المرأة في بلادنا .. بين التمييز والتميز .



حامد حمودي عباس
2010 / 5 / 25

ثمة إختلاط تعمه الفوضى ، أجده واضحا حينما يصار الى البحث في سبل تحرر المرأه ، أساسه ذلك الفهم الناقص ، باعتقادي ، لماهية أن تكون المرأة في عالمنا العربي ، حرة كمثيلاتها في العالم المتمدن .. وهذا ما جعل الباب مشرعا في أغلب الحالات ، أمام أعداء هذا التحرر ، عندما يمسكون باطراف خيوط نسجها ذلك الاضطراب في السلوك ، والمتأتي من عدم الفهم المنطقي لطبيعة تحرر المرأه .

إن المناداة بمساواة المرأة بالرجل ، وفي كافة المجالات ، تبدو حمالة لعدة أوجه ، البعض منها يقف بالضد من حيثيات حقوق النساء ، حين تجري الدعوة الى إذابة جميع الفوارق الانسانية والجسدية بين الجنسين ، ودون ضوابط تحكم هذا الاجراء الصعب .. هذا لو سلمنا بان هناك الكثير من السمات الانثوية الملازمة لطبيعة المرأه ، لا يستطيع الرجل إمتلاكها ، وإلا إختفت وظيفة كل منهما وهو أمر لا يتفق وقوانين الطبيعه .

ناهيكم عن أن ذلك الاختلاف ، المندرج تحت توصيف التميز ، لا التمييز ، لا يعد مثلبة تتسبب في هضم حقوق المرأة ، بل على العكس ، فإن أي خروج عن حدود ما أقرته الطبيعة من إختلاف حميد بين الجنسين ، يعتبر إعتداء سافر على قدسية هذا الاختلاف ، ويؤدي بالضرورة لو حدث ، الى إيجاد خلل في ميزان حياة كلا الطرفين ، الرجال والنساء على حد سواء .

إن تواصلنا العاطفي ، نحن المنتمين الى العالم العربي ، حينما يحمل اختلافا من حيث الأحاسيس ، وشكل الاستجابات الحاصلة لردود افعال بعينها ، عن تلك التي تحدث في الغرب مثلا ، لا يعني بأننا نحتل حيزا متخلفا وبالمطلق في هذا المضمار .. بمعنى أكثر وضوحا ، فإن الرجل الشرقي ، قد يبدو أكثر حميمية في علاقته مع المرأة الشرقية عندما تجري مقارنة ذلك مع سواها من النساء .. وهذا مرده إلى أن ما تشيعه المرأة الشرقية من ملامح الاستجابة العاطفية للرجل ، هو أعمق من حيث التأثير لخلق تواصل تأخذ العواطف مداها الاوسع فيه .

ومن المؤسف بمكان ، فإن حالة التميز هذه ، بين الرجل والمرأة ، شابها الكثير من سوء الفهم ، بدعوى محاربة التمييز والدفاع عن حقوق النساء .. ولذا فإننا ، وفي أغلب الحالات ، عندما نعثر على امرأة ( متحرره ) ، أو أنها استطاعت ان تمتلك حريتها في الحركة والتعبير ، من خلال حصولها على فرصة الحياة في كنف المجتمعات المتطوره ، نلمح على كيانها عموما ما يذيب فيها ذلك التميز الجميل بين أن تكون امرأه ، أو أن تكون رجل يحمل خشونة الملمس والعضلات .. إذ لا أعرف سببا منطقيا على سبيل المثال لا الحصر ، لأن تعمد أغلب نسائنا من هذا النوع ، الى قص كامل شعرها لتبدو بنظرها أكثر تحررا ، وهي لا تعلم بانها وبتصرفها هذا ، قد سلبت عن كينونتها أجمل ما في المرأة من ملامح الجمال الانثوي الطبيعي ، والذي لا علاقة له بتخلف المرأة وتمييزها عن الرجل .

في حين إحتفظت العديد من الوجوه النسوية المعنية بالشأن العام ، بنظارتهن وجمالهن الطبيعي ، بما يوحي كونهن لم يفقدن ملامح الانوثة ، والتي ستظهر حتما عند عقد أي لقاء عاطفي مع ازواجهن وهن يمارسن حياتهن الخاصه .

لقد زرت في يوم من الأيام ، أحد معارفي ، وهو من المؤمنين بعبثية أي تميز قد تحمله النساء عن الرجال وبأي صورة كانت .. وبادرت فورا إلى إطلاق حواسي الطبيعية لتقييم مدى إمتلاك زوجته لواحدة من تلكم القدرات الانثوية على إجتذاب عاطفة رجل ..فلم أعثر فيها إلا على ذات الملامح الموجودة لدى زوجها من حيث الخلق والسلوك .. فكانت تتباهى في إعلانها أمامي بانها تدخن علبتي سكائر في اليوم ، وتبحث عن حلول لمشكلتها تلك ، في حين عمدت الى حلاقة كامل شعرها وبشكل جائر ، وارتدت بنطالا قصيرا ، وقميصا رماديا كالذي يرتديه عمال النظافة في الاماكن العامه .. حتى صوتها بدت نبراته فاقدة لتلك الغنة الانثوية الجميلة ، لتظهر بلا طعم ، يشوبها نشاز مقرف .

إنني حينما أحلم بحبيبتي التي كانت لي معها قصة شاعت في أوساط قريتي في باكورة الصبى ، أراها تلك الصبية الجميلة ، وقد إحمرت وجنتاها للقائي ، ولفها حياء يقطر بالحنان .. ولم أحلم بها يوما ، حينما قدر لها هي ذاتها أن تكون امرأة تمتهن تعاطي السياسه ، وتتحدث من على شاشات التلفزيون ، ولا يميزمحياها شيء يشير لكونها أنثى ، غير قرطين ناعمين حملتهما على أذنيها العاريتين ، وقد حرثت شعرها بالكامل ، لتبدو وكأنها في ساحة حرب .

من هنا ، وتأسيسا على هذه الأفكار ، والتي قد تبدو مبعثرة بعض الشيء ، فإنني أنبه مخلصا ، الى ضرورة أن تعالج قضايا حقوق المرأة ، سيما في بلادنا ، بشيء من الحكمه .. وأن لا يصار بأي حال من الأحوال ، الى صهر كافة عوامل التميز الايجابي لدى النساء في بوتقة تختلط في داخلها سمات غريبة ، سوف تؤدي في النهاية الى ضياع السبل المنطقية لخلق مجتمع ترقى فيه المرأة الى آفاق السمو .

نعم لامتلاك النساء في بلادنا لحقوقهن في العمل وإقتحام كافة معتركات الحياة دون تمييز .. نعم لتوفير كافة الاسباب المؤدية لاكتمال أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسيه لهن .. نعم لتحقيق الاهداف النبيلة في إرساء القوانين المنصفة لحقوق المرأة والطفل ، وسيادة التشريعات المدنية المتطورة ..

ولا .. لقتل ذلك التميز الرائع لدى النساء ، في كونهن مبعثا للجمال والرقة ، ومصدرا لإشاعة صور الحب ، وشحن الحياة بما يبقيها في حدودها الانسانية المثلى .