عفوا يا رب، أنا لست جميلة



محمد شرينة
2010 / 2 / 10

كنت أشاهد أحد الأفلام الأميركية الجميلة وهو يروي قصة حب لذيذة وكالعادة في جميع الأفلام ومن جميع الجنسيات بطلتها وبطلها جميلين للغاية. فهل لا تحدث قصص الحب إلا بين النساء والرجال الذين يتمتعون بجمال فائق، بالمعنى العادي المتعارف عليه للجمال؟
ليس من المتوقع أن يشاهد الكثير من الناس فيلما يتحدث عن قصة حب بين رجل وامرأة بغير المواصفات السابقة. ومع ذلك تذكرت ما قاله أحدهم عن حبيبته التي قالت له يوما: عفوا أنا لست جميلة.
من الصعب تحديد ما إذا كان الجمال هو معيار خلقي موحد موجود في بنية البشر أو هل هو مفهوم وتصور تَطًوَرَ نتيجةً للثقافة والعادة فصارت هذه تعتبر جميلة وذلك يعتبر غير جميل؟ ومع ذلك يبدو أن حس الجمال هو شيء داخلي للغاية وشخصي وخاص بكل إنسان. كل طفل يرى أمه جميلة وكذلك كل أم ترى طفلها جميلا. بعض الناس يفضل جمال شجرة السرو وبعضهم يفضل جمال شجرة الزيتون. قديما كانوا في بلادنا يعتبرون المرأة الممتلئة هي الأكثر جمالا وليس النحيلة.
على كل حال ما يفكر به الآخرون عني أو عنكِ ليس هو المهم بل ما نفكر به نحن، والأهم ما نفعله. امرأة حكيمة قالت: ليس رجلا الرجل الذي يعجز عن تقييم نفسه إلا من خلال نظرة النساء له. كما أن المرأة التي يعتمد تقييمها لنفسها على تقييم الرجال لها ليست امرأة.
بالمعنى السطحي للجمال الأخاذ الذي اعتنقناه تحت تأثير الأفلام ومجلات المجتمع، بيل غيتس ليس جميلا ولا اينشتاين. بل الأخير الذي يُقال أنه الأذكى كان قد أنهى دراسته الثانوية والجامعية بمعدل علامات عادي وليس متفوق، هو بالتالي ليس ذكيا بالمعيار العادي للذكاء. كثير من الذين ضاعوا في هذه الحياة يملكون مواهب دفنت معهم لأنهم عندما قال لهم الناس أنهم ليسوا جميلين، صدقوهم وفقدوا ثقتهم بأنفسهم. وعندما أخبرهم الأقارب والمدرسين أنهم قليلو الذكاء، أصيبوا بالإحباط. اينشتاين الذي اجتاز امتحانات دراسته الجامعية وقبل الجامعية بصعوبة لم يلتفت إلى تقدير الآخرين له، لأنه يؤمن بأنه جميل بطريقة ما وذكي بطريقة ما. اكتشاف تلك الطريقة هي مهمة الفرد الناجح وهذا ما فعله اينشتاين؛ اكتشف ما هي الطريقة التي تبدي ذكاءه وفعلها.
الرجل الذي صنف على أنه الرجل الأكثر تأثيرا في تاريخ البشرية حتى من قبل غير الذين يتبعون دينه، أقصد النبي لم يكن بالمعايير العادية السطحية جميلا ولا ذكيا لكنه اكتشف طريقته الخاصة، عرف كيف يبدي ذكاءه وجماله للعالم بأسلوبه.
لو كان جميلا بالمفهوم العادي الساذج للجمال، لما كان تزوج امرأة في الأربعين وهو في الخامسة والعشرين لأنه كان سيجد ثرية من عمره أو أصغر منه تتزوجه، بل لما كانت النساء تركنه يصل ذلك السن دون أن يتزوجنه في ذلك المجتمع الذي لم يكن فيه عُقَد تمنع الجنسين من اختيار من يريدون بدليل أن خديجة هي التي اختارته وليس هو الذي اختارها.
لو كان ذكيا بالمفهوم العادي الساذج للذكاء لما كانوا وصفوه بأنه أذن( أذن تعني الإنسان الذي يمكن للآخرين أن يخدعوه بسهولة) ودافع عنه القرآن بالآية: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم) .
بالطبع أصبح كل هؤلاء الذين تحدثت عنهم جميلين وأذكياء في نظرنا اليوم مع أنهم لم يكونوا يعتبرون كذلك كما هو واضح من مجريات الأمور التي ذكرتها وهذا ليس تناقضا، فهم بعد أن نجحوا بشكل باهر صاروا معيارا للجمال والذكاء لمن يأتي بعدهم! صدقوني النساء الناجحات يمكنهن أن يحددن معايير الجمال كما فعلت ذلك أنديرا غاندي ونازك ملائكة ومارغريت تاتشر. لا تصدقوا أن معايير الجمال كانت كما هي قبلهن بل هن أسهمن في تحديدها وهذا ما يمكن لكل امرأة أو رجل أن يفعلاه. كون الجمال يحدده الناجحون من الناس واضح في حالة الرجال أكثر من وضوحه في حالة النساء والسبب في ذلك بسيط وهو أن الثقافة التي سادت في معظم العالم حتى وقت قريب كانت تزرع في النساء أن جمالهن هو تلك الصفة التي تبهر المراهقين من الرجال منذ النظرة الأولى وطالما ظلت النساء مؤمنات بذلك ويتصرفن على أساسه يظل الوضع كما كان.
الذين يأتون إلى هذا العالم من النساء ومن الرجال، مزودين بجمال أو ذكاء متفجر ليس بحاجة إلى من يبديه ولا حتى صاحبه، ليس بالضرورة يتمتعون بنعمة. هذه الحالة تشبه حالة الذي يأتي إلى العالم مزود بثروة ورثها. إذ كثيرا كثيرا ما تقتل الهبة أو الثروة المجانية مواهب الناس الدفينة فلا يجتهدوا لتشكيلها وإظهارها. وصل البشر إلى ما وصلوا إليه ليس أبدا اعتمادا على الهبات المجانية وإنما على ذلك الاجتهاد الذي يشكل ويظهر مواهبهم الدفينة، تلك المواهب الموجودة لدى كل البشر. والسادة الذين ذكرتهم أعلاه الدليل لكافي على ذلك.