نساء مناضلات في -جمنة- الستينات



محمد كشكار
2010 / 3 / 11

لم تضربني و لو مرة في حياتها. لم تنهرني و لم تصح يوما في وجهي. لم تلمني على ما فعلت في مراهقتي و لم تشكرني على ما أديت من واجب نحوها عندما كبرت. لم تقل لي يوما أحبك و لكني كنت على يقين, و ربما يكون اليقين الوحيد في حياتي, أنها تحبني حبا لا يوصف.
كنا أربعة في الدار عندما مات أبي سنة 1967, أخت كبرى و ثلاثة أولاد, اثنين في الثانوي و واحد في الابتدائي. عائلة دون عائل. لم تيأس و لم تمرّر لنا يوما بؤسها و معاناتها. واصلنا الثلاثة تعليمنا و كأن شيئا لم يحدث. كانت تقوم بشؤون البيت و الغابة و تشتغل في نسيج "الحولي".
لا أذكر يوما خاصمت أو شتمت جارا أو جارة من أجلنا. لم تعلمني أي شيء و علمتني كل شيء. أحببتها في حياتها إلى درجة العشق و تقاسمت معها منحتي الدراسية عندما كنت طالبا و تكفلت بها نهائيا عند التخرج. عند التعيين اصطحبتها معي إلى جزيرة جربة التونسية للعيش بجانبي. لم تطق الانبتات من قريتها فاحترمت رغبتها. بنيت لها حجرة محترمة في منزلنا و أدخلت الماء و الضوء من أجل عيونها.
لا تكتب حرفا و لا تقرأ كلمة و لكن من تربي أجيالا لا يليق أن يطلق عليها صفة أمية. لم تتأثر لا من بعيد و لا من قريب بالثقافة الأجنبية فهي إذا تعبير عميق عن ثقافة وطنية خالصة.
أمي لم تكن حالة شاذة في ذلك الوقت و مثيلاتها بالملايين في "جمنة" التونسية و في قرى الأرياف العربية.
"جمنة": قرية جميلة تقع في الجنوب الغربي التونسي.
"الحولي": نوع من الكساء الأبيض الرجالي الصوفي الخارجي, يصنع في الجنوب التونسي و يصدر إلى ليبيا. يؤدي وظيفة "البرنس" و يعوضه.