تكريم الإسلام للمرأة



وضحى بنت سيف الجهوري
2010 / 5 / 6

تكريم الإسلام للمرأة
على امتداد التاريخ المليء بحقائق حول قيام ونهوض دول وحضارات وأفول أخرى ، كانت المرأة بقضاياها ماثلة بقوة وكان دائما الوضع الذي تعيشه انعكاسا لأوضاع مجتمعها، فهي الصورة الحقيقية لمجتمعها .. قول لي وضع المرأة في أي مجتمع لأصنفه لك تنمويا .. هذه الحقيقة التي خلصت لها وأثق بها تماما .
فالمجتمع الذي يفسح المجال للمرأة لتشارك في قضاياه ومشكلاته و شئونه العامة ، المجتمع الذي يفسح المجال للمرأة لتنال حقها في العلم والعمل والإسهام في تنميته هو مجتمع متقدم في شتى مجالات الحياة ، مجتمع قوي لأنه ساوى بين رجاله ونسائه ، وسعى لتكون المشاركة واختيار الكفاءات وتأهيلها لا يخضع لجنس دون آخر ، فالكل يعمل حسب طاقته وقدراته وإمكاناته ومواهبه ، وهذه ليست نظريتي بل قانون الحياة .
إن النهضة لا تتم إلا بعد فترات من القهر والظلام والأذى ، وكذا كانت الجزيرة العربية قبل مجيء الإسلام ، وعندما جاء الإسلام وغير من سلوكيات الأفراد كان ذلك في كافة مجالات حياتهم ، أي أن النهضة وضعت يديها على كل ما يرتبط بشئون حياتهم المظلمة لتدفعها إلى النور .
وعندما نتحدث عن تكريم الإسلام للمرأة فنحن نتحدث عن عنصر من عناصر البناء والتقدم في المجتمع العربي آنذاك ، أي أن انتشال المرأة من الإذلال الذي كانت تعيشه قبل الإسلام ما هو إلى بند في إستراتيجية متكاملة تضم كافة مناحي الحياة ، وبالتالي يكون النهوض نهوضا شاملا وليس منقوصا في أحد دعائمه الأساسية والتي سيؤدي تجاهلها إلى أن يكون البناء شكليا مفقود الروح والجوهر.
إن الصورة التي أصبحت عليها المرأة بعد ظهور الإسلام ما هي إلا دليل على تكريمه لها ، وكان ذلك بشكل مذهل بالنسبة لجميع أفراد المجتمع العربي آنذاك حتى أن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب قال : (كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا فلما جاء الإسلام، وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقا).
وبالنسبة لجوانب تكريم المرأة في الإسلام نجد منظومة متكاملة من القوانين المنظمة لحياة المرأة كزوجة وكأم وكانسان يجب مراعاة وتكريم إنسانيته وكأخت للرجل في تسيير دفة الحياة وبناء الأمم، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن الإسلام كرم المرأة كزوجة فللزوجة على زوجها حقوق يحميها الشرع منها : المهر والنفقة عليها بالمعروف ، والسكن والملبس كما أن لها حرية اختيار الزوج كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تُنكح البكر حتى تُستأذن ولا الثيب حتى تستأمر).
ومن تكريم المرأة بنتا أو أختا،نجد ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم "من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، أو بنتان أو أختان، فأحسن صحبتهن، وصبر عليهن، واتقى الله فيهن، دخل الجنة" وفي حديث آخر "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين.. وضم أصابعه".
وما على الواحد منا سوى أن يتمعن في جمل هذا الحديث ليلحظ إلى أي درجة كرّم الإسلام المرأة ، ونظر إليها كمساوية للرجل " فأحسن صحبتهن " والصحبة تأتي بين الأفراد المتساويين فكريا وعقليا وليس المختلفين عن بعضهم من حيث أن أحدهم أرفع مكانة عن الآخر.
وفي تكريم المرأة أما، فحسبنا وحسبها فيه ما جاء في الرواية المشهورة "الجنة تحت أقدام الأمهات"، وجاء في حديث آخر حين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحق الناس بحسن الصحبة؟ فأجاب: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك".
إن ترديد ذكر الأم من الرسول عليه الصلاة والسلام وتفضيلها على الأب لدليل واضح على أهمية دور المرأة الأم وأنها ليست مجرد تابع مهان كما كانت تنظر إليها الحضارات القديمة أي مجرد آلة للإنجاب وقضاء الشهوات ، وهي نفسها الدعوة التي يطالب بها الكثير من الرجال بأشكال مختلفة للتمويه عن حقيقة نواياهم .
بل أن البعض بكل سذاجة يعللون تفضيل الأب بقولهم أن الأبناء ينسبون للأب متناسيين أن السبب لذلك هو الحفاظ على الأنساب ليس إلا، ففي وضعية الأسرة من السهل تحديد مجموعة من الأبناء وانتسابهم لأم واحدة فهي التي تلدهم ، ولكن المشكلة أنه عند نسبهم للأم من الصعوبة التعرف على والد هؤلاء الأبناء ذلك دليل على أن دور المرأة كبير وبالتالي كان يجب نسبهم للرجل لأن دوره أكثر تحديدا .
إن نسب الأبناء للأب يأتي كنوع من تنظيم الأسرة في الحياة الاجتماعية ، ولكن هذا السبب يصبح لا جدوى له في الحياة الآخرة حيث ينسب الأبناء إلى أمهم ويتم مناداة الرجل بأمه ، لأنه النسب الأقوى والأكيد فكل إنسان معروف من هي أمه ، فهي التي أنجبته من أحشائها ، عكس الأب ، فالمسألة هنا تنظيمية ولإثبات الأبوة لتنظيم الحياة في المجتمع وليس لإثبات العلو والفوقية .
ومن الأمثلة على علاقة الرجل بالمرأة ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
إن الإسلام ينظر للمرأة مساوية للرجل ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنما النساء شقائق الرجال ".والحقيقة أنني عندما أقرأ وأعرض أحاديث وآيات قرآنية حول تكريم الإسلام للمرأة ومساواتها بالرجل أتعجب من تحجر عقول البعض من الذين يدعون الالتزام الديني وفي نفس الوقت يحاولون التقليل من شأن المرأة ، وربطها بالبيت كقطعة من أثاثه ، أتساءل لو أن الإسلام لم يأتي بهذا الكم الكبير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة حول المرأة فماذا سيكون وضعها؟ .
بل أنهم عندما يسمعون للدعوات المنطقية حول أدوار المرأة في المجتمع ومساواتها بالرجل يقولون نعم هي مساوية له ولكن وهي في بيتها .. فماذا سيضيف الركون في البيت للمرأة رغم أن أمهات المؤمنين لم يركن في البيت ؟ ما الخبرات التي سيضيفها لها وسط شعور قاتل بالفراغ ، لنفرض واقعية مقولة رعاية الأطفال ، إن مرحلة رعاية الطفل محددة بسنوات معينة بعدها يخرجون للحياة فماذا تفعل المرأة باقي وقتها ومن المعلوم أن أعمال المنزل لا تأخذ جل وقتها .. فأي ظلم يريدونه للمرأة في كل هذه الدعوات وأي حياة يعيشها آدمي بين جدران المنزل وهو ما لا يرضاها الرجل لنفسه ،وإذا انطبق هذا على المرأة الأم .. ماذا عن العوانس وما أكثرهن ؟ ماذا عن الأرامل وما أكثرهن ؟ماذا عمن لا ينجبن وما أكثرهن ؟ ماذا عمن كبر أولادها وما أكثرهن ؟.. لماذا يؤطرون دور المرأة وما فعل الإسلام ذلك ؟
القضية واضحة وسهلة إنها الرغبة الدائمة في السيطرة لدى البعض الرغبة في أنثى مستأنسة وأبناء مستأنسون وزملاء عمل مستأنسون وتحت الخدمة .. رغبة ممزوجة بالخوف من وجود الند الذي يكشف العيوب ونقاط الضعف وبالتالي يبقى حلم العيش مع الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة وحدهم الضعفاء يُشعِرون هذه النوعية بالراحة والقوة والرفعة .
إن الرغبة في إبقاء المرأة بين جدران منزلها هي رغبة في إخضاعها وإذلالها ، إنها العودة لعصر الحريم .. بل عودة لجهل حضارات قديمة بالية جاءت قبل الإسلام من يونانية ورومانية وغيرها، وهذا النكوص يحمل أشكال مختلفة ضد المرأة سواء من أولئك الذين يدعون تقييد المرأة أو أولئك الأكثر شرا والذين يروجون للحرية الجسدية .
وكلا أصحاب الحالتين يروجون للفساد والظلم ، بينما الحقيقة أن المرأة اليوم في أمس الحاجة لتلمس الصواب في ظل حياة عصرية أكثر صعوبة ، خاصة المرأة العربية الواقعة بين ماضي تليد من التقييد .. ماضي الحريم التي تتمتلئ بها القصور ، وواقع مشحون بهموم الحياة المتسارعة واللهث خلف الماديات .
لا يزال عقل المرأة العربية حلبة صراع بين ما يجب القيام به وما يجب تركه ، وهو ملحوظ لدى التعامل مع النساء العربيات وملحوظ أكثر مع جلسات النقاش والمصارحة ، وهذا الصراع الداخلي لا يعفى عنه الرجل العربي اذ يعيشه بكافة صوره نظرا لظروف اجتماعية وسياسية وتاريخية عاشها الجنسين معا وشكلت شخصية كلاهما .
المرأة العربية بحاجة ماسة لرؤية مختلفة حول قدراتها ، وقبل كل شيء بحاجة لأن تعامل من جانب إنساني ، وعندما أقول إنساني فهي الكلمة بأسمى معانيها ، وليس كما يعتقد البعض في أن ندفع عنها الأذى الجسدي والعنف .. إنما الصورة الإنسانية التي تحفظ للإنسان عقليته وفكره وثقافته وأحقيته في الحياة وتحقيق الذات .
" النساء شقائق الرجال " هذا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ، الكلمات واضحة والمعنى واضح ولكن البعض يتعمد تجاهل مثل هذه الكلمات المأثورة ويتذكر ما يريد أن يتذكره مثل قول الرسول " النساء ناقصات عقل ودين " رغم أن القصد من الحديث معروف والمعنى الذي يريد أن يشير إليه خير البشرية واضح وهو بعيد كليا عن كون الرجل أكثر ذكاء أو أن مخه يحتوي على إمكانات أوسع ، وهذا ليس كلامي بل ما توصل إليه العلم الحديث ، من تساوي الجنسين في القدرات العقلية وحتى إن تفوق جنس عن آخر في قدرات عقلية محددة فالجنس الآخر يتفوق في قدرات أخرى وهكذا .
لقد كرم الإسلام المرأة ورفع شأنها " ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى كل من يدين بدين الإسلام ، ويسابق في أداء الفروض أن يلتزم بواجباته اتجاه المرأة كما فرض الإسلام عليه ، وليس كما تحتمه القوة الجسدية في فرض القوانين ، وهو ما كان يحدث ولا يزال في الكثير من شؤون حياتنا ، ومثال ذلك أن الإسلام أعطى المرأة حق الخلع في حالة الأذى أو عدم إمكانية الحياة مع الرجل ، وهو ما حدث فعلا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن استغلال القوة الجسدية والسيطرة لدى الرجل وقفت عائقا لقرون عن تنفيذ ذلك في القوانين الموضوعة ، ولم يتم إقرار ذلك إلا قريبا ، أي أنه وطوال سنوات مضت، كان البعض ممن يفترض أنهم وضعوا قانون الخلع ضمن القوانين المشرعة من الإسلام والتي يجب تطبيقها، تكتموا عنه رغبة في تحقيق مصالحهم الشخصية المرتبطة بإخضاع المرأة والخوف من منحها حقوق تؤذيهم ، وهذا الأمر يتكرر بأشكال مختلفة في العديد من الحقوق التي يفترض أن تمنح للمرأة .. إذ هل يعقل أن يتم تطبيق قانون بعد مضي قرون على إصداره من خلال وقائع عملية حدثت في صدر الإسلام ؟.
ثم ألا يفترض أن يأخذ هؤلاء الباحثين عن مصالحهم إلى سلوكيات الرسول صلى الله عليه سلم والصحابة رضي الله عنهم ، الذين لم تمنعهم مآربهم الشخصية من الخضوع إلى أوامر الشريعة الإسلامية ، فهذا الصحابي الجليل عمر بن الخطاب كان يتمنى على زوجته عاتكة بنت زيد وهي ابنة عمه أن تصلي بالمنزل وتترك الصلاة بالمسجد ، ولكنه يخضع لشرع الله وسنة نبيه ويسمح لها بالتوجه للمسجد .
والأمر يتكرر في حال الرغبة في منع المرأة في مزاولة أنشطة مجتمعية مختلفة ، إذ يرفض البعض تولي النساء بعض الأعمال الإدارية والقيادية متحججين بقول الرسول " ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " رغم علمهم أو بمعنى أصح تجاهلهم حقيقة أن هذه المقولة وردت ضمن سياق حادثة معينة .
إن المرأة مساوية للرجل بإنسانيتها وفكرها وأحقية الحياة بكرامة وقدرة في تدبير شؤون حياتها ، ومظاهر تكريم المرأة في الإسلام عديدة كما سبق وذكرت إضافة لمساواتها بالرجل في أهلية الوجوب والأداء ،وأثبت لها حقها في التصرف ومباشرة جميع الحقوق كحق البيع والشراء والتملك وغير ذلك.
وكرم الله المرأة حين أخبرنا أنه خلقنا من ذكر وأنثى وجعل ميزان التفاضل بيننا هو تقوى الله قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}.
وكذلك ذكرها الله مع الرجل فقال تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً}.
ومن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة أن اعتنى بشؤونها، ونبه على أمرها في القرآن والأحاديث، وقد أنزل الله سورة كاملة من السور الطوال باسم النساء (وهي سورة النساء)، وقد تحدثت السورة عن أمور هامة تتعلق بالمرأة والأسرة والدولة والمجتمع.
وفي السنن والمسند عن معاوية القشيري أنه قال (يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت) وقد جاء من هذه الأحاديث ما هو في تقبيح الضرب والتنفير عنه حديث عبدالله بن زمعة في الصحيحين قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ثم يلتقي بها في آخر الليل)
وأنزل الله سورة سمّاها باسم المرأة المجادلة عن حقوق المرأة التي يتجاهلها بعض الرجال ، وقد جسّد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكرامة بقوله وفعله فلقد كانت آخر وصاياه يوصي بالصلاة وبالنساء: "أوصيكم بالنساء خيراً".
لقد بيّن الدين الإسلامي إن البشرية كلها من طين، ولا مفاضلة بين بني البشر إلا بالتقوى، فالناس سواسية كأسنان المشط ، وان التفاضل بينهم لا يكون إلا بالتقوى وحسن الخلق.