المشكلات الاجتماعية للمرأة العراقية بعد عام 2003



ايناس البدران
2010 / 1 / 25

بالرغم من التحول اللافت والانفتاح الحاصل بعد 2003 الذي أتاح للمرأة العراقية فرصة لتغيير أوضاعها والخروج من شرنقة التهميش والتضييق على حرياتها ، غير أنه لايمكن اغفال المحددات الاجتماعية التقليدية التي حالت دون نيلها حقوقها بصورة فاعلة وبشكل ملموس ، إذ أفرزت الظروف التي عاشتها المرأة العديد من الظواهر السلبية التي يمكن عدها طارئة على المجتمع العراقي مثلما أفرزت حالة من التطلع المشروع لتحريرها بقصد اطلاق إمكاناتها اللامحدودة إثراء للمجتمع عبر العمل المنتج والفكر الخلاق والمشاركة الفعلية في مجالات الحياة كافة.
لقد عاشت المرأة العراقية واقعا قلقا متذبذبا وجابهت بمفردها معضلات عديدة لعل أخطرها الحروب والصراعات التي عصفت بالبلاد لأكثر من عقدين من الزمان . لذا واجهت أوضاعها تراجعا ملحوظا نتيجة لأعمال العنف والإرهاب فقد أكدت التقارير الأخيرة للأمم المتحدة حصول انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان في العراق بسبب أعمال العنف مشيرة الى انها استهدفت بشكل متزايد النساء والأطفال ومازالت الأوضاع الأمنية المتدهورة تحصد أرواح الأبرياء يوميا مما زاد في عدد الثكالى والأرامل والأيتام ، مع دمار المزيد من المباني والمنازل وترك بعض العوائل لبيوتها طلبا للأمان في أمكنة أخرى حيث يتزايد عدد العوائل التي أصبحت بلا مأوى ، الأمر الذي وجدت فيه عصابات الجرائم المنظمة وسماسرة الرقيق الأرض الخصبة لممارسة نشاطاتها الإجرامية ، من اختطاف وإغتصاب وقهر أعداد متفاقمة من النساء واستغلال نسب كبيرة غير مسبوقة منهن في ممارسة الدعارة .
في تقــــرير المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين 4-15 أيلول 1995 عالج المجال ( هــ ) من منهاج العمل إثر الصراع المسلح وغيره من أنواع الصراعات على النساء وأكد ان السلام يتصل اتصالا لاتنفصل عراه بالمساواة بين الرجل والمرأة لكن العدوان والاحتلال الأجنبي والصراعات العرقية وغيرها من أنواع الصراعات إضافة الى الانفلات الأمني هي واقع مستمر يؤثر على المرأة والرجل وإن القانون الذي يحظر شن الهجمات على المدنيين يتعرض في بعض الأحيان الى التجاهل كذلك فإن حقوق الإنسان تتعرض للانتهاك خلال الصراع المسلح ، وبالرغم من ان مجتمعات بأكملها تعاني من عواقب الصراع المسلح فإن النساء والبنات يتضررن بوجه خاص بسبب وضعهن في المجتمع وجنسهن .
ومع عدم وجود قوانين تحميها من العنف المحيط بها من كل جانب ظلت المرأة تعاني من العنف الأسري والعنف الخارجي كما ان المناخ السلبي العام تجاهها عمل على تهيئتها لتقبل دور الضحية ، ومنح الرجل المسوغات لإرتكاب العنف ضدها ، بل هنالك قوانين تشجع على استخدام العنف ضدها عن طريق ترسيخ سطوة بعض الأعراف البائدة وأولها ما يتعلق بقوانين العيب وغسل العار وتجميل الجريمة بتسميتها جريمة الشرف ، كما ان العقوبة التي يتعرض لها مرتكب مثل هذه الجرائم البشعة عقوبة هينة تشجع البعض على ارتكابها ولو من باب الشك والشبهة .. إذ تم اغتيال الكثير من النســـــــوة من مختلف الأطياف والمستويات تحت غطاء هذه الذريعة .
أمام أزمة البطالة الواسعة فإن أول من تطاله البطالة هي المرأة علما أنها اصبحت المعيل لعشرات الألوف من الأسر بسبب وجود أكثر من مليوني أرملة ومليون مطلقة ومليون عانس وخمسة ملاين يتيم وأرقام مقاربة لذلك تشير لإختفاء أرباب الأسر لأسباب قهرية ، الأمر الذي اضطر الكثير منهن لإمتهان أعمال قاسية لايقوم بها الا الرجال وبات مشهدا مألوفا رؤيتهن يحملن أطفالهن الرضع الى جانب عدة العمل في ســــــــوق العمل ( المسطر ) بإنتظار فرصة عمل ليوم واحد قد تأتي او لاتأتي . ولعل اخطر مشكلة اجتماعية افرزتها البطالة هي تعرض المرأة لأبشع انواع الاستغلال عبر استرقاقها وبيعها او المتاجرة بها في سوق النخاسة والجنس سواء أكان ذلك داخل العراق أم كان خارجه وباتت هذه المشكلة من الخطورة بحجم نوعي عميق الغور .
وفي تقرير للأمم المتحدة أشارت الدكتورة أريكافلر المسؤولة في المفوضية العليا للاجئين بعد زيارتها لسورية الى تعاظم مشكلة اللاجئات العراقيات اللائي يرغمن على ممارسة الدعارة للعيش مشيرة الى ان هؤلاء النسوة مسؤولات عن عائلاتهن وليس امامهن خيار آخر لتأمين لقمة العيش لأطفالهن . وحسب المفوضية العليا للاجئين فإن 2.4 مليون عراقي فروا من بلادهم منذ الاجتياح الأمريكي عام 2003 .
وفوق كل هذا تجد المرأة العراقية نفسها أمام مشكلات عائلية مريرة فدورها داخل الأسرة محدود وسلبي بسبب النظرة الدونية المتوارثة نحوها مما نتج عنها مصادرة حقوقها وأختلال علاقات التوازن العائلية نتيجة التشوهات الخطيرة في التركيبة الاجتماعية والتدخلات القهرية داخل العائلة وخارجها كالزواج القسري والختان والحرمان من التعليم والاضطهاد والوأد النفسي .
عدا عن ظاهرة العنوسة فهنالك زيادة كبيرة في نسب الطلاق وشيوعها على حساب تراجع حالات الزواج والفصل الديني والطائفي ومشكلات الفقر والحاجة وما ينجم عنها . ووفق تقرير القسم الاجتماعي في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية هنالك تصاعد كبير في نسبة الطلاق يصل الى الضعف بعد نيسان 2003 والأرقام في زيادة لاسيما ان اغلب حالات الطلاق لاتسجل في المحاكم الشرعية العراقية نظرا لعدم توثيقها القضائي أصلا . وقد عزى التقرير أهم اسباب الطلاق الى ارتفاع نسب البطالة بشكل غير مسبوق ، وصعوبة الحصول على فرص للعمل ، ومشكلة السكن المستفحلة ، والوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي ، وعدم وجود توافق بين الزوجين في الغالب لصغر سن الزوجة وتدخلات الأهل السلبية .
ان ما تحصل عليه المرأة اليوم من حقوق وبعد كفاح العقود الطويلة سرعان ما تم الالتفاف عليه و نسفه لتعود دورة التدجين البطريركي الأبوي من جديد تاركة المرأة مخذولة منهكة لتتصاعد ضدها معدلات جرائم العنف وجرائم ما يسمى بالشرف وغسل العار فضلا عن ظواهر الزواج القسري والحرمان من ابسط الحقوق في طلب العلم والحصول على فرصة عمل متكافئة .



ستراتيجية النهوض بواقع المرأة والحلول المطروحة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمكن تلخيص اهم الخطوط العريضة لهذه الستراتيجية بنظرنا بالآتي :
تمكين المرأة في المجالات كافة وتطوير قدراتها وتعزيز ثقتها بذاتها وبدورها منحها فرصا متكافئة في التعليم والعمل عن طريق اقامة ورش العمل والتدريب وتحسين الكفاءة في مختلف المجالات بما في ذلك توعية المرأة بحقوقها من خلال وسائل الإعلام وعن طريق اصدار الدراسات ونشر النصوص القانونية التوعوية وعقد الندوات ذات العلاقة في الوقت ذاته .
تعديل التشريعات بما يتفق مع المواثيق الدولية وبخاصة اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة بإستحداث قوانين وتشريعات تصب في اتجاه العدالة والمساواة وإعادة النظر في القوانين التي تجيز قتل النساء غسلا للعار وتشديد العقوبة على مرتكبيها .
مساعدة النساء أمام القضاء للدفاع عن حقوقهن واستحداث أقسام للاستشارات الأسرية لتقديم المشورة والدعم .
استحداث خط هاتفي مفتوح للرد على حالات العنف الأسري او أي عنف تتعرض له المرأة والتدخل في حال حصول هذا الأمر .
تنشيط وتفعيل دور المنظمات غير الحكومية N.G.O. ( منظمات المجتمع المدني ) كآلية من آليات التعبير الديمقراطي المتمثلة بالاتحادات والمنظمات والنقابات والروابط والجمعيات ليشمل المشاركة في وضع التشريعات والمساهمة في رسم السياسات والستراتيجيات الوطنية ، وفي الرقابة على سياسات وتوجهات المؤسسات التنفيذية في رصد تطبيقات حقوق الإنسان وتأشير أوجه القصور او الخلل فيها مع اقامة علاقات تعاون مع المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال مثل منظمة اليونسيف والبرنامج الإنمائي للامم المتحدة وغيرها.
النهوض بواقع المرأة وزيادة وعيها في المجالات الصحية والاجتماعية ودعم النساء المعوزات و الأكثر حاجة .
التوجه الى المجتمع لإحداث تغييرات في نظرته ومواقفه المتخلفة والمتزمتة إزاء المرأة وأدوارها وحقوقها وتغيير الصورة النمطية السائدة عن المرأة سعيا لخلق اجواء ايجابية تفعل وتسرع عملية نهوض المرأة العراقية وتحسين فرصها في التعبير عن آرائها عبر وسائل الاعلام وغيرها .
تعميق اشراك المرأة بصورة حقيقية في عملية صنع القرار .
توسيع ودعم تنظيمات المرأة العراقية وإقامة اتحاد وطني ينسق انشطتها ويوحد جهودها ويتبادل خبراتها المتراكمة ويعمل وفقا لإستراتيجية واضحة على تحقيق اهدافها المشروعة و التواصل بينها وبين نظيراتها من الاتحادات الاقليمية والعالمية .
شمول كل النساء المطلقات والأرامل والعاجزات بدعم مادي مناسب من الدولة على ان يتم ذلك في مواعيد ثابتة مع مراعاة مبدأ العدالة في التوزيع .
استحداث وإقامة مراكز ترعى ضحايا العنف من النساء وتقديم الدعم والعناية والرعاية التي تحتاجها .
مطالبة الدولة بوضع اطر قانونية وستراتيجيات وبرامج عمل تهدف الى القضاء على البطالة و الفقر على ان تتضمن هذه الأطر اجراءات تضمن تكافؤ الفرص فيما يتعلق بالنساء .
تفعيل برامج محو الأمية وتشجيع انخراط المرأة فيها .
التأكيد على تدريب و تأهيل المرأة في مختلف المجالات العملية والتقنية وتعميق مهاراتها المعرفية التي تفتح أوسع ابواب العمل المثمر أمامها ، فضلا عن مساواتها في الأجر وضمان حقها في الحماية القانونية ضد العسف او العزل الكيفي من العمل في القطاع الخاص .
هنالك مؤسسات رسمية ذات علاقة بشؤون المرأة ومنها وزارة الدولة لشؤون المرأة التي طالما أكد مسؤولوها بأن دورها الحالي مهمش وبلا موازنة او أدوات فاعلة لدعم خططها وبرامجها .. نرى من الضروري مراجعة دورها وتفعيله للقيام بواجباتها اللازمة تجاه المرأة العراقية .
ان مشكلات المرأة هي جزء من مشكلات المجتمع ذاته وبالتالي فإن التغيير لابد ان يصدر عن إرادة نافذة تستوعب حاجات المجتمع وطموحاته وموارده فضلا على ضرورة تحفيز الشخصية ذاتها للانفتاح على التغيير والإسهام فيه وكل هذا لايتم الا عبر ستراتيجيات بعيدة الأمد لاتقل عن عشر سنوات ولا يمكن نسفها بتعاقب الحكومات وتتآزر فيها جهود جميع الجهات المعنية بشؤون المرأة .