ضياع المرأة العربية بين ختان الجسد وختان العقل



سامية نوري كربيت
2010 / 3 / 17

في البداية أود ان أشير الى ان حديثي هذا لا يشمل جميع الرجال فهناك الكثير من الذين جعلوا للمرأة مكانة خاصة في قلوبهم وحياتهم وهناك من وقف بجانب المرأة وطالب بحقوقها بل قاتل في سبيل حريتها وإطلاق سراحها من سجنها التاريخي , كما ان هناك من النخب الفكرية والأكاديمية والأقلام الحرة الشريفة المئات من الرجال التي تؤمن بضرورة مساواة المرأة بالرجل وإعطائها المكانة اللائقة بها ككيان مستقل ذو فكر ومواهب وإمكانات لا تقل عن الرجل منطلقين من إيمانهم بان اختلاف التكوين البيولوجي للمرأة عن الرجل لا يعني الاختلاف في القدرات العقلية والفكرية ولا يضعها في موضع أدنى من الرجل .
ومن نفس المنطلق حديثي موجه الى كثير من النساء اللواتي لا زلن يعشن بعقلية الجواري والإماء وملكات اليمين ويعتبرن الرجل مركزا للكون وعليهن طاعته في كل ما يقوله او يفعله حتى لو كان على حساب كرامتهن والقبول بنظرته الدونية إليهن والعمل على مصادرة ابسط حقوقهن , ومن المؤسف ان يصدر هذا في أحيانا كثيرة عن نساء متعلمات وحاصلات على درجات علمية وعلى شاشات التلفاز مدعيات بان المرأة استطاعت الحصول على حقوقها , ولست ادري عن أية حقوق يتحدثون وما هي هذه الحقوق التي تمتعت بها المرأة في مجتمعات دول العالم الثالث وفي مقدمتها المجتمعات العربية , هل يتحدثون عن حقها في الحياة الحرة تحت ضوابط نابعة من عقلها الذي وهبه الله لها والذي لا تملكه بعد ان صودر من قبل المتكالبين على نزع أدميتها وإرادتها الحرة , او عن حقها المهمش في الاختيار لأبسط مستلزمات حياتها والذي يمنحها الإحساس بالسعادة بامتلاك القرار الذي يخص تفاصيل حياتها الأساسية , او عن حقها باستخدام فكرها المصادر في غياهب قوانين التخلف والهمجية والأعراف البدوية , أم حقها المغيب عن كل تفاصيل الحياة الصغيرة والتي تبعدها عن سياسة القطيع وترفعها الى المكانة التي وجدت من اجلها , او حقها الطبيعي بامتلاك إرادتها في اختيار شريك حياتها لتنشئ أسرة سعيدة هي عماد المجتمعات المتوازنة , او حقها بالمحافظة على أجزاء جسدها الذي ترتكب بحقه المجازر باسم الشرف وكأن شرف الرجل الشرقي وشرف العائلة الشرقية مرتبطان بجهاز المرأة التناسلي من دون النظر الى مفاهيم الشرف الحقيقية , فجميع الموبقات التي يرتكبها أفراد في المجتمع من أنواع العهر الأخلاقي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي لا تنقص شرف الرجال المصان سوى ذلك الجزء الذي صودر بأمر العقول المدجنة والخاوية والخائفة من المرأة وهي الأنثى التي حباها الله بكل جميل ووهبها أعظم امتياز عندما أودع فيها خلاصة الطبيعة وجعل الأجيال تتربى في أحشائها فهي الأرض المعطاء التي لا ينضب عطائها ولا يمكن ان يمنعها الله من شئ منحه هو لها , ذلك هو حقها بالتمتع بحقوقها الجسدية شانها شان الرجل في العلاقة الجنسية عندما يرتبطان برباط الزوجية او ان ذلك حكرا على الرجل دون المرأة في القوانين الطبيعية التي سنها الخالق عندما خلق المرأة والرجل .
ان المسؤولية الأخلاقية تقتضي ان يدرك الرجل بان للمرأة حقوقا طبيعية هي ليست منة منه وليست خروجا للمرأة عن الحدود التي رسمتها الطبيعة لها وإذا لم تكن حاجة أساسية للمرأة كما هي للرجل فلماذا خلقها الله فيها , ان السؤال الذي يتردد كثيرا في فكري لماذا يتدخل الإنسان في أمور خلقها الله وجعل لها مسارا واضحا وأين هو التوكيل الذي منحه الله للمجتمع للعبث بجسد خلقه هو ومنحه كل المقومات التي تجعله يعيش بسعادة ومن الذي أعطى للرجل سلطة منح او منع وكيف نصب نفسه الحاكم بأمره في اخص خصوصيات الخلق , ان الرجل يعطي لنفسه من الحقوق ما تعجز القوانين الوضعية عنه فهو الذي يصادر حقوق المرأة باعتماده على عضلاته ويجعلها تعيش الخوف من سطوة قوته ولم يدرك بان الخالق أعطاه تلك القوة ليستخدمها في حماية المرأة والدفاع عنها باعتبارها الجنس الذي انعم الله عليها بكل أنواع الرقة لكي يكمل في داخلها أعظم رسالة لإدامة الحياة واستمراريتها ولكنه بوحشيته يستغل تلك العضلات لسحق كرامة المرأة وإذلالها , ووسائل الإعلام مليئة بأنواع العنف الجسدي الذي يمارسه الرجل على المرأة بالإضافة الى العنف النفسي , ان مفهوم اغلب الرجال في مجتمعنا العربي عن المرأة لا يعدو عن كونها سلعة معروضة للبيع يستطيع شرائها من يملك السعر الأعلى ويستمتع بها ثم يستطيع أيضا ان يرميها متى ما انتفت الحاجة إليها وحتى إذا احتفظ بها فسلاح الاستغناء عنها مرفوع دائما أمام وجهها .
ان المرأة العربية تعاني أنواعا من القهر والإذلال لا يمكن ان يوصف سواء أكان في خضوعها لعملية ختان وهي طفلة دون أدنى مراعاة لبراءة الطفولة التي تنتهك بوحشية او في تهميش وإغفال حقها الطبيعي بالاستمتاع كالرجل في علاقتها الزوجية او في قتلها لمجرد شبهة بحجة غسل العار .
وفي الثقافة السائدة في أجزاء كثيرة من العالم العربي جرت عادة ختان الفتيات كعرف من أعراف المجتمع لغرض تقليل أنوثة المرأة عن طريق تقليل رغبتها الجنسية وذلك بتشويه مظاهر أنوثة الفتاة إما بإزالة أجزاء حساسة من جسدها او جعل العمل الجنسي غير ممكن لها باسم الحفاظ على الشرف في الوقت الذي فيه أصبح من المعروف علميا ان للجنس مراكز في الدماغ تنبعث منه الرغبات وان الجسم ليس سوى منفذ لتلك الأوامر او الأحاسيس والمشاعر والتي أصبحت عصية على فهمها عند الرجل الشرقي , وان اقتطاع أجزاء من جسد خلقه الله هو فقط فعل إجرامي يورث المرأة أنواعا مختلفة من الإحباط والكبت وأحيانا الجنوح ولن استرسل في هذا الموضوع فله أخصائيوه الذين كتبوا الكثير عن مساوئ الختان ومساوئ الإشباع الجنسي الغير مكتمل والناقص للمرأة عندما يشبع الرجل رغبته دون الالتفات الى رغباتها الجسمية وجعلها متاع ومتعة وما يجلبه من مشاكل نفسية تنعكس على الحياة الزوجية وعلى الأطفال وبالتالي على المجتمع ككل , وليس هذا فقط بل هناك الكثير مما يحدث في مجتمعاتنا من أنواع الاضطهاد والقتل للمرأة غدرا وبغير دليل ولشبهات كثيرا ما يثبت عدم صدقها وصحتها تحت شعار غسل العار .
أما ما يخص ختان فكر المرأة العربية فذلك يتم بشكل تدريجي وممنهج عن طريق الحصار الذي يفرض عليها ومن ثم يؤدي الى تعطيل قابلياتها الفكرية ومواهبها الطبيعية لان الفكر والقدرات الفكرية لاتختلف عن أية قدرات حيث إنها لا تنمو في ظل الحجر والإقصاء وتبقى حبيسة ثم تتلاشى شيئا فشيئا الى ان تموت وهذا أكثر قسوة من قطع جزء من الجهاز التناسلي الأنثوي لان الثاني يعطل القدرات الجنسية ويحرم المرأة من حقوق طبيعية وهبتها الطبيعة لها ويؤثر ذلك سلبيا على حياتها الشخصية وعلى محيطها الاجتماعي جراء معاناتها من الحرمان نتيجة لتلك الجريمة التي ارتكبت بحق جسدها التي لم تراعي حرمته , ولكن ختان العقل له أبعاد أكثر خطورة على المرأة وعلى مجتمعها والإنسانية , فكم من قابليات وإمكانات أجهضت وحجمت ولم تؤدي دورها الذي كان من الممكن ان يساهم في اغتاء الفكر الإنساني لان المرأة في إمكاناتها الفكرية لا تختلف عن أي رجل وهذا ما أثبتته تجارب الدول المتقدمة بل ان هناك بحوثا كثيرة تؤكد على ان للمرأة قابليات ومواهب فكرية وعقلية تفوق قدرات الرجل إذا ما أعطيت الفرصة وأتيح لها المجال باستخدام ما منحته لها الطبيعة ولنا في التاريخ شواهد كثيرة عبر العصور على ذلك , صحيح أنها لا تملك القدرات الجسدية كالرجل ولكن قدراتها العقلية يمكن ان تكون بدرجة تفوق قدرات الرجل وإمكاناته ومواهبه .
ان المرأة في مجتمعاتنا تواجه بالرفض قبل ان تولد وتصادر حقوقها الطبيعية وهي بعد جنين في بطن أمها عندما تتمنى الأم وجميع المحيطين بها من الأهل والأقارب ان ترزق ذكرا فالأنثى مرفوضة قبل ان تولد وتصاب كثير من العائلات عند ولادتها بصدمة خاصة أبو الطفلة فهي هم ثقيل على الأب وهي عورة وهي عار وتبدأ عملية القمع المنظم داخل الأسرة بإشعارها بان مكانتها في الأسرة تأتي في المقام الثاني بعد الولد وينسحب هذا على جميع حقوقها وفي جميع مراحلها العمرية وتكبر الفتاة وتكبر معها سلسلة الممنوعات وأنواع التمييز , ممنوع الخروج ممنوع الاختلاط ممنوع إبداء الرأي ممنوع اخذ القرارات الخاصة بحياتها وممنوع قراءة هذا الكتاب ومشاهدة ذلك البرنامج وممنوع المشاركة في الأحاديث الثقافية والسياسية وتتسع قائمة الممنوعات في المجتمعات التي يزداد فيها سطوة الرجل , انه حصار الفكر المنظم ومصادرة العقل المبرمج ومع مرور الأيام وكثرة قائمة الممنوعات الضاغطة على عقلها يبدأ تحجيم إمكاناتها العقلية فالأسرة والمجتمع يمارسون كل أنواع الحجر العقلي والمصادرة الفكرية ويبدأ مشوار تهيئتها للقيام بدورها الذي رسم لها لإرضاء الرجل وتقديم فروض الطاعة الواجبة عليها بحكم جنسها وتنكمش المرأة أكثر وينهار الجزء المتبقي من وعيها كانسان وتبدأ بتبني الآراء المحيطة بها بأنها فعلا ناقصة عقل ودين ويتم انسحابها النهائي الى الداخل قانعة بدورها الذي لا يمكن ان يرتقي الى الرجل فهو السيد وهي العبد وتتكرر هذه المهزلة في كل بيت وفي كل مجتمع ذكوري تم تنصيب الذكر فيه سيدا بدون منازع .
ان المرأة في مجتمعاتنا العربية محاصرة من كل جهة ومهمشة ومحرومة من جميع حقوقها الطبيعية والإنسانية وأينما توجهت تجد الأبواب موصدة أمامها او تواجه بنظرة الرجل الدونية لها , فهي في نظره لا تعدو ان تكون لعبة خلقت لكي ترضي نوازعه أليست هي فتنة او شيطان في معتقداتنا المنحرفة .
ان المجتمع اليوم مطالب ان يخلي سبيل المرأة ويطلق سراحها من الحصار الفكري والمعنوي الذي يحيط بها من كل جانب لكي تتوازن شخصيتها لان الرهينة لا تستطيع ان تبني جيلا متوازنا ولا مجتمعا سويا أنها نصف المجتمع فلا تدعوه عليلا بل افتحوا الأبواب للحرية المسؤولة ليست فقط للمرأة بل للمرأة والرجل معا , ونحن جميعا مطالبون ان نبدأ ببناء أجيالنا القادمة على قواعد المعرفة المتوازنة للحقوق والواجبات لكلا الجنسين وتعليمهم كيفية احترام الآخر المختلف وبالعلم والثقافة نستطيع تعليم أجيالنا كيفية استخدام العقل في إخضاع الرغبات لسلطانه وكبح جموح الشهوات دون مصادرة او إكراه او تشويه للجسد والعقل معا .