نساء ميسان ... لا احد يفهمهن !!



امنة محمد باقر
2010 / 3 / 26


كنت قد كتبت سابقا شيئا ما ... يحكي عن مآسي نساء من ميسان ... ولكن ... هذه المرة ... نتحدث عن شئ اخر ، يخص الشخصية ...
الاغتيال نوعان ... انك اما ان تغتال الشخص... او ان تغتال الشخصية ... اما ان تغتال المرء ... او ان تغتال المروءة ...اتحدث اليوم ... عن التحرش بالنساء المحجبات او غير المحجبات ، ولكن حتى المحجبة لاتسلم من ذلك ، في حين القرآن يؤكد ( لكي يعرفن فلايؤذين ) .. والثوابت واضحة ، المحجبة تتعرض قليلا للتحرش لحشمتها ، ولكن المجتمعات الفقيرة لاترحم ... تتدخل في شؤون الجميع .. لهذا قال علي عليه السلام : لو كان الفقر رجلا لقتلته ، لأنه ينغص عليك حياتك في جميع نواحيها ...

عندما تكون لديك اسرة مكونة من ابناء مطيعين ... وزوجة طيبة ... اذن مالذي تريده اكثر من ديناك ؟ ! يفترض ان تكون اسعد الناس ...
السلوك العام للأسر في العراق ... لايحتاج الى حكومة متدينة ... لأن الناس بطبيعتهم متدينين ... وهذا تعميم يحتاج الى اثبات .. ولكنني لا افكر في اي اثبات لأنه امر متفق عليه ، ومتواتر ، ومعروف بطبيعة الحال ، انت عراقي وانا عراقي اذن نحن نتلمس ذلك الامر في حياتنا اليوم ... وهو ايضا معروف من خبراتنا الشخصية... اليس كذلك ؟

لنأتي الى تركيبة الاسر في العمارة ، نحن طبعا مجتمع عشائري ...وترى البنت منهن تراعي الذوق العام ، وتراعي المجتمع بدرجة تدعو الى التقدير والتبجيل ... والاحترام المطلق ... تطبيقا لقوله تعالى : وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ...

ولكن ... من جهة اخرى ... هذا الاحترام لايلاقي ذات الاهتمام والترحيب والقبول من قبل البعض... لايلاقي ما يوازيه من تقدير ... جاء في سورة الرحمن : وما جزاء الاحسان الا الاحسان ... العقلاء يقدرون ذلك ، ولكن الشارع يحمل الاثنين ، الصالح والطالح ..

ذلك السلوك الحسن ... تتم مصادرته ... اجل .. حين تكون مطيعا ... مؤدبا ... وتحترم القوانين العرفية ، والعشائرية والتقليدية والدينية ... اجل حين تحترم التقاليد ... يحترمك العقلاء ... ولكن يحتقرك المرجفون والمبطلون ... يحتقرك الاشقياء ... ولربما يسوء الامر حين تكون المدينة قد ابتعدت عن خط الحضارة ...
يقال ان المدينة في الخمسينيات لو دخلتها فأنها لاتختلف عن مدن العالم المتحضرة ، من حيث دور الترفيه والسينما وحديقة النساء ، وحدائق السندباد للعوائل وغيرها من امور يحتاجها اي مجتمع متحضر ... ومن شأن كل اسرة من بني البشر !

وحتى رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( عليكم بالمدينة ان جارت ) ... ديننا يدعو الى المدنية والتحضر .. ومدينتنا ... تطرد سكانها ..
جاء في خطة التنمية الستراتيجية لمحافظة ميسان عام 2007 ان ( ميسان من المدن الطاردة لسكانها) ، وماذا يتوقع المجتمع الذي يحاصر ابناءه ؟ يطاردهم حين يعملون ... عملا يغار منه ابن الجيران ، الذي لاعمل له بل التحق بالمليشيا ، ويقتلك البعثي السابق ، لأنك تفوقت وحصلت على مركز مرموق بعد التغيير ... وطال الامر النساء بطبيعة الحال ... ومن يهتم ؟ المدن التي تطرد سكانها ... يفترض ان يتم الالتفات اليها وعدم اهمالها ، خاصة وانها تعوم على بحيرة من النفط ... ولأترك هذه التفاصيل جانبا ..

من خلال خبرتي الشخصية في الدراسة والعمل ، وخبرة اخريات في العشرين من العمر ، طالبات جامعيات او موظفات ... ومن خلال رصد الاحداث من عام 2003 الى يومنا هذا ... رأيت العجب في السلوك العدائي نحو المرأة بدلا من احترامها .. شخصا وشخصية ...
في التسعينات لو ذهبت الطالبة من ميسان تدرس في محافظة اخرى ... اقاموا الدنيا على اهلها ولم يقعدوها ، ,لكن الامر تحسن الان ، اصبحت الاسر في سباق محموم للالتحاق بالجامعة ، بدافع عنصر الغيرة ... وامور اخرى ...

لكن التحرش بالنساء وايذائهن يظل قائما ، لربما يكون لعجلة الاحداث دوره ايضا ... والتغييرات المفاجئة التي جعلت هوة الثقة والاحترام المتبادل بين السكان تقل هي الاخرى ... وانعدام العامل الامني ... لهذا غاب الامن الاخلاقي ايضا ..

يقول شاعر العرب ... في الجاهلية .. وليس الان... اعمى اذا ماجارتي برزت .. حتى يواري جارتي الخدر ..

تشكو العديد من الطالبات الجامعيات ان الملابس وان كانت محتشمة ، اي ان تكون الطالبة محجبة وترتدي التنورة والقميص لكنها تعاني كثيرا من الكلام البذئ الموجه لها ... فقط بسبب ماتلبس ... رغم تقيدها بالدين.

وارجو ان اشير هنا الى اننا نعيش في مدينة المحجبات الملتزمات دينيا واخلاقيا ... لا اكاد اكذب لو قلت ان الحجاب نسبته مئة بالمئة في مجتمع الجامعة بين المسلمات ، بل ان بعض الطالبات من الصابئة والموظفات من الصائبة يرتدين الحجاب وفق اعرافهن ... وليس اجبارا .. وبعضهن من ديانات اخرى ... اضطررن لتقليد المسلمات ... بسبب الاجبار من قبل بعض المتشددين ... لكن عامل الحرية هو الاساس في اختيار الحجاب ... في الدين الاسلامي والحمد لله ... لأن من العيب ان تتركه البنت بعد ان ترتيده ، هذا يعني عدم وجود اقتناع بفحواه الروحية ...

فاذا كانت السلطة الدينية المتمثلة بالله ورسوله .. وشرع محمد قد دعت الى الحجاب ، واذا كانت عظمة الاسلام تتمثل بالحرية ، انا هديناه السبيل ... واذا كانت المرأة مطيعة الى هذه الدرجة ، واختارت بمحض ارادتها الحجاب ، حيث قرأت القرآن والكتب الفقهية والشرعية والمنطقية والعقلية واقتنعت ... اذن ماكل هذا التدخل والتعنيف بعد هذا ؟

ان نساءا في محافظات اخرى لايعانين كل هذا التدخل ، الحجاب يأخذ انماطا مختلفة بسبب عنصر الموضة ، حاله حال بقية الملابس ، طبعا مع احترام التشريع ، وعدم الاساءة في استخدام الرخصة الشرعية في اختيار ماهو جميل ومرتب وانيق ...

ولكني اعتقد ان هذا التدخل ، وذلك التحرش ، هو جزء من طبيعة المجتمعات الفقيرة ، لأنك لو كنت في مجتمع غني ، اقتصاده مستقر ، حياته مستقرة ، شبابه يتزوجون لاتعيقهم الماديات ، نساءه متعلمات ، حينئذ لن يكون هنالك مجال للتحرش ..

سبق لي ان قرأت ورأيت صور عن التحرش بالفتيات في مصر ... يصل الامر الى درجة فظيعة من مضايقة المراهقات .. الحمد لله لايستطيع احد في العمارة ان يصل الى هذه الدرجة ... لأن فائدة الصفة العشائرية تظهر هنا بالحفاظ على العرض واحترام مسألة الشرف المتمثل بنزاهة المرأة ( وهو خير للمرأة والمجتمع والاهل والعشيرة ... بل للهدوء والاطمئنان النفسي ) ... اقول لهذا السبب تظهر المرأة قوية في مجتمع الدائرة او الجامعة او العمل ...

لكن هنالك مسألة لا احد يستطيع ان يثبتها ، الا وهي ان فلان تحرش بفلانة ... غالبا حين تسمع الفتيات هكذا كلمات تتجاهلها ، ولكنها تؤذيها نفسيا ، وبالطبع هي لاتخبر اهلها ان فلان قال كذا ، لأن من يقولها في الشارع عادة هو شخص غير معروف ...

لذلك .... فأن من العيب ... ان يزيد هكذا مجتمع الطين بلة.. فيضع مسألة فقره ومجون شبابه .... عبئا على حرية نساءه .... دعوا النساء ينعمن بالهدوء والسلام النفسي ... دعوهن يطعن الله في امان .. وحرية ...

تحدثت الى العديد من الفتيات ، اخبرتني مجموعة كبيرة أنهن لايستطعن اطلاقا ان يلبس الجبة الاسلامية ذات الالوان الهادئة الجميلة ، عادة الكاكي ، او البنفسجي الفاتح .. وغيرها من الوان ... بل يعانين من الكلام والتحرش حتى في حالة العباءة الاسلامية السوداء اللون ...

تتميز مجتمعات الجنوب .. عن العالم اجمع ... بعباءة الرأس ... وانا شخصيا مغرمة بها .. رغم انني لا ارتديها الا في زيارة الاماكن المقدسة .... لكن الانسان حر فيما يختار ... واذا كان اختيارك للحجاب نعمة ... فأن تدخل الغير في ملابس المحجبات نقمة ...

يفترض في مجتمع كهذا ان يحمد الله بكرة واصيلا .. لوجود نساء مطيعات ، ان المرأة هي مركز الوجود بها يصلح المجتمع وبها يخرب ... يفترض ان مجتمعا يعرف المرأة بالعفة ان لايضايقها ... ( لكي يعرفن فلا يؤذين ) !

يقال ان النساء ي افغانستان لو اظهرت الواحدة منهن وجهها في مناطق معينة ، فأنها لاتسلم على نفسها ... لأن ذلك المجتمع الطالباني الخبيث ... يشرع فوق التشريع !! هنالك مناطق تستطيع المرأة ان تظهر وجهها ولكن تسلم على نفسها .. ولكن في مناطق اخرى ... لاتسلم على نفسها ..

انني ادعو الى الابتعاد عن تلك العقدة الطالبانية !! ( دعوني اسميها هكذا : الطالبانيزم !! ) لانها ليست من الاسلام في شئ .. متى كان الدين الحنيف اجباريا ؟ عظمة الاسلام تكمن في انه اعطى الحرية للانسان في عبادة ربه .. اما شاكرا واما كفورا ... قال تعالى : انا هديناه السبيل ..

لذلك هذه دعوة لعدم التدخل في شؤون نساء ... اخترن ان يكن محجبات ... والله وفقهن الى ذلك ... فليس من العدل في شئ ، وليس من الحرية في شئ ... ان تسمم على الفتاة ايام عبادتها وتقواها ... يوم تختار ان تلبس الحجاب وتأتي لتنغص عليها حتى في حجابها ... الله اكبر .. اين ذهب عنكم من قال لكم : رفقا بالقوارير ؟ !