**امرأة و إن نجحت**



كريمة مكي
2010 / 3 / 10

لسان حالي...

لأنها امرأة فكيفما تكون لا تعجب و أينما تتجه لا تصطدم بغير الصخور الاجتماعية الصلبة التي تنتصب أمامها شاهقا حتى تقف مكانها أو تعود إلى الوراء ذلك أنها كامرأة لا يليق بها النجاح الكبير في غير ميدان خدمة الزوج و الأبناء و قبولها الاجتماعي يتوقف على درجة انحناءها للعرف الجاري في النفوس المظلمة التي لا ترى فيها سوى جسدا جاهزا للخدمة المقررة سلفا أما إذا أبهرت الكل بنجاحها أو علا صوتها لإسكات ظلم صارخ أو نطق جسدها في استجابة لنداء أنوثتها فإنها تشبع بسخط الساخطين و قدح القادحين وكل حقد الحاقدين إذا حقدوا... و يكفي أن تجد نفسها في حالة اجتماعية أو إنسانية معينة حتى تنهال عليها أسلحة التدمير النفسي الشامل من كل المجتمع المحيط بها برجاله و لكن أيضا بنسائه رغم أن مثل هذه الحالات لو وجد الرجل نفسه فيها لما كانت له أبدا عنوان نقيصة.
وإليكم التفصيل من خلال وصف مختصر لكنه مرير لانعكاس صورة المرأة في مرآة المجتمع القاسية إن هي وجدت نفسها يوما في احد الحالات التالية :

-العزباء: عانس في القاموس الاجتماعي تعريفها هو : بضاعة راكدة في سوق الطلب الرجالي، يستحسن تقبيلها بأرخص مقابل أو حتى بدونه و أحيانا بدفع مقابل مع الدعاء بالأجر والثواب لمن رضي بالتقبيل...
-العاقر: مشكوك في هويتها الأنثوية مادامت فشلت في الحصول على شهادة أمومة و كل الحجج المبررة للفشل غير مقبولة و تبقى العاقر في هذه المسألة وحدها المسئولة و لو كان سبب عقمها... إرادة السماء... ‼
-المطلقة: متهمة حتى زواج آخر و بعد الزواج الآخر متهمة بسبب الزواج السابق..و وهكذا تمضي حياة المطلقة تهما تستدعي تهما..
-الأرملة: مطمع سهل المنال للمحتال و لغير المحتال فسوء طالعها على الزوج الذي قضى يدينها و يجيز استغلالها إلى حين الزواج الآخر الذي يلحقها بمصير زميلتها في الشقاء المطلقة المتزوجة...

-العاشقة: مجرمة و الحب جرمها و جريمتها، مخطئة و الحب خطؤها و خطيئتها التي لا يغفرها لها أعداء الحياة فعلى المرأة أن تفكر في أي شيء و في كل شيء إلا ذلك الشيء الذي اسمه الحب كأنهم ينسون و طبعا هم لا ينسون أن المرأة مستعدة لأن تنسى كل شيء و إن تنسى فإنها لا تنسى ذلك الشيء الذي هو لديها كل شيء...

-المتحررة: عاهرة تتستر بالحرية ‼

-المبدعة: امرأة تخفي بنجاحها الفني أو المهني خساراتها الأخرى وكل منافذ البحث عن مواطن الفشل في حياتها الخاصة تظل مفتوحة على كل الاحتمالات: فشل عاطفي/ زوجي/ اجتماعي (هذا إذا لم تطل تخميناتهم الغيورة صميم نجاحها فهي لم تتفوق إلا لأنها عشيقة لفلان أو ابنة لفلان أو زوجة لفلان يعني لابد أن تكون مسنودة بهذا الفلان... أما ذكاؤها و موهبتها و شخصيتها و تعليمها و ثقافتها فمسألة فيها نظر لمن أعمت الغيرة عندهم نعمة النظر).


هذه هي إذن بعض الحالات التي حين تجد المرأة نفسها فيها فإنها ترى الظلم ألوانا و تحيا الحزن أحزانا و تسمع الاهانة موالا فقط لأنها امرأة تتطاول على مناصب الرجال في البيت وفي العمل وفي الطريق ما بين البيت و العمل ‼
إنها عملية منظمة بدقة لدق عنق المرأة تدريجيا حتى لا ترفع رأسها أكثر من اللازم بعد أن كثر التذمر من قوانين و تشريعات بدأت تتجه شيئا فشيئا لإعادة حقوق إنسان سلبت من المرأة لقرون طوال فاعتبرها الكثيرون تمنح المرأة حقوقا أكثر من حقوقها ‼ هكذا ‼ ولأنهم صدقوا ذلك فإنهم أبدعوا في اختراع و تطوير وسائل تعذيب النفسيات الأنثوية الرقيقة و منها سلاح التدمير النفسي الشامل غير المحظور قانونا و الذي بواسطته يتم قصف معنويات المرأة و تشتيت قواها الذهنية و إرباك ملكاتها الإبداعية من خلال تضخيم نقطة يرونها سلبية في حياتها الشخصية فهي و إن نجحت أو أبدعت أو تألقت فنجاحها نصف نجاح أو بعض نجاح أو هو أصلا ليس بنجاح مادامت هي العانس أو العاقر أو العاهرة أو....أو..
قارئتي الكريمة -عفوا قرائي الرجال انتهى مقالي معكم إلى هذا الحد-
سيدتي و بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة -الذي يعني فيما يعني أن المرأة ما تزال قضية يجدر التضامن معها على مستوى العالم و هي بحق قضية حقيقية و ليست مفتعلة كما يريدون تهميشها- فاني أريد لهذا الاحتفال وجها آخر يعتني بحماية المرأة من الأذى النفسي و الاجتماعي لذا أتمنى من كل من وجدت نفسها يوما في احد الوضعيات السالفة الذكر و لم تتجرع مرارة الانكسار الذي يعرف حلق كل امرأة فقط لأنها امرأة أن تتقدم و تطلعنا على وصفتها في التعايش بسلام مع و ضعها رغما عن جنسها و ذلك حتى نجعل من الشاذ مثالا لا يحفظ بل يقاس عليه وحتى ننقل لبقية النساء المنهكات المحبطات عدوى سعادتك أو اتزانك أو طريقتك في التلذذ بمذاق النجاح دون توابل الغيرة و الحقد و بقية النكهات الضارة المضافة الخاصة بجنس النساء علنا نستطيع معا أن نساهم في شفاء النفسيات الرقيقة المنكسرة و مقاومة تلك الهواية الأبدية المدمرة : إشقاء البشر للبشر و خاصة لألطف و أحلى البشر..

كريمة مكي العماري
[email protected]