المرأة في عصر الإسلام وفي عصر آل سعود



علي فردان
2004 / 7 / 28

(26 ... كمسلمين نملك قناعة حقيقية بأن الإسلام كرّم المرأة وصانها وصان حقوقها، وما يذكر التاريخ عن دور المرأة في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفي عصر الصحابة إلاّ أمثلة بسيطة من ذلك.
إذا ما تحدّثنا عن المرأة وعن حقوقها في الإسلام فإن الإنسان يحس بغصّة تعتريه بسبب التشويه المقصود لمحاسن الدين من قبل الحكومات ومشايخ "الشرهات" المتطرفين الوهابيين والذين كرّسوا أفكار متطرفة مهينة لا يقبلها المسلم ولا يقبلها العقل السليم ولا المنطق.
لقد وصفوا المرأة بأنها مصدر كل شر وكل مفسدة، حتى وصل الأمر لوصفها بأنها عار، وأكثرنا يذكر كيف أن أصحاب هذه العقول عندما يريد أن يذكر زوجته في حديث، يقول "تكرموا أو يكرم السامعين" بمعنى أنها شيء لا يُشرّف وإنها دنس ومن العار. الأدهى والأمر هو تمرير تلك الأفكار المنحرفة ووصفها بأنها جزء من الدين الإسلامي الحنيف، ولهذا يعملون وبشكل مستمر لتغيير الوضع الاجتماعي بما يتناسب مع أفكارهم المريضة، وأولها هو منع النساء من الذهاب للأسواق بحجة أنها تثير الفتنة وإنها هي مصدر المشاكل الأخلاقية التي يعاني منها المجتمع. فأفكارهم تعدّت الكلام إلى العمل، فهاهم يصرّون على فصل النساء في كل مكان، من السوق إلى المستشفى وإلى الوظيفة، إلى الشارع، ولو أمكنهم لفصلوا المرأة من الوجود ودفنوها كما في الجاهلية، ولم أمكنهم لمنعوا المرأة من الخروج من البيت إلاّ في حالة نقلها إلى المقبرة لدفنها.
ففي عصر الإسلام لم تكن هناك هذه الفواصل، وأكبر دليل على تواجد المرأة مع الرجل كاشفة وجهها هو وجودها في الحج خلال طوافها بالبيت العتيق، لكن ذلك لم يكن ليُرضي هؤلاء المرضى مما أدى إلى نتائج عكسية نتائجها ظاهرة للعيان. لقد كانت المرأة متواجدة في السوق في زمن الرسول، وكانت تاجرة، وأكبر مثال هو خديجة أم المؤمنين عليها السلام، وكانت ممرضة تداوي الجرحى وكانت تقاتل، وكانت تُجيش الرجال للقتال (الدعم المعنوي) وكانت تبيع وتشتري وتقابل الأمراء وتقرض الشعر، ولم يؤثر ذلك على عفافها وتميزها وخصوصيتها.
أماّ الآن، فنحن نعيش عالم الأهواء والإرهاب والتطرف، وكل ذلك باسم الدين، ولا تزال المجموعة الإرهابية الوهابية والتي تدعم الظلم والظالمين من الحكّام وتسميهم "أولي الأمر"، إلاّ مثالاً واضحاً لما تملك هذه الفئة من أفكار مخالفة للدين. فهاهو الشيخ الوهابي سعيد بن هليل العمر مدير المعهد العلمي بحائل في تصريح له عن المظاهرات (صحيفة الرياض) يطعن في من قام بالمظاهرات السلمية وقال إن المظاهرات لم تكن في زمن الصحابة، وإنها من عادات الكفار وإنها بدعة، وإن من يقودها النساء وإن المظاهرات هي مكان لكل كافر وملحد ومبتدع ويكفر الصحابة ويتبرك بالقبور، وهو هنا يعني الشيعة.
طبعاً نشر هذا الحديث وفي صحيفة شبه رسمية يعني موافقة على ما قال، وكيف لا توافق وزارة الداخلية على كلام يطعن في كل فئات الشعب فهم كفرة ومبتدعين و"من زاغت قلوبهم أو تتلمذوا على أيدي الغرب"، فلا حقّ لهم سوى ما تراه الحكومة حقاً، ولا باطل إلا ما يراه "ولي الأمر" باطلاً. وعلى هذا المنوال سارت ولا تزال تسير هذه الحكومة التي همّشت دور المرأة إلى حد أصبحت فيه المرأة تعاني الأمرين، فمن ناحية التعليم فهي محدودة بتخصصات لا تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة، وإذا ما أرادت التنقل، تحتاج لإذن "ولي أمرها" وإن كان ذلك إذناً من ولدها الذي لم يبلغ الحلم بعد.
وإن أرادت الذهاب للسوق، وصلتها كلمات الإرهابيين من رجال الهيئة، هذه الكلمات تطعن في شرف وعفاف نساءنا وتحت مرأى ومسمع من حكومة "ولي الأمر" وربما يصل الأمر إلى اعتقال النساء وأخذهم إلى مراكز الهيئة حيث يتم إشباعهم من الكلام القذر والمليء بالإيحاءات الجنسية، ويصل إلى الاعتداء عليهن. وفي المدارس والجامعات، يزداد الوضع سوءاً، فرجال الهيئة الأشاوس، عفواً، الإرهابيين، واقفين في انتظار فريستهم بنظراتهم السافلة وشتائمهم وضربهم للطالبات بحجة صيانة العفاف والخصوصية التي أنزلها الله على هذه البلاد فقط. وكل ذلك باسم الإسلام والإسلام منه براء، براءة الذئب من دم يوسف.
من الناحية الأخرى، المرأة ممنوعة من قيادة السيارة، بحجة أن ذلك فتنة أيضاً وحرام ويخالف العادات والتقاليد، وآخر تلك الأخبار والمعلومات المريضة، هي عدم ذكر المرأة في موضوع الانتخابات البلدية القادمة والتي كما تدّعي الحكومة سيتم انتخاب نصف المجالس البلدية. لماذا لم يتم ذكر المرأة في أنها مثل الرجل تستطيع الإدلاء بصوتها؟ إن من يرضى باستثناء المرأة في مجال الانتخاب هو شخص غير سوي يريد تهميش نصف المجتمع ويخالف المبادئ التي يتحدث عنها باستمرار. فالذين بايعوا الرسول كانوا رجالاً ونساءً، ولا يوجد في الدين أي استثناء للمرأة في الحقوق والواجبات، إلاّ في بلاد "الخصوصية والعادات والتقاليد" والتي ترضى بأن يحكمها سلطان جائر لأن له الغَلَبة لا لأنه الأصلح ولا لأنه يطبق أحكام الدين، وسبب آخر هو أن هذا السلطان يكيل لهم الملايين من الريالات والهبات والهدايا، كما كان أسلافهم من بني أمية وبني العبّاس يعملون مع أتباعهم الذين باعوا آخرتهم بدنياهم.
إن المرأة تُمثِل نصف المجتمع وأكثر، وتقوم بتربية النصف الآخر من المجتمع، فكيف لنا نصف أمّهاتنا بالعار والشر وإنها مصدر الفتن والقذارة، وإنها هي الشيطان، في الوقت الذي نتحدث عن سماحة وعدالة الدين وإنه كرّم المرأة، ولا أدري كيف لهؤلاء المرضى يتحدثون عن تكريم المرأة وهم يشكّون في جميع تصرفاتها وأنها ليس أهلاً للثقة وإن إتاحة الفرصة لها في الخروج معناه الفساد، فهؤلاء المرضى من علماء السلاطين، يرون كما يرى السلطان، بأن مكان المرأة السرير، كما قيل لغيداء الشريف على لسان وزير الداخلية.
إذاً، لا فرق هناك بين ما تراه الحكومة، وما يراه أهل الأهواء من علماء السلاطين، الذين يدافعون عن الظلم والفساد وقتل الأنفس البريئة وسرقة مال المسلمين وإهانة المرأة وتهميش دورها وكأنها ليس إنساناً له روح وعقل وله من الحقوق وعليه من الواجبات ما على الرجل. للأسف الشديد، فقد انضم لهذه المسيرة العرجاء العديد من دعاة الإصلاح والذي إن لم يكن موافقاً على ما يحصل وحصل، فإنه غض الطرف عن حقوق المرأة، وتنازل عن مبادئه التي كان ينادي بها من المساواة في الحقوق والواجبات، فلم يعد يذكر ما تم التحدث عنه بالأمس.
إن من يرضى بعزل المرأة وتهميش دورها الاجتماعي والسياسي ويرضى بعزل المرأة عن المشاركة في الانتخابات أو في أي مجال آخر لهو شخص لا يستحق منّا سوى الاحتقار، خاصةً في الوقت الذي نرى فيه الدول المجاورة ترعى انتخابات كاملة ونزيهة تشارك فيها المرأة على قدم وساق مع الرجل، وتدخل الانتخابات وتتأهل لمناصب وزارية عُليا، ولم يؤثر ذلك على تمسّكها بدينها والتزاماتها تجاه بيتها ومجتمعها. أن المجتمع ككل والإصلاحيين والأكاديميين ودعاة حقوق الإنسان والمساواة والحرية في الوطن وخارجه مدعوين لرفض التوجه العنصري ضد المرأة والذي تمارسه الحكومة بمباركة التيار السلفي المتطرف والذي لا يهمه مصلحة الوطن ولا مستقبل الوطن بقدر ما يهمه الحفاظ على "مكتسباته الشيطانية" والتي استمرت لعشرات السنين، وآن لها الآن أن تزول. آن لها الآن أن تزول حتى ينعم الوطن بجو التسامح والتآخي والمساواة والحرية والرفاه.
يوليو 2004 م