المرأة وكفاءة التصدي لحقوقها الإنسانية المشروعة؟!



تيسير عبدالجبار الآلوسي
2004 / 7 / 17

مذ بدأ المجتمع الإنساني تكويناته الأولى ونشأت حالات التنافس والصراع, بدأ مع كل ذلك صراع من أجل أنْ يأخذ الإنسان حقه في الحياة على ثدم المساواة مع أخيه الإنسان. ومع تقسيم العمل ومع التقسيمات الأولى في المجتمع المدني كان أنْ رُكِنت المرأة بعيدا عن الأنشطة الجدية وانزوت بضغوط كبيرة في غياهب سجن تمَّ تسميته البيت ولكنه كان وما زال في كثير من الأحيان سجنا مؤبدا تولد الأنثى خلف جدرانه مكروهة حتى شهدنا وأد الإناث! ويبيعونها باسم الزواج التقليدي لتدخل سجنا آخر فمن عبودية بيت الأب إلى عبودية بيت الزوج وهما سجنان مقيتان للمرأة..
وإذا كان الدين الحنيف حرَّم وأد البنات وإذا كانت كثير من الأفكار النيِّرة في التاريخ الإنساني قد حرَّمت العبودية وعملت على تحرير البشرية من عبودية سببها الجنس أو اللون أو غيرهما فإنَّنا في الحقيقة ما زلنا نشهد ونعيش استعباد النساء بخاصة في مجتمعاتنا الشرقية. والحجة أو الذريعة هي الدين! والدين من كل ممارسات العبودية براء...
وهنا نجابه واقعنا العربي الإسلامي الذي يحكم فيه كثير من الغلاة وقلة من الطغاة والمنحرفين عن قراءة الدين الوسط والذين لا يقرأون ولا يفقهون لفرط جهلهم أو لحملهم رؤى يدافعون بها عن مصالح بغيهم وغيهم وهم يتسترون على ذلك بادعاء التديّن والعفة وهم أبعد ماي كون عن ذلك..
إذ كيف يكون المرء عبدا في ظلال دين حرَّم العبودية؟ والمرأة إنسان كامل الأهلية لحقوق بشرية وقانونية ودينية وليس لإنسان بشر أن يعتدي على خلق الله وأنْ ينتقص من حقوقه وهنا ينهض مفسروا آخر زمان للنص الديني ليؤوّلوا ما يشاؤون ليون ذريعة بيد استعبادهم للمرأة ووضعها شيئا من أشيائهم المركونة على رفوف بيوتهم!!؟
وحيثما نهضت امرأة تطالب بحقها في الوجود وحقوقها في الحياة البشرية الكريمة ولمساواتها مع أخيها وإنهاء بغضاء التمييز وما ينجم عنها من مساوئ في التربية والأخلاق وفي كل تفاصيل الحياة العامة وحيثما ظهر مَن يناصر المرأة لأخذ حقوقها جوبه هؤلاء بالتهديد والوعيد بل جوبهوا بالتكفير ومن ثمَّ بالاغتيال إنْ لم يكن بالقتل الذي حرَّمته الأديان السماوية والفكر الإنساني المتنوِّر فبالعزل وبالموت المعنوي خلف جدران البيوت السجون وغياهبها...
وإذا كنت أدعو المرأة للتصدي لمشكلة تحررها بنفسها أولا والارتقاء إلى مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقها بهذا الخصوص حيث تكون المتعلمة المتنورة الواعية المثقفة الناشطة في اكتساب ما يقوي شخصيتها ويجعلها قادرة على احتلال المسؤوليات الوظيفية الاجتماعية السياسية العامة والخاصة أسوة بأخيها الرجل, فإنَّني في القوت ذاته أدعو المتنورين من الرجال لدعم حركة تعليم المرأة وتثقيفها ما يمحو مشاكل الأمية الأبجدية والحضارية التي تعطـِّل نصف المجتمع الإنساني..
ويجب علينا هنا التصدي لمشكلة انزواء النساء وتخلفهنَّ فلقد عانين عقودا وقرونا من مشاهد التخلف والعبودية وحتى يمكن لهنَّ النهوض بقوة تحتاج النسوة إلى النصير الذي يمنحهنَّ الوقفة الملائمة في لجج الحرب التي تـُخاض ضدهنَّ في مجتمعاتنا الشرقية بخاصة التي تدعي الالتزام بالإسلام دينا وهي في الحقيقة تتستر وراء قراءات تضليلية ظلامية وتأويلات لا علاقة لها بالدين حقا..
إنَّ جملة من التقاليد الظلامية التي تراكمت وصارت جزءا من مكونات مجتمعاتنا ينبغي التخلص منها بالتنوير الصحيح معتمدين على رجال الدين الصحيح القويم وليس الذي يجامل ويتنكر للتفسير أو القراءة الصائبة من أجل بقاء مشاهد تقاليد أكل الدهر عليها وشرب بل لم تكن من دعوة ديانة صحيحة ومن قراءة نص ديني صريح صادق..
ولعلنا اليوم في عصر ينبغي فيه إعادة قراءة الأشياء بما يمحو ظلمة التحريفات والتأويلات الاستعبادية لحق المرأة العربية المسلمة بالذات وإباحة ما أُبيح لها من حق التعليم والعمل والظهور في المجتمع الإنساني من روح العزل أو الدفن وراء جدران منازل هي سجون استعبادية ما أنزل الله بها من سلطان..
وليس كل من دعا أو دعت إلى التحرر من ربقة عبودية الرجل وطلبوا للمرأة التحرر بكافر أو مافرة بل هما الأكثر قربا من الدين الصحيح ومن الأخلاق الكريمة والبعد عن الفساد الذي يحاول إلصاقه بعض المتخصصين بفتاوى التكفير برجال يناصرون المرأة في قضيتها أو بنساء دعون إلى الحرية العفيفة الطاهرة النزيهة التي تحقق الكرامة لها..
إنَّ العبد رجلا أو امرأة لا يمتلك كرامته ولذا كان تحرر المرأة ليس انفلاتا وانفلاشا خلقيا بل تحقيقا لكرامتها واستعادة لشرفها ولحقها الإنساني المستلب.. والأم الجاهلة لا تربي جيلا والزوجة الأمية لا ترتقي لمسؤوليتها ولا تستطيع مشاركة في مهمة.. وكلنا يقرأ في تاريخنا ومنه العربي الإسلامي ما كان للمرأة من دور على عهد الرسالة الأول وكم لدينا من السنوة وصلن منازل راقية في العمل المجتمعي العام .. فما بالنا نعيدها إلى الوراء؟!!
إنَّ عهد الظلمة الذي جاءنا بحكم أقوام أخرى وبأشكال من الاستعمار والاستعباد قد ولى ولابد أنْ ننتهي من بقاياه التي تركها لنا من تقاليد وأفكار غريبة على أخلاق التحرر والكرامة والشرف...
أكتب هذه الكلمات مشيرا إلى حملات من المضايقة والمصادرة والاستلاب لرؤى نسوة في بلداننا العربية كما هو حال مطاردة نوال السعداوي في مصر وليلى العثمان في الكويت وغيرهنَّ في الجزائر والمغرب وفي العراق الذي يحاول النهوض من جديد, وبالأمس القريب قرأت مقالا آخر عن شخصية نسائية من العربية السعودية دأبت تعالج قضايا مجتمعها السعودي وبخاصة في شؤون المرأة واستقلاليتها واستعادتها كرامتها وتعليمها لتنهض بقرارها المخصوص وترتقي بمسؤولياتها الوطنية العامة والأسرية الخاصة..
لقد خرج علينا صاحب المقال بتأويلات لفقرات مقالها لكي ينسجم مع هجومه الظلامي ولتحريض المجتمع ورجال الدين بالخصوص ضدها ولم يتوانَ عن إطلاق التهم والشتائم المبطنة ومنها التهيئة للتكفير بما يلجم صوتا واعدة في مجتمع العربية السعودية الذي يتطلع لمواكبة العصر والتحرر من تقاليد لا تنتمي إلى دين حنيف ولا إلى أخلاق كريمة ..
ومن الطبيعي فإنَّ ما ذهبت إليه الصحفية الناشطة إيمان القحطاني لم يكن بصدد الاعتداء على التقاليد الراسخة القويمة الصحيحة بل على ما هو دخيل على مجتمع العربية السعودية من ضلال وظلام وهو ما يستدعي المناصرة والدعم والوقوف مع دعوتها المستنيرة التي لا تتجاوز على الأخلاق بقدر ما تعمِّدها وتمنحها روح التجديد والتقدم وتفتح الفكر واستنارة العقل ..
إنني هنا أدعو إلى التضامن بأوسع حملة مع المرأة العربية السعودية فيما تطالب به وبالتحديد مع الشخصيات النسوية بتقدمهنَّ واستنارتهنَّ من مثل الرائة المشرقة في جهودها الإعلامية الأدبية الصحفية إيمان القحطاني.. ولعلنا بمزيد من الضغط والمناصرة نستطيع دعم حملة الاصلاح التي تغذ الخطى في العربية السعودية وتعمل الحكومة فيها على مواصلة مشوارها بتؤدة وحكمة ومن دون حرق المراحل التي لا يمكنها التقدم بل تسبب الإعاقة والعرقلة وهو أمر لا يمكن القبول به..
نحن إذن بصدد دعم عقلاني رشيد لا يستعجل النتائج ولا يحرق مراحل التطور ولكنه يؤكد على منع قوى الضلال والظلام والمتطرفين المتشددين الذين عاثوا في الأرض فسادا ويحاولون لجم كل محاولة إصلاح بوسائلهم المعروفة..
إنّنا على ثقة عالية بأن تهمة التغريب والانتماء للغرب وفكره وحتى تهمة التكفير ومعاداة الدين وغيرها من التهم لن تنطلي على مجتمع بدأ يعي حقوقه ومصالحه وهو يعرف معتقده ودينه وأخلاقه القويمة الصحيحة ومن ثم لن يقف مع هذه التهم الضلالية المغرضة بل سيتساءل ويبحث عن الصوت الحر النبيل الشريف للمرأة التي أعلنت حقها في الحياة الإنسانية الكريمة ونصيرها الرجل المتنور الذي يعرف أيّها الأخلاق التي يجب أنْ يلتزم..
ولن يكون رجلا كريما ذاك الذي لا يلطف بالقوارير ولن يكون رجلا نبيلا ذاك الذي لا يحترم أخته وزوجته وأمه التي وُضعت تحت أقدامها الجنة ولن يكون رجلا فارسا ذاك الذي لا يرى قوته وعلو كعب شخصه إلا في إذلال أمّه وأخته وزوجه.. الرجل العظيم في مشاركة أهله المرأة بالذات حياته وفي احترام حق الشرع من غير تأويل وتضليل ومن غير خوف من قول الحق في مجتمع لا حترم الدين والشرع بقدر ما يحترم التقاليد البالية..
هل من المقبول الخضوع لسلطان التقاليد ومحرماتها الرخيصة ووأد بناتنا والخوف من قول ما جاء به الدين الحنيف قبل 1500 سنة؟؟؟! أليس الصحيح أن نلتزم الشرع وأن نذهب بعيدا حيث حرر الدين الإنسان من العبودية؟ أم أن المشي وراء ضلال المأوّلين هو الأهون؟ لنقف مع الأصوات النبيلة الشريفة ولنقف مع عملية الاصلاح الرشيدة الحكيمة ولنقف في حملة تضامن واسعة عريضة مع نسوة الحرية والتقدم ولنبدأ حملة تضامن مع زميلة المهنة وهي تتعرض لدعوات التكفير الزميلة إيمان القحطاني ومع كل نسوتنا العربيات المناضلات من أجل تحررهنَّ..