مشكلة الفقر وضرورة تنمية الدور الاقتصادي للمرأة العربية



أمنية طلعت
2010 / 4 / 20


إن فقر المرأة في العالم العربي أصبح حقيقة لا يمكن إنكارها أو التغاضي عنها، وإن كان تفسيرُ أسبابِها مختلفٌ عليها، بين أسبابٍ ثقافيةٍ وسياسيةٍ وبين أثقالِ التراث وضغوط العصر. ولكن مما لا شك فيه أيضاً أن هناك ترابطٌ بين الوضعِ الاقتصادي للمرأة العربية وبين القوانين المعمولُ بِها في البلاد العربية، حيث مازالت المرأة العربية تعاني من تمييزٍ على مستوى الحقوقِ والتشريعاتِ.
ولكي تتضح الصورة قليلاً ومن خلال تقارير صدرت من البنك الدولي وغيرها من المنظمات العالمية حول الفقر في العالم العربي وفقر النساء بشكل خاص، نجد على سبيل المثال لا الحصر، أنه في عام 2002 تم اكتشاف أن 15% من الأسرِ الأردنية ترعاها إناث، وقد قدر مؤشر فجوة الفقر لتلك الأسر بحوالي 3.55%، أي أن متوسط إنفاق الفرد داخل هذه الأسر يصل إلى حوالي 301دينار أردني للفرد في السنة. بينما في مصر، فالمصيبة أكبر، حيث تورد دراسة أعدها دات وجوليف وشارما عام 1997 أن مؤشر تعداد الرؤوس للأسر التي ترعاها نساء قدر بـ 35.5% في الحضر وحوالي 36.3% في الريف، وقدر مؤشر فجوة الفقر للأسر التي ترعاها نساء بـ 8.4 % على مستوى القطر مقابل 6.2% بين الأسر التي يرعاها الرجال، والتي يبلغ تعدادها في الحضر 21.8% و28.1% في قطاع الريف. بالطبع النسبة المتبقية يتولى الإنفاق عليها كل من الرجال والنساء بالتعاون فيما بينهم. أما تونس والتي تتمتع فيها النساء بمساواة شبه كاملة في القوانين والتشريعات، فيورد التقرير الذي صدر عن البنك الدولي حول الفقر في تونس عام 2000 ، أنه لا يوجد ما يشير إلى انتشار للفقر بين أوساط الأسر التي ترعاها النساء، وأن انتشار الفقر بين النساء بشكل عام سواء في الريف أو المدن لا يزيد عن انتشاره في أوساط الرجال.
ووفقاً للأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية محمد الخمليشي، فإن المتغيرات العالمية التي أملتها العولمة وما نتج عنها من تحولات في معظم المجتمعات الإنسانية، فرضت تحديات ومهام متنوعة أمام فرص استدامة التنمية وتواصلها، وقد أفضت هذه التحديات إلى ضرورة الاهتمام النوعي بالتنمية البشرية على مختلف الاتجاهات، وأشار إلى أن دراسة موضوع " المرأة والفقر" تُواجَه بصعوبات علمية وإجرائية، نتيجة عدم توافر البيانات والمعلومات الدقيقة على أساس النوع، وان الفقر في المجتمع العربي هو نتيجة تراكمات تاريخية وثقافية واجتماعية، حددت فرص الذكور والإناث في التعليم والمعرفة والتشغيل، فضلاً عما أضافته المتغيرات السريعة والعميقة، من تداخل العوامل المؤثرة في أوضاع المرأة عامة، والمرأة الفقيرة بصفة خاصة.

مما سبق، يمكن لنا أن ندرك أن انتشار الفقر في البلاد العربية يشمل كل من الرجل والمرأة، ولكنه يمثل تحدياً أكبر على المرأة، التي تشارك بنسبة ليست بسيطة في إعالة الأسر، كما تتولى في بعض الحالات وبنسب متفاوتة إعالة الأسر بشكل عام. كذلك يعد وضع المرأة الفقيرة، أكثر إيلاماً من الرجل، فهي تعيش مثلها مثل الرجل في ظروف اقتصادية صعبة، وتعاني من متحيزات ثقافية وسياسات تحدُ من قيمة مساهماتها في التنمية، وهي إضافةٌ لما سبق، المسؤولة الأساسية عن رعاية الأطفال والأعمال المنزلية، إذ تلعب النساء دوراً إنتاجياً وإنجابياً في المنزل، فهي ليست مطالبة بالحصول على دخل للعائلة فقط، لكنها أيضاً مسؤولة عن النشاط اليومي الضروري لاستمرار الحياة اليومية للأسرة. ورغم كل ذلك، هي متهمة دائماً في كافة تحركاتها، ويتم التحرش بها سواء كان في الشارع أو مكان العمل، ودائماً ما يتم الاستخفاف بقيمتها وجدواها كإنسان حقيقي وفاعل في الحياة.

ولكل ما سبق، تعد المرأة أكثر حساسية للفقر، ما يوجب التركيز بنسبة كبيرة على تنميتها اجتماعياً واقتصادياً. والعمل على تحديث القوانين والتشريعات التي تحد من حركة نشاطها الإقتصادي في المجتمعات العربية، كما يوجب أيضاً ضرور ة تكثيف الأنشطة التوعوية داخل المجتمعات العربية لنشر ثقافة بديلة تعيد للمرأة مكانتها التي نصت عليها كافة الديانات السماوية وعلى رأسها الإسلام، وتظهرها في صورة إنسان مكتمل وغير ناقص، حيث دأبت المجتمعات العربية على التعامل مع المرأة وتصويرها على أنها كائن معاق لا يبلغ سن الرشد أبداً ولا يمكنه أن يتخذ قراراته بنفسه بشكل ناضج وسليم، رغم أن النساء العربيات أثبتن أنفسهن كعالمات وأديبات وعاملات في الكثير من المحافل الدولية، وأعتقد أن نبوغ العالمتين السعوديتين غادة مطلق المطيري وحياة سندي الذي ظهر مؤخراً وكان حديث الأوساط العلمية العالمية، لهو أكبر دليل حديث من داخل المنطقة العربية، على تساوي قدرات المرأة العقلية بالرجل، ما يضحد أي افتراءات ذكورية تدعي عدم قدرة المرأة على تولي زمام أمورها.....فقط يجب أن يتم فك القبضة الحديدية التي تكبل سيقان النساء عن الانطلاق في هذا العالم.
إننا نحتاج إلى تضافر كافة الجهود للقضاء على ظاهرة الفقر في المنطقة العربية بشكل عام، وعلى فقر المرأة العربية بشكل خاص، وذلك من خلال تمكينها اجتماعياً، والقضاء على أميتها، ودعم المشاريع الاقتصادية التي تعتمد على العمالة النسائية، والحرص على تعليم الفتيات المهن المختلفة ليتمكن من مواجهة صروف الحياة بقوة، ما يساهم بنسبة كبيرة في القضاء على العديد من الآفات المجتمعية التي نعاني منها والتي نلقي بلائمتها على كاهل النساء في حين أنهن مظلومات ولسن بظالمات. والأهم من كل ما سبق، إعادة النظر في أسلوب تربيتنا لبناتنا، فقد حان الوقت لكي نربي الفتيات على الاستقلال وعدم الاتكال على وجود شخص يعيلهن اقتصادياً، فالوضع الاقتصادي الراهن للعالم كله لا يسمح باستمرار تلك الثقافة، والتي تشكل ركناً أصيلاً في الثقافة العربية.