تغيير الثقافة وزيادة الإدراك والوعى العام للقضاء على العنف ضد المرأة



راندا شوقى الحمامصى
2010 / 1 / 17

يوليو 2006
بكل المقاييس، فقد تحسنت أحوال النساء والفتيات بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمسين الماضية، فقد حققن معدلات عالية فى تعلم القراءة و الكتابة و التعليم عامة، و زاد معدل دخلهن الفردي، كما تبوأن مناصب بارزة في المجالين المهني و السياسي. إضافة الى ذلك، فقد نجحت التجمعات النسائية المحلية و الوطنية و العالمية واسعة الإنتشار في وضع شئون المرأة على جدول الأعمال العالمية و حفزت تكوين آليات قانونية و مؤسساتية للإهتمام بدراسة هذه الشئون. و على الرغم من هذه التطورات الإيجابية إلا أن وباء العنف السائد ضد النساء و الفتيات، استمر بفعل التقاليد الإجتماعية و التعصبات الدينية و الأحوال الإقتصادية و السياسية المُستغلة - و التي لا زالت تعصف و تدمر كل ركن من أركان العالم. وبينما يناضل المجتمع العالمي لتطبيق و تفعيل قوانين تحمي النساء و الفتيات، فمن الواضح وجود مسافة شاسعة تفصل ما بين الوسائل القانونية و الثقافة المتغلغلة في قيمنا و سلوكياتنا و مؤسساتنا التى نحتاجها لإيقاف هذا الوباء.
إن العنف ضد النساء و الفتيات و الذى ينذر بالخطر، يحدث على خلفية عمليتين متزامنتين تميزان حالة العالم في وقتنا الراهن. الأولى هى عملية الهدم، التى تعمل فى كل قارة وفى كل مجال من مجالات الحياة البشرية والتى تكشف عن مدى عقم وعجز المؤسسات البالية و المعتقدات التى ولى زمانها و التقاليد المخزية، وهى التى تؤدي الى الفوضى و إنحدار النظام الاجتماعي. إن تدهور قدرة الأديان على إحداث التأثير الاخلاقي، ترك فراغا أخلاقيا إمتلأ بأصوات المتطرفين و بمفاهيم مادية للحقيقة تنكر سمو ونبل الحياة الإنسانية. أن نظام إقتصادي إستغلالي، يزيد فيه الغنى الفاحش و الفقر المدقع، قد دفع الملايين من النساء الى العبودية الإقتصادية، مع انكار حقوقهن في التملك و الميراث و الأمان المادى و المشاركة المتساوية فى العمل الإنتاجي. و قد أدت النزاعات العرقية و فشل الحكومات، الى تضخم عدد المهاجرات و اللاجئات من النساء و دفعتهن الى النزوح الى مواقع أقل أمنا بدرجة كبيرة من الناحية المادية و الإقتصادية. وفى داخل البيت و المجتمع، فقد أدت زيادة حوادث العنف داخل الأسرة، و زيادة المعاملة المهينة للنساء و الأطفال بطريقة تقلل من شأنهن و كذلك انتشار التحرش الجنسي الى تسارع هذا السقوط و الإنحدار.
بجانب هذا النمط من التدهور و الإنهيار، يمكن تمييز عملية أخرى تعمل على البناء و الُوحدة. ففى خلال السنوات الخمسة عشر الماضية، نجحت الجهود فى وضع قضية العنف ضد النساء و الفتيات على جدول الأعمال العالمية، مستمدة خطاها من أخلاقيات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و مدعومة بالتضامن المتزايد لجهود النساء حول العالم. فقد أدى الإطار القانوني و التقريرى المكثف الذى تم تطويره خلال هذه المدة الزمنية الى جذب انتباه المجتمع العالمى المتحير، الى ثقافة الحصانة التي تسمح بالتسامح مع الإمتهان والإساءة بل حتى التغاضى عنه. وفي عام 1993، كان إعلان الأمم المتحدة حول القضاء على العنف ضد المرأة و الذي يعد علامة بارزة، هو الذى عرف العنف بأنه :
" أي عمل عنيف قائم على أساس التمييز الجنسى, ينتج عنه أو على الأرجح سيؤدي الى ضرر أو أذى جسدي أو جنسي أو نفساني أو معاناة للنساء، شاملا التهديد بالقيام بهذا العمل ، أو الإجبار على فعله او تعمد تقييد الحرية، سواء حدث هذا في مكان عام أو في الحياة الخاصة."
لقد ناهض هذا التعريف المفهوم الخاطئ بأن العنف ضد النساء و الفتيات هو أمر خاص (من الحياة الخاصة). فلم يعد المنزل و الأسرة و ثقافة الفرد والتقاليد هي المرجع الأخير للحكم على ما هو عدل فيما يخص العنف ضد النساء و الفتيات. و قد أدت الخطوة التالية من تعيين مقرر خاص للعنف ضد النساء الى توفر آلية أخرى للتحقيق و جذب إنتباه المجتمع العالمي للأبعاد المختلفة لهذه الأزمة.
رغم التقدم الكبير في السنوات الخمس عشرة الماضية , إلا أن فشل الشعوب في تقليل العنف أظهر بشكل سافر القصور الموجود في اسلوب المواجهة الأولية، مما أدى تدريجيا إلى تطويق الهدف الأسمى لمنع العنف فى المقام الأول (منذ بدايته). وبصورة أخرى، فقد أصبح التحدي الآن أمام المجتمع العالمي هو كيفية ايجاد الأجواء الإجتماعية و المادية و الهيكلية التي تستطيع فيها النساء و الفتيات، التطور الى أقصى قدراتهن وإمكانياتهن. أن خلق هذه الأجواء، لا يشتمل فقط محاولات متأنية (مدروسة) لتغيير الهياكل القانونية و السياسية و الإقتصادية للمجتمع فحسب، بل، و على نفس الدرجة من الأهمية، سوف تتطلب إعادة تأهيل الأفراد - رجالاً و نساءاً، شباباً و فتياتاً الذين تدعم قيمهم، بطرق مختلفة أنماطأ سلوكية إستغلالية. من منظور الدين البهائي، فأن جوهر أي برنامج للتغيير الإجتماعي هو إدراك أن الفرد ذو بعد روحاني أو أخلاقي. إن هذا ما يشكل فهمهم وإدراكهم للهدف من حياتهم و مسؤلياتهم تجاه العائلة و المجتمع و العالم. و بالتوازى مع هذه التغييرات الحاسمة في بناء النظم القانونية و السياسية و الإقتصادية التى تأخذ مجراها بشكل بطيئ، فأن بناء وتأهيل قدرات الأفراد الأخلاقية و الروحانية، يعد عنصرا ضروريا في السعى الحثيث لمنع الإساءة ضد النساء و الفتيات حول العالم.
قد تعد فكرة تعزيز وتَرويج قِيَمِ أخلاقية معينة, مثيرة للجدل؛ ففى أغلب الأحيان ارتبطت مثل هذه الجهود في الماضي بممارسات دينية قمعية و عقائد سياسية جائرة و رؤى محدودة وضيقة للصالح العام. ومع ذلك، عندما يتم التعَبير عن القيم الأخلاقية باسلوب يتسق ويتوافق مع الأهداف السامية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع إستهداف تعزيز التطوير الروحاني و الإجتماعي و الفكري لجميع الناس ، فقد يكون ذلك العنصر الرئيسي لنوعية التحول المطلوب لإعادة تكوين مجتمع خالى من العنف. ويجب أن ترتبط هذه القيم علاوة على ذلك ، بالمبادئ الإجتماعية و الروحانية المحورية لعصرنا - و هى الترابط و التواصل المتبادل بين أعضاء الجنس البشري بأكمله. و بالتالي يتحول هدف التطوير الأخلاقي من مجرد فكرة فردية بالنجاة الى احتضان جماعي لتقدم الجنس البشري بكامله .وحيث أن إدراكنا للأنظمة الإجتماعية و المادية للعالم تتطلب تبنى هذا النموذج، لهذا يجب علينا أيضا تطوير القيم الأخلاقية اللازمة للعمل بطريقة أخلاقية في العصر الذي نعيش فيه.
كيف يمكن تحويل هذا الى أهداف تعليمية؟ قام عدد من المدارس و معاهد التعليم العالي البهائية بتحديد قيم أخلاقية معينة تساعد على تنمية مهارات الأطفال و الشباب فى مجال التفكير المنطقي الأخلاقي, مع إعدادهم لتَولي مسؤولية المساهمة في تحسين مجتمعاتهم. إن أساس هذا المنهج هو الإيمان بأن كل إنسان يُعد كائنا روحانيا ذو امكانيات كامنة غير محدودة للأعمال النبيلة, و لكن من أجل إظهار هذه الإمكانيات الكامنة لابد من تعهدها بالرعاية بصورة واعية من خلال منهاج يتوافق ويتناغم مع هذا البعد الإنساني الأساسي الأصيل. تشتمل قائمة القيم الأخلاقية التي حددَتها المؤسسات التربوية البهائية, القدرة على: المشاركة العملية الفاعلة في إتخاذ القرارات الجماعية بطريقة غير عدائية (يشمل هذا تحويل أنماط السلوك الإستغلالية المستندة على إستعمال القوة, التى تعود جذورها المضللة الى فكرة أن الصراع هو العماد الأساسى للتفاعل الإنسانى)؛ العمل باستقامة فى السلوك مستندأ على المبادئ الأخلاقية؛ تنمية إحساس الفرد بالسمو و الشرف و القيمة الذاتية ؛ أخذ المبادرة بصورة مبدعة و منضبطة؛ الإلتزام بتقوية النشاطات التعليمية ؛ تكوين رؤية لمستقبل منشود مستنداً على قيم و مبادئ مشتركة و إلهام الآخرين للعمل لأجل تحقيقها ؛ فهم العلاقات المستندة على السيطرة والهيمنة و المساهمة فى تحويلها الى علاقات قائمة على التبادل و الخدمة. بهذه الطريقة ، يسعى المنهاج الى تطوير الفرد ككل – دامجا النواحى الروحانية و المادية، النظرية و العملية و حس الرقي الفردي مع خدمة المجتمع.
في حين يمكن تعليم هذه القيم في المدارس ، إلا أن بيئة الأسرة هي التي ينمو فيها الأطفال و يُكَونون رؤيتهم حول أنفسهم و العالم و الهدف من الحياة. بقدر اخفاق الأسرة فى تلبية الإحتياجات الأساسية للأطفال، فسوف يُثقل كاهل المجتمع بنفس القدر بعواقب الإهمال و سوء المعاملة، و سيعانى بشدة من نتائج حالات العنف واللامبالاة. ففي الأسرة ، يتعلم الطفل عن طبيعة القوة و سبل التعبير عنها في العلاقات بين الأشخاص؛ من هنا يبدأ تعليم قبول أو رفض الحكم التسلطي الإستبدادى و العنف كسبيل للتعبير و حل النزاعات. في هذه البيئة، يشكل العنف الواسع الإنتشار الذى يرتكبه الرجال ضد النساء و الفتيات، إعتداءاً على الوحدة التأسيسية للمجتمع و الأمة.
تتطلب حالة المساواة في الأسرة و الزواج جهوداً متزايدة للإندماج و التوحيد بدلاً من التفرقة و التمييز. ففي عالم سريع التغير،حيث تجد الأسر نفسها مشدودة بصورة لا تُحتمل من جراء ضغوط تغييرات بيئية، ثوران اقتصادي و سياسي, القدرة على الحفاظ على سلامة ووحدة الروابط الأسرية و إعداد الأطفال للمواطنة, في عالم معقد و آخذ في التقارب يواجه مسئوليات هامة. إذا فهو أمر حتمى أن يتم مساعدة الرجال، كونهم آباء، ليتفهموا مسؤولياتهم داخل الأسرة، و التي تتخطى الرفاه الإقتصادي، لتشتمل على وضع نموذج سليم للعلاقة بين الرجل و المرأة, قائمة على الإنضباط الذاتي و الإحترام المتساوي لأعضاء العائلة ذكوراً وإناثاً. هذا يعد دورا مكملا لدور الأم، حيث هى المربية الأولى لأطفالها و التي تعتبر سعادتها و إحساسها بالأمان و القيمة الذاتية هو جوهر قدرتها على التربية بصورة فاعلة.
أن ما يتعلمه الأطفال في الأسرة, إما أن يتأكد أو ينتفى بالتفاعلات و القيم الإجتماعية التي تشكل حياتهم الإجتماعية. لهذا يتحمل جميع البالغين فى المجتمع من مربيين و عاملين في المجال الصحي و مقاولين و نواب سياسيين و قادة دينين و ضباط شرطة و إعلاميين محترفين و أمثالهم - المسؤولية فى حماية الأطفال. و لكن في العديد من الحالات، تبدو شبكة الحماية الإجتماعية ممزقة وغير قابلة للإصلاح، إذ يتم استغلال الملايين من النساء و الفتيات كل سنة و يجبرن على ممارسة الفحشاء وما شابها من أعمال الرق؛ و تواجه العاملات المهاجرات تهميشا مزدوجا بسبب كونهم إناث و كونهم مهاجرات أيضا، و يبتلون بالإمتهان العقلي و الجسدي و الإقتصادي على أيدي أرباب العمل في إقتصاد غير رسمي؛ زياة العنف ضد النساء الأكبرسنا, زيادة كبيرة و اللاتي زادت أعدادهن و يفتقرن في العادة سبل حماية أنفسهن؛ انتشار الإستغلال الجنسي للأطفال كالوباء، مغذيا شهية سوقا عالمية مفتوحة وغير منظمة؛ و في العديد من الدول، أصبح مجرد التوجه الى مدرسة و الحضور فيها يضع الفتيات في خطر جسيم, خشية من الإمتهان الجسدي و الجنسي. وما يزيد من تفاقم الأوضاع التي سببتها الحكومات الضعيفة و الإنهيار في تطبيق القانون, هي المعضلة الأخلاقية العويصة التي تدفع المجتمع أن يسأل: ما الذي يحرك الفرد لإستغلال وإستثمار حياة و كرامة إنسان آخر؟ ما هي القدرات والمدارك الأخلاقية الأساسية التي فشلت الأسرة و المجتمع في غرسها ؟
في كافة أنحاء العالم ، كان العرف بأن الأديان هي التي تلعب دورا أساسيا في غرس و رعاية القيم في المجتمع. إلا أنه اليوم، قد شكلت اصوات كثيرة تعلو بإسم الدين، عقبة هائلة تحول دون استئصال العنف و السلوك الإستغلالي المقترف ضد النساء و الفتيات. و باستخدام الأسانيد الدينية كوسيلة لقوتهم الشخصية، سعى مناصروا التفاسير الدينية المتطرفة الى ترويض النساء و الفتيات بتضييق نطاق حركتهن خارج المنزل، و تقليل قدرتهن على الوصول الى التعليم، و أن يعرضوا أبدانهن إلى ممارسات تقليدية ضارة ، ثم التحكم في ملبسهن و حتى قتلهن كعقاب على أعمال يدعى أنها تهين شرف الأسرة. لقد أصبح الدين نقسه في أمس الحاجة للتجديد. إن إحدى العناصر الجوهرية لهذا التجديد هي الحاجة الى أن يُقِر القادة الدينيون جلياً بمبدأ المساواة بين الرجل و المرأة و يصبحوا حاملين لواء القيادة له - كمبدأ أخلاقي و عملي نحن في أمس الحاجة إليه لكي يتحقق التقدم في المجالات الإجتماعية و السياسية و الإقتصادية. يجب علينا اليوم إخضاع ممارسات المعتقدات الدينية المخالفة بشكل صارخ لمعايير حقوق الإنسان العالمية لفحص و تدقيق أعمق، آخذين في الإعتبار أن أصوات النساء كانت و لا زالت دوما موجودة في جميع الأديان ، إلا أنها كثيرا ما كانت غائبة عن التعريف المتطور لماهية الدين و ما يحتاجه.
تكون المرأة و أسرتها و بيئة المجتمع بصورة أساسية تحت حماية الدولة؛ و إنه فى هذا المستوى نكون في أمس الحاجة الى قيادة مستنيرة تتحمل المسؤولية. ومع ذلك فأن معظم الحكومات ما زالت مستمرة فى التخلي عن مسئولياتها وإلتزاماتها الدولية بمعاقبة و منع العنف و إستغلال النساء و الفتيات ؛ و العديد لا يملك الإرادة السياسية؛ و بعضهم يفشل في تخصيص الموارد اللازمة لتطبيق القوانين؛ و في العديد من البلاد لا توجد خدمات متخصصة فى التعامل مع العنف ضد النساء و الفتيات؛ و قد إقتصر العمل من أجل المنع في جميع الأصعدة على إجراءات محلية محدودة قصيرة الأمد. وفي الحقيقة، يستطيع عدد قليل من الحكومات الإدعاء بإنخفاض صغير فى إنتشار العنف. فالعديد من الدول مستمرة فى الإختباء خلف تحفظات ثقافية و دينية أمام المعاهدات الدولية التي تدين هذا العنف – فى استمرار آخر لمناخ الحصانة القانونية و الأخلاقية, التي تجعل العنف و ضحاياه مخفيين بشكل كبير.
يجب علينا أن نبدأ الآن بالتشديد على التطبيق و الوقاية بعد مرحلة تطوير الهياكل القانونية. إن أساس هذه الإجراءات، يجب أن يكون إستراتيجية تأخذ جذورها من تعليم و تدريب الأطفال بطريقة تمكنهم من النمو فكريا كما ينمون أخلاقيا، مع غرس حس الكرامة والنبل داخلهم والإحساس بالمسؤولية تجاه رفاهة أسرهم و مجتمعهم و العالم. أما من منظور تخصيص ميزانية، فيجب أن تشتمل الوقاية على تبني مدروس لإجراءات خاصة بالجنس تكفل تخصيص قدر كافي من الموارد لتوفير خدمات إجتماعية سهلة المنال مع دعم و تطبيق القانون. و يجب تقوية وتدعيم هذه الجهود بوضع تعريفات واضحة للعنف، بالإضافة الى نظم شاملة لتجميع البيانات بغرض تقييم الجهود الوطنية في هذا المجال، و أيضا من أجل رفع مستوى الوعي بين الرجال و النساء لمدى تفشي العنف في مجتمعهم.
إن المجتمع العالمي، رغم قيادته الهامة لهذه القضية عن طريق إعلان 1993، و إعترافه بأن العنف ضد النساء و الفتيات يُعد "عقبة في طريق تحقيق المساواة و التنمية و السلام"، إضافة الى جهود المقرر الخاص، مازال مشتتاً و بطيئاً كل البطئ في تحويل كلامه الى عمل. وفي عام 2003، كان الفشل في العمل أشد بروزا في الجلسات المنعقدة في الدورة السابعة و الأربعين للجنة الأمم المتحدة حول وضع المرأة، والذى أثبت لأول مرة في تاريخ اللجنة عدم قدرتها على الوصول الى مجموعة قرارات متفق عليها حول العنف ضد المرأة. في هذه الحالة، استخدمت أعذار ثقافية و دينية الأساس في محاولة للإلتفاف حول إلتزامات الدول المنصوص عليها في إعلان 1993. لذا أصبح من المحتم في الجلسات القادمة للجنة أن يتم تبني لغة حاسمة فى صورة قرارات متفق عليها بخصوص القضاء على العنف ضد النساء و الفتيات، ، وبحيث لا يتم إظهار اللغة القانونية فحسب بل الأخلاقية أيضا و المناسبة لهذا الوباء العالمي.
إذا أراد المجتمع العالمي الوفاء بتعهداته العديدة، لابد له أن يزيد بشكل دراماتيكي كبير القوة و السلطة و الموارد المخصصة للحقوق الإنسانية للمرأة و المساواة بين الجنسين و تمكين المرأة. لقد شاركت الجامعة البهائية العالمية فى المناقشات التى تقترح تكوين وكالة مستقلة للأمم المتحدة تمتلك تفويضاً كاملاً و شاملاً مخصص لكل قضايا حقوق المرأة واهتماماتها . هذه الإقتراحات مستمدة من خطة بكين للعمل، و برنامج القاهرة للعمل، و مؤتمر القضاء على كل أنواع التمييز ضد المرأة، وتؤكد على أن منظور حقوق الإنسان يتكامل كليا في جميع أنشطة و أعمال الأمم المتحدة. يجب أن يرأس هذه الوكالة مدير يتبع مباشرة السكرتير العام. لضمان وصول صوت المرأة إلى أعلى مستويات إتخاذ القرار في الأمم المتحدة. و تحتاج هذه المؤسسة الى تمثيل وطنى كاف بالإضافة الى خبراء مستقلين في حقوق المرأة كجزء من إدارتها التنفيذية، إذا أرادت أداء إلتزاماتها بفاعلية.
يجب أن تتواصل الجهود لإستئصال آفة العنف ضد النساء و الفتيات ويجب ان تأخذ دعمها من جميع طبقات المجتمع - من الفرد الى الجامعة العالمية. إلا أنه يجب ألا تقتصر هذه الجهود على إصلاحات قانونية و مؤسساتية، تتعامل مع الجرم المشهود فقط ، لأنها لاتستطيع أن تعمل على إيجاد التغيير عميق الأثر المطلوب لتكوين ثقافة تسود فيها العدالة و المساواة بدلا من تهور القوة التسلطية و القوة البدنية. حقا إن الأبعاد الداخلية و الخارجية للحياة الإنسانية ذات علاقة تبادلية، بحيث لا يمكن إصلاح أحدهما دون الآخر. فهذا البعد الداخلي و الأخلاقي و المعنوي هو الآن في أمس الحاجة الى التقليب و التحويل، لأنه في النهاية يمدنا بالأساس المتين للقيم و السلوك التي تُربي عليها النساء و الفتيات و بالتالى يعزز رقي وتقدم كافة الجنس البشري .

الهوامش:
1. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 48/104 بتاريخ 20 ديسمبر 1993. الإعلان العالمى للقضاء على العنف ضد النساء، البند رقم2 . وثيقة الأمم المتحدة رقم A/RES/48/104.
2. شعبة الأمم المتحدة لترقي المرأة (2005). تقريرعن إجتماع مجموعة خبراء: الطريقة المثلى لمحاربة و إزالة العنف ضد المرأة. 17-20 مايو 2005، فيينا، النمسا.

وثيقة الجامعة البهائية العالمية رقم 0702-06
http://bic.org/statements-and-reports/bic-statements/06-0702ar.htm