليها " وعليكم السلام " ثم أشرت للشابة بيدى أى إتبعيها ولا تسببي لنفسك مشكلة ..أدار وجهه ثم بدأ يناقش معي ما انقطع من عملهما بسبب مغادرتهما ويطلب مني متابعتهما وهو يهمس مش ناقصها دي كمان
أعقب قرارالأستاذ سعد بأن أتابع أعمال الانستين صدمة لدى الكبرى كانت واضحة من ردود أفعالها تجاه ملاحظاتي فقد كانت تعتقد أنه لا يوجد فارقا بيننا يؤهلني لأن أتابع أعمالها و كانت تبرر تصرف مديرها بأنه اضطهاد بسبب تمسكها بتعاليم دينها الذى هو أغلي ما تملك ..ما زاد الطين بلة أن الأستاذ سعد تحت ضغط العمل كلفني بمتابعة باقي أعمال الزملاء بالإدارة مخيبا لآمال العديد منهم الذين كان يطمع بعضهم في تجاوزى والحصول على هذه الوظيفة.. ثم بدأ الهجوم عندما أبدت الصغرى ترحيبا وتعاونت مستقلة عن الأخرى التي كانت تجبرها علي تبني وجهات نظرها ولا تقبل المناقشة و اتضح أن الصغرى كان لها اعتراضات كثيرة حاولت أن تقولها للأستاذ سعد حينما زجرتها بسبب حلول موعد الصلاة.. مؤيدى الكبرى أشاعوا بأنني والأستاذ سامي من نفس الصنف وأنني أداته لتهميشها بسبب قربها من الله الذى لن يتركنا ننفذ مخططنا بسلام وسيحميها منا.
وانقسم الزملاء الي جبهتين إحداهما لمناصرة فكرة تحالفي مع الأستاذ سعد و التي ضمت العديد من المضارين بمتابعتي لأعمالهم و للأسف كان لهم أظافر وأنياب أوصلتهم لرئيس المؤسسة الذي عاتب المدير بأنه بتعليماته هذه يتحدى ارادة الجهات الرقابيه ويلتف علي قرارهم ..الأستاذ سعد نصحني بعد أن أشاد بكفاءتي .. أن أنهي سفورى إذا كنت أريد التقدم في سلك الوظائف مبتسما قائلا " بلدهم يا بنتي حنعمل ايه .."
أكتب هذا ومازلت سافرة ومازلت أشرف علي أعمال المحجبات والمحجبين فكريا ..ولكن إستقالتي أيضا لازالت في درجي تدعوني للتحرر من نير عبودية الوظيفة .