سميرة سويدان وقاضيات مصر



عدنان شيرخان
2010 / 5 / 25

يبدو ان اوضاع المراة في البلدان العربية تتقدم بالسنتمترات وتتراجع بالامتار، ولاشك ان سطوة الفكر الذكوري يقف وراء هذا التراجع. للفكر الذكوري عندنا انصار ومحاربون، كتاب ومفكرين وسياسيين يشكلون (لوبيات) وقوى ضغط ظاهرة وباطنة تعمل على الضد من تمكين المرأة من الحصول على حقوقها اسوة بالرجل، وتمنعها من الوصول الى مراكز قيادية في المجتمع، دعاة وحماة الفكر الذكوري يتحججون بتعاليم الدين الحنيف تارة، وبالتقاليد والاعراف تارة اخرى، ويرون استحالة المساواة بين نصفي المجتمع .
حملت اخبار الاسبوع الماضي حكاية المواطنة اللبنانية سميرة سويدان المتزوجة من مصري توفى العام 1994، انجبت السيدة سويدان من زوجها المصري اربعة ابناء بنتان وولدان، رفض القضاء اللبناني منحهم الجنسية اللبنانية، استنادا الى قانون سن العام 1925 يحصر منح الجنسية بالاب اللبناني دون الام.
سبق للسيدة سويدان ان حصلت على حكم ابتدائي في حزيران العام الماضي يقضي بمنح جنسيتها اللبنانية لاولادها الاربعة، ولكن رئيسة محكمة الاسئتناف القاضية ماري دنيز المعوشي اصدرت الاسبوع الماضي حكما يبطل حكم منح سويدان اولادها الجنسية.
وترفض الدولة اللبنانية منح الجنسية لابناء اللبنانيات لان القانون اللبناني يعترف برابطة الدم من جهة الاب فقط، ويرى انها من جهة الام غير كافية لمنح الجنسية، وترى الدولة ان منح الجنسية لابناء اللبنانيات المتزوجات من اجانب ( يقدرن في تقارير غير رسمية بنحو 30 ألف أمرأة) سيؤدي الى الاخلال بالتوازن الديموغرافي (المقدس)، وسيلحق ضررا كبيرا بطوائف معينة، اضافة الى فتح ملف مئات الآلاف من الفلسطينيين المقيمين والمولودين في لبنان وتوصيات القمم العربية بتجنب منحهم الجنسية حفاظا على حق العودة. خارج قصر العدالة في ضاحية المتن، اصاب الذهول وخيبة الامل والاحباط مئات اللبنانيات المتزوجات من اجانب وناشطات من المجتمع المدني، اللواتي يقدن حملة مناصرة تحت عنوان (جنسيتي حق لي ولاسرتي)، سيدة لبنانية قالت : ( كيف لا تكون رابطة الدم موجودة بيننا وبين أبناء حملناهم تسعة أشهر؟ كيف لا يحق لنا أن نمنح الجنسية، فيما نمنح الحياة؟).
وعبرت زينة ابنة السيدة سويدان عن خيبة املها بقولها ( نحن ولدنا هنا ونعيش ونعمل وندفع الضرائب هنا أيضاً، ننتج ما يفيد هذا البلد ويحرك عجلة الحياة فيه، فلم لا نُعَدّ لبنانيين؟(...) اليوم أثبتت الدولة اللبنانية، ومعها القضاء أن لا مساواة حقيقية بين المرأة والرجل في مجتمعنا ولا ديموقراطية حقيقية في ظل غياب التشريعات التي تستند فقط إلى توازنات طائفية). أما سميرة سويدان فقالت : ( الدولة عودتنا الظلم، تتذكر حقوق المرأة وتتاجر بها فقط في مواسم الانتخابات، أما باقي المواسم فتنتزع منا أبسط حقوقنا. لن استسلم وسألجأ إلى التمييز، ما حصل اليوم كان اختباراً لمدى حسن نية الدولة تجاه المرأة اللبنانية لا تجاهي فقط، وقد ثبت أن الدولة تعاملنا بدونية معيبة ومخجلة أمام الرأي العام العالمي).
اما في مصر فقد عاد الجدل بشأن تولي المرأة القضاء، بعد شهرين من حسم المحكمة الدستورية المصرية العليا بالاقرار بحق المرأة في العمل قاضية في مجلس الدولة، الرافض القوي لتعيين المرأة في مناصب قضائية.
المرأة في مصر قاضية منذ العام 2003، عندما بادر الرئيس مبارك الى تعيين السيدة تهاني الجبالي كاول قاضية في المحكمة الدستورية، وهو الامر الذي اغضب الداعين الى ابقاء القضاء المصري ذكوريا، هؤلاء يرون في تعيين الرئيس مبارك استثناء وليس توجها عاما للدولة المصرية. ويقولون ان امر تولي المرأة القضاء محسوم شرعا، لان (جمهور) علماء المسلمين يحظرون تولي المرأة منصب القضاء. وحتى وان تم تجاوز ذلك جدلا، فان من شأن تولي المرأة للقضاء الاضرار بهيبته ومكانته بين عامة الناس، الذين سيصدمون بمنظر القاضية الحامل على منصة المحكمة. وان القاضية ربما ستحتاج الى خلوات استماع تثير الشكوك والشبهات وتحرك الغرائز.
في الجانب الاخر يرى مناصرو حقوق المرأة ان الاسلام شهد وجود المفتيات والداعيات منذ زمن النبوة، وان الشريعة الاسلامية لا تمنع تولي المرأة منصب القضاء سواء في امور الولاية او كوظيفة ادارية، وان الاسلام لا يقيم دليلا على وجود فوارق بين الذكر والانثى في التفكير والعمل. اما عن الحمل والخلوات، فأن الدولة والمجتمع رضوا بالمرأة وزيرة وسفيرة ومحامية ومدعية عامة، فلماذا يتم رفض عملها بالقضاء لوحده، وما المخجل والمعيب في الحمل ؟ وما الذي سيفرق عندما تترافع محامية حامل، او تؤدي على عملها سفيرة حامل، او تتفقد قوات بلدها وزيرة دفاع حامل.
القارئ للدساتير العربية يستنتج ان تولي المناصب يستند على مبدأ المساواة بين المواطنين، لكثرة ورود عبارات ( المواطنون متساوون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي ووو ... الخ)، ولكن ستبقى جميع الدساتير حبرا على ورق ما لم تحترم بالعمل بها، وانصاف الشريك الآخر: المرأة التي تهب الحياة وتحمل العقل والحكمة وتنشر الحب والوئام في بيتها وفي مجتمعها.