فقر المرأة



هيفاء حيدر
2010 / 4 / 7

شكل الفقر و عبر مراحل التاريخ المختلفة المشكلة ذات الأبعاد الأقتصادية و الأجتماعية و الثقافية و السياسية التي كانت الأقرب و الأكثر تأثيرا" على حياة المرأة و على مصير اسرتها و خاصة في تلك الحالات من الأسر الذي يغادر الرجل مكانه طواعية منها, و يترك للمرأة دفة الأمور في قيادة أسرة و أطفال لم يختاروا هم المجيء الى هذه الدنيا و لم تختار الأم كذلك طواعية أن تتحمل عبء ما تقتضيه هذه الأسرة والتي تصبح معيلتها الرئيسة . حتى لو اختلف المفهوم و تعددت تعريفاته باختلاف الظروف و تعدد الثقافات يبقى على صلة وثيقة بما تعيشه النساء و خاصة تلك التي تأبى حياتهن أن تغادر خط الفقر المرسوم بعناية فائقة و المحدد حسب المواصفات و المقاييس العالمية و التي لا نستطيع من خلاله أن نقيس مقدار العذاب الذي تعانيه المرأة و لا مقدار الجهد الذي عليها أن تقوم به كي لا يخرجها خط الفقر من حيزه ويرمي بها على هوامشه لتسعى من جديد رحلة الوصول اليه كي يسمح لها أن تتفيء بظله و ترغد بنعيمه .
أليس هو الخط الذي يمكننا من معرفة مقدار انخفاض منسوب مستوى المعيشة للفرد منا لدرجة عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة المطلوب . فمن أقدر من النساء على تقدير هذا الخط و رسم معالمه حيث يمتلكن بالفطرة مهارات القياس و التقدير لكميات التقطير التي من المفترض ممارستها يومياٌ حتى لا تزل القدم وتنحدر تحت الخط هكذا هن النساء يحافظن بهدوء للبقاء على مستوى المعيشة الذي من المفترض أن يبقى مرغوباٌ أو مقبولاٌ اجتماعياٌ.محافظاٌ على منسوب الترشيد لخط فقر الأسرة بحيث لا يؤدي الى مزيد من الحرمان من الطعام الذي يحتاجه الجسم بحدوده الدنيا, وليس هذا وحسب وأنما هناك تبعات لا بد منها لأنعكاسات الفقر تتحمل النساء منا
سبل مواجهتها ذاك الشعور المستلب للذات وذاك الأغتراب الذي تعيشه الأسرة و تعيشه المرأة بكل التفاصيل مع كل فرد منها , وضع يفرض نفسه بقوة في المحيط الأجتماعي بأنواع عدة من التمييز و التهميش و هي تلهث طوال حياتها لتأمين لقمة العيش لها ولأسرتها ,انها المرأة الأقدر على تحديد وتعريف الفقر وخطوطه المتعددة و التي رسم جلها على أكف اليد و خطوط الجبين لكن ليس من باب المرسوم على الجبين لابد أن تراه العين فهذا ربما يكون مكتوب في سفر التكوين الأول ,انما من وجهة اخرى للنظر
أن المرأة أصبحت بحكم هذا التكوين الجديد للعلاقات الأقتصادية والأجتماعية المتكونة عنها قد وضعت في أول اولوياتها الأسرة وتقوم بمسؤلياتها الحقيقية و تتحمل تبعات ذلك في دور كان من المفروض بحدوده الدنيا أن تتقاسمه المرأة مع الرجل.
لقد جاءت اللغة هنا لتخدم موقع المرأة ولتؤنث الفقر بمعطياته على أرض الواقع ليصبح الفقر بأمتياز حيزاٌ مملوكاٌ للنساء يضفي عليهن خصائصه ويدخلهن في دوامة البطالة المقنعة لتتأثر بذلك علاقات و سلوكيات النساء تبعاٌ على موقعهن من علاقات الأنتاج المهمشات فيها ليصبحن أسيرات واقع اجتماعي يمثل بعداٌ أخر للفقر من ضعف القدرات لديهن وتكبير للفجوات التي بينهما وبين الرجال في المجتمع , في ظل قوانين و معايير اجتماعية ثقافية تحد من تطلع المرأة نحو تحقيق و لو القليل من الأنجازات على سبيل
تحسين أوضاعهن على صعد شتى .
في مسعى لمحاولة فك هذا الأرتباط التاريخي ما بين الفقر و المرأة و الذي باتت المتغيرات الأجتماعية تفرض على المرأة و بقوة عناصر جديدة على مسار حياتها الخاصة و العامة في نفس الوقت, منها ما يصيب صميم مسؤولياتها ليمهد الطريق على صعيد التفكك في اسرتها و ضعف العلاقات الأجتماعية وغياب لأنواع الترابط و التضامن وهي ما زالت تراجع اولويات الحياة التي تركت تجابهها لهذا السبب أو ذاك للمغادرة الطوعية لرب العائلة , كلها نتائج تتلقى المرأة استحقاقاتها يوماٌ بعد يومٌ لتجد نفسها و قد أحاطت بها خيوط الفقر تغزل لها شبكة تكبر و تكبر , تحاول أن تتلمس حدودها فلا تجد لذلك سبيلا , تترك لها كوة من النور فقط ليعبر من خلالها ضوء النهار و القليل من الهواء الكافي لمتابعة العناء للبحث عن لقمة العيش .
كثيرة هن النساء اللواتي يعانين من وطأة خط الفقر و المنحنيات التابعة له , التي تقطعه المرأة في مرات عديدة ذهاباٌ و اياباٌ في رحلة يومها المضني ,أو تتقاطع معه في فصول ترسم الخط البياني الغير واضح المعاني لشبكات الأمان الأجتماعي من أجل الأبقاء على نبض التنفس و وتيرته للغالبية الساحقة من النساء التي تاهت بها سبل المقاييس التي باتت تقيس كميات الهواء المستهلكة حتى لا نتجاوز مستوى المعيشة الذي دأب المختصون على عدم المساس به كي لا تتعرض الأرقام و الأحصائيات لهزة من شأنها أن تغير من تحديد خطوط الفقر ويصبح الوضع رهينة حسابات مختلفة , وبما أن الموضوع يخص النساء و حياتهن فلسوف يكون هناك مزيد من الأضطهاد و التفرقة ليصبح حال النساء تحت أو فوق الخط سيان ما دام الفقر و الموت يتحالفان على ضحية واحدة .

هيفاء حيدر