العلمانية بداية الطريق لتحرير المرأة العربية



سامية نوري كربيت
2010 / 4 / 2

العلمانية ابتداء تعني فصل الدين عن الدولة والمقصود هنا هو فصل المؤسسات السياسية عن المؤسسة الدينية وعدم فسح المجال لرجال الدين لفرض أرائهم الدينية على الحياة السياسية بكل ما تشمله من مؤسسات سياسية وسلطات إدارية , وخاصة السلطات القانونية أو القضائية وجعل كل القوانين التي تنظم الحياة العامة للمواطنين بعيدة عن التشريعات الدينية بل تكون كل مؤسسات الدولة خاضعة لقوانين وضعية تخدم مصلحة المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعقائدية والجنسية والطائفية ، وبمعنى أكثر شمولية حرية التدين وعدم فرض الدولة دينا معينا على الناس وان تقف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان على أساس أن الاعتقاد الديني هو قضية شخصية بحتة وعلاقة خاصة بين الإنسان ومعتقده ولا يحق لأي كان التدخل في ذلك الاعتقاد وفرض معتقدات أخرى عليه .
والعلمانية لا تعني إلغاء الدين كما يروج لذلك المتطرفون من جماعات الإسلام السياسي المنضوين تحت شعارات حاكمية الله أو من المؤمنين بسلطة ولاية الفقيه ، والمدفوعين في ذلك من خشيتهم بفقدان امتيازاتهم وسلطاتهم التي تمتعوا بها على مر التاريخ , مستندين على دعم العوام المغفلين الذين ليس لهم من الدين سوى اسمه وشعاراته كما يملى عليهم بمنظور سياسة القطيع والقائمة على تفاسير تتلاءم مع أفكار رجال الدين المدفوعة بأغراض شخصية ومصالح ذاتية ، وفي الحقيقة إن العلمانية في موقع انبثاقها في العالم الغربي لم تؤدي إطلاقا إلى إلغاء الدين بل على العكس من ذلك تتمتع شعوبها بحريتها المطلقة في اعتناق الدين الذي ترغب به وحرية إقامة الشعائر الدينية وتحت حماية الدولة ، بل أكثر من ذلك تقوم الدولة بتنظيم زيارات مجانية للراغبين إلى دور العبادة من كنائس ومساجد ومعابد يهودية وبوذية وهندوسية لتعريف كل من يريد الاطلاع على أساسيات تلك الأديان لكي يكون حرا في اختيار الدين الذي يريده والذي يتلاءم مع منطلقاته الفكرية بدون قسر أو إكراه .
لقد تم استعمال كلمة علمانية في عالم الفلسفة السياسية للدلالة على فصل الدين الغيبي عن أمور الحياة عندما تم التوقيع في أوربا على صلح وستفاليا عام 1648 لإنهاء الحروب الدينية بين الدول الأوربية التي عصفت بأوربا على اثر الانشقاق في الكنيسة الكاثوليكية وظهور البروتستانتية كمذهب جديد في المسيحية ، وكان من اثر هذه الاتفاقية أنها عملت على إنهاء الاستبداد الديني فكانت بداية مرحلة جديدة أسست لتطورات متعاقبة في الحكم عبر التداول السلمي للسلطة وإتباع النظام الديمقراطي في إدارة الدولة سياسيا وأبعاد الدين عن القوانين التي تنظم شؤون الحياة العامة ، وبدأت العلمانية بالانتشار في كثير من دول العالم خاصة الغربية ولكنها رفضت من الأنظمة الدينية الاستبدادية والبعيدة عن التفكير الحر والمشبعة بالأفكار القبلية المتخلفة والذكورية المتسلطة لان تحقيق العلمانية يعني انحسار دور وهيمنة الطبقة الدينية على الساحة السياسية .
إن علاقة العلمانية بالمرأة إذا ما طبقت تتمحور في جانب مهم جدا هوالغاء التشريعات التي تأخذ صفة القانون باعتبارها نصوص منزلة والتي هي بالأساس اجتهادات رجال دين ومتبني الثقافة الذكورية المتوارثة من عهود لم يعد لها قبول في عهد الانفتاح الفكري وانتشار مفاهيم حقوق الإنسان واحترام الحرية الفردية , تلك التشريعات التي ضمنت دساتير الدول الإسلامية وقوانينها لتقييد حرية المرأة ومصادرة حقوقها ووضعها في موقع أدنى بكثير من الرجل وسلبها حقوقها المدنية باعتبارها غير مؤهلة للقيام بدورها الإنساني والمدني والاجتماعي ومن ثم الفكري والسياسي , وليس أدل على ذلك من تلك القوانين المجحفة بحقها كالطلاق والمكرس بيد الرجل وحده بدون سبب حقيقي يستوجب ذلك , بالرغم من إيماني المطلق من إن الطلاق أو الانفصال بين زوجين لا يجمعهم شئ مشترك هو ضرورة أخلاقية تمليها المصداقية المطلوبة في العلاقات الإنسانية مهما كان نوعها مع المحافظة على علاقة تواصل في حالة وجود أطفال , أما فيما عدا ذلك فيجب أن يكون الطلاق لأسباب موجبة وليس لان المرأة لم تحقق للرجل رغباته التعسفية والسادية والمصلحية أو القبول بنظرته الدونية لها ومعاملتها كقطعة أثاث في البيت دون الالتفات إلى رغباتها أو مراعاة مشاعرها ورميها عندما تنتفي الحاجة إليها , علما إن الطلاق يفرض على حياة المرأة واجب القيام بدورين في الحياة دور الأب ودور الأم خاصة في تربية أبنائها وحدها بدون أدنى اهتمام من قبل الأب مما يعرضها إلى ضغوط نفسية تؤثر بشكل مباشر على حياة الأطفال وتترك بصمات قوية على شخصيتهم وتوازنهم النفسي والاجتماعي والتي تنسحب سلبا على المجتمع .
ومن الأمور التي أجدها تنطوي تحت مفهوم الاهانة والاستهانة المفرطة جدا بحقوق المرأة هو خضوعها لتشريعات أو قوانين ما يسمى ببيت الطاعة والتي تساق فيها المرأة كالشاة إلى مذبحها تحت سياط أوامر المحاكم وبتنفيذ صارم من قبل الشرطة المحلية , لا فرق في ذلك بينها وبين أي مجرم القي القبض عليه فسيق للسجن الحكومي وتساق هي للسجن الزوجي حتى لو كان بيت الطاعة ذلك عبارة عن ما يشبه مكان مخصص لعيش الحيوانات , وهناك الكثير من الأدلة والشواهد المثبتة في المحاكم والتي سمعتها من النساء اللواتي تعرضن لتلك المحنة . ولدينا أيضا ما يسمى بقانون النشوز والخاص بالمرأة التي يرفض زوجها إن يطلقها مع استحالة الحياة الزوجية بين الاثنين ومعاقبتها بتركها حبيسة إرادته لا هي مطلقة ولا هي معلقة تعاني سجنا إجباريا فرض على حياتها وخنقا لحرية تقرير مصيرها بعلاقة زوجية أثبتت فشلها , والانفصال في حالة حصوله يخدم مصلحة الطرفين بالمفهوم الحضاري للحياة الزوجية . والأجراء المخزي الأخر هو رفض سفرها إلى الخارج إلا بموافقة زوجها وعدم السماح لها بالسفر بدون محرم وهو طبعا حامي الحمى والمحافظ على شرف التي رافقها وكأن التي ترغب بالسفر ليست أما أو أختا أو زوجة لها من التقدير والاحترام ما يوجب على الرجل احترام حريتها والاستغناء عن مفهوم الرقابة لان الرقابة تنبع من الذات ولا تفرض من الخارج كما يعتقد الرجل الشرقي المتخلف والذي يؤمن بان المرأة الشرقية توجب مراقبتها وفرض القيد على تحركاتها كما كان يجري في أوربا أيام حزام العفة خلال العصور المظلمة من تاريخ أوربا , إن فقدان الثقة بالمرأة هو دليل واضح وإدانة ثابتة يقدمها الرجل الشرقي عن نفسه لان الرجل يدرك بان المرأة الشرقية مغدورة ومقيدة وحريتها مصادرة فيخاف من انطلاقها أو انتقامها من الذي سجنها في الوقت الذي فيه أن الوقائع تثبت انه إذا كانت المرأة مشبعة عاطفيا ومنحت من الرعاية والاهتمام والتقدير الذي تستحقه فلن تفكر مطلقا بالجنوح ولن تحتاج إلى من يفرض عليها الطوق في الوقت الذي فيه يجب أن يكون طوقها احترامها لنفسها واكتفائها العاطفي الذي منح لها بدون منة بل كواجب طبيعي يمنحه الرجل لها منطلقا من وازع أخلاقي ودوافع طبيعية .
طبعا هناك الكثير من التشريعات والقوانين لايتسع لها المجال في هذا المقال لطرحها والتي تسئ إلى كرامة المرأة وتجعلها تشعر بالدونية وعدم الاحترام الواجب منحه لها باعتبارها إنسانا خلق لأداء رسالة سامية في الحياة وعدم وضعها في المكان الذي يتلاءم مع دورها المعد لها والذي يتجاوز جميع قدرات الرجل وإمكاناته , ولكن هناك موضوع أخير أجد من الضروري أن اطرحه وحدث لي شخصيا وجعلني أدرك مقدار الاستهتار والبعد عن المفهوم الأخلاقي الذي تمتاز به قوانيننا ليس فقط بحقوق المرأة كانسان بل بكرامتها الشخصية , عندما ذهبت قبل عدة سنوات إلى احد البنوك لفتح حسابات شخصية لأولادي القصر ومن أموالي الخاصة ففوجئت بموظفة البنك تخبرني باني استطيع أن افتح لهم حسابات ولكن لا يحق لي بعد ذلك سحب أي مبلغ إلى أن يبلغوا أولادي سن الرشد بحيث يستطيعون هم في ذلك الوقت التصرف باموالهم فقلت لها بان ليس لدي مانع لان هدفي كان ذلك ولكنها أكملت تعريفي بقوانين الدولة فيما يخص الموضوع وهو أن والدهم يملك الحق في سحب تلك الأموال دون الرجوع لي أو لأولادي إذا ما كانوا لايزالون دون السن القانونية فسألتها ولنفرض إن والدهم توفي فماذا سيكون الحل أجابتني بان جدهم يستطيع لأنه سيصبح وصيا على أولادي وإذا كان الجد متوفي يصبح عمهم وتستمر السلسلة في جميع رجال العائلة بامتلاك الحق في الوصاية وفي سحب تلك الأموال باستثنائي , انتابني في تلك اللحظة شعور بامتهان شديد لكرامتي وإحساس مقرف من قوانين اقل ما يقال عنها أنها لاتمت بصلة إلى عالم الإنسان المتحضر ولن أزيد أكثر ووافقت على إيداع الأموال واترك لخيال قارئي العزيز ليخمن مصير تلك الأموال وكيف سحبت قبل بلوغ أولادي السن القانونية .
إن العلمانية ليست هي وحدها الأداة الأولى لحل جميع مشاكل المرأة العربية ولكنها بداية الطريق لنيل حقوقها المغتصبة , إن معاناتها أكثر بكثير من وجود تلك القوانين الجائرة , وان حقوقها وحريتها بحاجة إلى ثورة تنفض الغبار عن العقول التي علاها الصدأ وعشش فيها خرافات وأساطير مخلفات ماضي اقل ما يقال عنه عفن , ثورة تليق بها كرائدة لنهضة ليست نسويه فقط بل شاملة لتعديل مسار مجتمع طال زمان كبوته وانحرافه وضياعه في متاهات التصورات والأحلام والبطولات التي توجد فقط في خياله المريض .