صمت



هيفاء حيدر
2010 / 5 / 21


فيما يسمى الفردوس بالنسبة للمرأة والذي ما زال يعنى ويدل من باب الدلالة المقصودة و العصية على الأعراب في علم اللغات فالفردوس اليباب أصبح مفقودا"في تلك المملكة بدون تاج ولا عروش ،هناك حيث تكبر تنتظر التتويج ، يريدون لها أن تنسى لغة الكلام وتلوذ بصمت من ذهب ،وإن أتيح لها أن تتكلم فعليها أن لا تفكر بالكثير كي تقوله فما من وقت هناك للاستماع، لكن هنا ليس على طريقة إن كلام الملوك لا يعاد .بل على مذهب إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب .ومع تعدد المذاهب وأئمتها يختار لها أكثر المذاهب حنبلية في علم الكلام وأنسنة واقعها المشتهى لا الذي يجب أن تعيشه.
وتتعدد الأحوال التي تحتاج بها المرأة كي تتحدث و تختلف التعابير ولكن الصمت واحد ، صمت بات له قوة الضجيج المزعج يطبق على المكان ويحول المرأة الى مصغية له، تنتظره ، وترتاح لقدومه أو هكذا يترأى لها ولو من بعيد،وعندما تتعدد أحوال الوقت الذي تحتاج به للكلام و التعبير عن الكلام ، تتوه الأجوبة قبل أن يطرح السؤال عليها كيف؟ ولماذا؟
عند الحديث عنه ،عليها أن تبقى صامته وأن تتغنى بمحاسن هذا الوضع التي عليها أن تتحمله مثقلة بما يقال وبما لم يقل بعد . تعرف تماما" ما عليها أن تبرر لشريكها ما يقوم به، وفي نفس الوقت أن تبقي على صمتها المطبق فهذه حسنات ستضاف الى كفة الميزان في أخر المطاف لدنياها هذه وإذا ما تسنى لها أن تسأل عن دنياها التي تعيش فالجواب جاهز ، دون أية إضافات .
دنيا فانية يا ابنتي ،كل ما عليها فان ،
ويظل الصمت يلفها حتى ليخال لها أن يوم الدين قد إقترب، وتهدأ النفس التي ولجت عوالم كيف؟ ولماذا؟ وتعود الأمور الى رشدها بعد ساعات من التيه .
تترك المرأة نفسها وروحها تحوم كما الفراشة حول قنديل شح زيته،وتقرر أن تنسى ولو قليلا" ما تسببه الأفكار من دوران في الفراغ التي تعيشه .
من أجل أن تظل محافظة على النسيج الاجتماعي الذي نسج حول شرنقتها كما تنسج دودة القز الحرير الطبيعي ، بات هذا العالم يخصص المزيد من الوقت كي يفرز كل يوم لها المزيد من المسؤوليات التي تقع على عاتقها هي لوحدها ،عليها أن تكون حذرة على العلاقات الاجتماعية ومتى متانتها وأن تحافظ دائما"عليها من التلف أو أن يشوبها الصدأ ، عليها أن تبقى مستيقظة دائما" خوفا" على الأدوار الاجتماعية من التبدل أو التغير ولو قليلا" ، فهذه الأدوار هي الأخرى ثابتة تمتد من بداية غير معروفة تماما" الى ما لا نهاية غير معروفة هي الأخرى سوى بما يقال ويتخيل عنه في يوم الحساب الذي سوف لن تحمد عقباه لها ،على المرأة أن تبقى بعيدة عن كل هذا ، وأن تدور وتدور حول العديد من الأسئلة و تنظر في كل الاتجاهات دون أن تتقدم ولو خطوة واحدة فمكانها عليه أن يبقى ثابت لا يتغير هو الآخر ، وهذا الحال يبقى قائم في كل الأوضاع ،إن اختلف المكان بالنسبة للزمان لديها و إن اختلف الزمان و المكان سوية تجاهها ، فمخارج الأفعال واحدة كما مخارج الحروف التي تعرفها وتعرف جنسها ولونها وشكل ضحكتها، و إن تبدلت الأدوار، عليها بصمتها تجاه نفسها وعليهم بجسدها وما حوله، وما له وما عليه ،هي تنكمش على ذاتها وهم يتمددون في كل الاتجاهات حولها ، وإن أحبت السؤال عن ما يدور في هذا العالم فالصمت جاهز للجواب .
كثيرة هي الكلمات التي عليها أن تتشبث بها ، وكلمات أخرى عليها أن تمحيها من قاموس الذاكرة خوفا" من ان تستعاد يوما" وتطفو على السطح، خوفا" من الوقوع في الممنوع ،.ومن أن تمر بعض الكلمات من بين حدي مقص الناظر والمنتظر لها في صدر المملكة المتوجة على عرشها في عهود النسيان و الصمت الرتيب .
هكذا هي إذا" خلقت من أديم التراب والماء وجبلت بالهواء إكسيرا" لنفخ الروح بها،ليس عليها الخوف من السقوط ،ستتلقى الأرض قدميها ،وتعاود الكرة تلو الأخرى لتصعد من قاع الماضي السحيق وترتمي في أحضان السكينة و الهدوء التي بناهما الصمت لها وهي ما تزال تطرح السؤال بعد الآخر كيف؟ولماذا؟ وتستمع لرنات صوت وضجيج صمت يلف الكون بها ويمضي......