عن المرأة العمانية وحقوقها



وضحى بنت سيف الجهوري
2010 / 3 / 31

أخرج بسيارتي من المنزل ، وكالعادة فوجه جارتي الأسترالية هو أول وجه ألتقيه في الشارع ، فقد اعتادت أن تتجه كل صباح إلى صندوق نفايات الحارة للتخلص من كيس القمامة .
كنت أتعجب من خفتها وهي تتجه إلى نهاية الشارع وما أن تتخلص مما تحمله إلا وقد عادت تتقافز في الشارع كطفلة لم تتجاوز العاشرة ، أقول العاشرة لأنه من المعيب في محيطنا أن تتقافز في الشارع من تعدت هذه السن ، ومن المؤذي أن تتقافز من تعدت الثانية عشرة ..
أنوثتها في خطر ..
سمعتها في خطر .
أتجه إلى إحدى كلياتنا التعليمية ، أنظر للسواد أمامي ، لعبة الفتاة والعباءة .. لا مشكلة ، فأنا من أشد مناصرات العباءة ولكن ما أرجوه أن تكون عباءة فضفاضة وتعكس شخصية صاحبتها ، الحقيقة التي أخرج بها أنها لا تعكس المغزى والهدف من لبسها .. فاترك هذا جانبا في سبيل التمعن في تلك الوجوه الحزينة والتي تسير ببطء، هذه الأجساد قد تعودت هذا السير السلحفاتي منذ بلوغها.
كأن الواحدة فيهن تخاف سقوط حملا ثقيلا أنهكها العمر كله .. إنه المشيب قبل الأوان .. السير البطيء والوجوه الكئيبة .. والظهور المنحنية هي عنوان معظم من ألتقيهن .
ما ضير السير برأس مرفوعة وهامة مستقيمة وخطوات سريعة ؟ ولا أقصد هنا الجري وإنما السير بثقة وبروح سن الشباب وانطلاقتهم .
ما الضير من لبس العباءة المعينة على حرية الحركة والانطلاق بديل التضييق على الجسد وترك نصف قماش العباءة يزحف خلف الفتاة رغم أنه من الأولى أن تستقطع ذاك الجزء الزائد وتضيفه إلى الجزء العلوي لتخفي مفاتنها والحقيقة أنني شهدت العديد من حالات الترنح من على سلالم وسقوط على الأرصفة بسبب ذلك الجزء الزائد عن الحاجة!!.
قد يستغرب البعض ويقول : لماذا أعطيت نموذج جارتي الأسترالية تلك الشابة البعيدة عن مجتمعنا في أول المقالة وكأنها النموذج الذي أرغب في اقتداء الفتيات به ثم أتكلم عن العباءة الواسعة والحقيقة أن ما يهمني ليس لباسها وإنما فكرة الحركة دون تقييد .
أريد أن أفشي سرا هنا : إن مشكلة السير البطيء والمتردد لدرجة سحل الحذاء باستمرار على الأرض وبالتالي الحاجة الدائمة لأحذية جديدة ، هذه المشكلة ليست مشكلة فتياتنا فقط ، فحتى (أغلب شبابنا ) يسيرون بنفس الرتم الكئيب وهنا أتعمد قول فتياتنا وشبابنا أي بما يوحي بالامتلاك للدلالة إلى المحيط المجتمعي والمعنى الوطني الغيور .
الشباب أيضا يسيرون ببطء وكأنه من المعيب أن يسيروا بسرعة وخفة كما العديد من الشباب في مجتمعات يقدس أفرادها الوقت ويهتمون بالرياضة فيظهر جليا في سيرهم .
كل من يمشي في مجتمعنا سواء في مؤسسة أو سوق أو أي تجمع يعتقد أن الأنظار موجهة إليه وخاصة الفتيات اللواتي يعتقدن أن لا شغل يشغل الآخرين سوى التدقيق في الخطوات فتقرر قرارا نهائيا السير البطيء خشية السقوط أو التعثر ومع هذا .. يتعثرن !!.
تخبرني أستاذة جامعية من إحدى جامعات الدول العربية أنها تسمي العمانيات الدارسات هناك بالعرائس مبررة ذلك بسيرهن الخجول وحركتهن البطيئة وقلة الثقة بالنفس.
ومع كل الفرص المتاحة والتي لم تحصل عليها نساء في دول أخرى قضين أعمارهن في كفاح ونضال وتضحية للحصول على النزر اليسير مما حصلت عليه المرأة العمانية لا تزال الكثيرات في هذا الوطن يعشن أسيرات الصورة القبلية ولا تزال الأمهات يزرعن في بناتهن معاني الخجل من الأنوثة والعيش في إطار محدد ومغلق من كل الزوايا ، فلا منافذ للثقة ولا أبواب للانطلاق.
والبعض عندما قررن الانطلاق قدمن نماذج باهتة لحقيقة ما يريده المجتمع منهن ، فالانطلاق بالنسبة لهن هو كومة ( الشباصات ) تحت الشيلة وعندما يذكرن أنهن المقصودات في حديث شريف نجد أن ارتفاعا طرأ على قمة كلمنجارو فوق رؤوسهن .
الانطلاق بالنسبة للبعض هو أصباغ من كل صنف تغطي فيه الواحدة منهن حقيقتها ، قد يقول البعض أن هذا تقدم وتطور ، ليت هؤلاء يستيقظون في إحدى صباحات واشنطن وينظرون لوجوه شابات أمريكا وهن يتجهن لشركاتهن ، الوجوه صافية وحقيقية تماما ، إنه قوة المرأة الواثقة التي لا تخفي نقصها وضعفها وقلة حيلتها أمام أي مساحيق .
وضع تلك المساحيق ضعفا تخيلوا معي هذه الحقيقة وحقيقة أخرى أن دول الخليج هي أكثر دول العالم استيرادا لمساحيق التجميل وأن نساء الخليج ينفقن ملايين الدولارات سنويا لإخفاء وجوههن خلف أقنعة .
يصل الإنسان لهذا القدر من التنصل عن حقيقته عندما يكون إرضاء الآخرين هي غايته ، وخلف تلك الكلمات عن حرية التزين واللبس ألف قيد وقيد، قيود صنعها الإرث وقيود صنعها مجتمع وقيود صنعتها المرأة نفسها .
قد يقول قائل أن اتهام المجتمع هنا تلميح للمجتمع الذكوري ولكني هنا للتأكيد على دور أكثر من طرف وأهمها المرأة نفسها ، مع الأخذ بحقيقة أن الواحدة في مجتمعنا تظل ضعيفة مهما امتلكت من قوة إلا إذا قرر من حولها عكس ذلك .
إن كل ما تسعى إليه الدولة في سياستها لتمكين المرأة ترتد أمام عنف المقاومة .. مقاومة شعارها ثقافة العيب ، وهل هناك من ينكر حقيقة وجود فتيات متميزات بالمئات يمنعن من قبل أب أو أخ أو زوج من العمل في بيئات مختلطة فتضيع عليهن فرص ( الحياة )؟.. أقول الحياة وليس النجاح أو التفوق أو إثبات الذات لسبب بسيط أن الإنسان يعيش حياة واحدة وما أجمل أن يعيش الإنسان حياته بقراره واختياره .
هكذا تتشكل الصورة أمامنا ، لنعرف مكمن المشكلة ففي مقابل رؤية مستقبلية لسياسة حكيمة تسعى لتوسيع رقعة دخول المرأة في شتى الميادين نجد في المقابل من يقاوم هذا التوجه، والحقيقة أنه بدون طرح استحقاقات فلا إنصاف إنما إقصاء ل50% من أفراد المجتمع عن القيام بدوره في التنمية وفي المشاركة وفي (الحياة) .
تأتي العوامل الاجتماعية ثقيلة خاصة عندما تتزين بالمعتقدات الدينية وفي أحيان كثيرة من أناس لم تغيرهم شهادات علمية عليا عن تشكيل فكر جديد وكثيرا ما تمنع فتيات عن العمل من قبل أصحاب شهادات عليا والإبقاء على الصورة الأثيرية والمرغوبة للمرأة المملوكة التي تعيش بلا أحقية اتخاذ قرارتها المصيرية .

أضيف إلى ما سبق حقيقة ما يراه البعض حول العديد من القرارات أو بمعنى أصح المكاسب التي اتخذت في سبيل التأكيد على دور المرأة العمانية ، كالحصول على قطعة أرض واستكمال الدراسة الجامعية على نفقة الدولة لمن حصلن على نسب دراسية مرتفعة تفعيلا لمفهوم المواطنة وما تتضمنه من حقوق تقابلها واجبات فالعمانية إذا لم تحصل على قطعة أرض من تراب وطنها تأكيدا على ما ينتظره منها هذا الوطن كونها عمانية من أرض عمانية فمن أين عساها أن تحصل : من الدول المجاورة ؟ من أمريكا ؟ من المريخ ؟ .
إن ردود الفعل من قبل البعض – الكثيرين عموما – حول تلك القرارات وغيرها يكشف الصورة النمطية التي لم تتزحزح بقدر كافي لإحداث نقلة نوعية ، حيث النظر لهذه المكاسب وكأنها فائض عن حاجة المرأة إضافة لمن يخطط مع سبق الإصرار والترصد للانقضاض على الأرض التي ستحصل عليها أخت أو زوجة أو أم ، ولعمري فإن هذه النظرة القاصرة والتي تظهر في العديد من مظاهر الحياة الاجتماعية لتدعو لتدني الثقة بالنفس .
إن أجمل ما في الأمر أن يكون هؤلاء أمام الأمر الواقع برغبتهم أو بدونها ولكن الأجمل على الإطلاق إن تستغل المرأة هذه المكاسب لتعلن تحررها الصريح عن تلك النمطية وأيضا .. برغبة أولئك أو بدونها .
يجب على المرأة العمانية أن لا تخجل من أنوثتها وأن تكون أكثر فاعلية وعملية وثقة بنفسها وذلك بأن تتخلص من تلك القيود المتمثلة في الموروثات والعادات التي تشل الحركة ، كما عليها التخلص من الشكليات المرتبطة بلباسها ومظهرها وسلوكها فلا تشغل نفسها بها ولتمضي بخطى واثقة مرفوعة الرأس في العمل والسوق والجامعة وحتى خارج وطنها فهي العمانية التي أعطاها الوطن وينتظر منها الكثير .
لا يجب أن يكون الأمر كالدخول في معركة لابد فيها من خاسر ، ولكن هناك من يحقد على بعض الندوات والحقوق ولا يتأملون في ( أطنان ) الحريات وخيرات الحياة الآمنة المتوفرة لديهم فبينما يسير الرجل وحيدا في منتصف الليل غير عابئ بشيء ولا يعاني من ظروف تعيشها المرأة وتتفتح له ظروف الحياة ليقرر حياته كيف يشاء لدرجة أن يقوم في إحدى الديانات ليحمد ربه أنه لم يخلق أنثى أمام كل هذا يرون في النزر اليسير من حقوق المواطنة والعيش بكرامة تحت كنف مجتمع وحماية قانون هي مبالغات وفائض عن حاجة المرأة ليحمدوا الله كل صباح كونهم رجالا وليتركوا لنا أيضا كل صباح .. الأمل الواسع لإحداث نقلة نوعية ففي زمان ما ربما من نصيب الأجيال اللاحقة حياة أكثر متعة ، لقد وصلت المرأة الأمريكية لما هي عليه بعد ثلاث أجيال من النضال .. كم جيلا نحتاج نحن ؟!.