هل تلزمنا سيداو ؟



عدنان شيرخان
2010 / 5 / 26

نسأل كثيرا عن معنى كلمة سيداو (Cedaw)، انها اختصار اتفاقية (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة)، وهي الاحرف الاولى للاتفاقية باللغة الانكليزية( Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination Against Women).
اتفاقية سيداو نتاج ثلاثين عاماً من جهود متواصلة قام بها مركز المرأة في الأمم المتحدة لتحسين أوضاع المرأة ونشر ثقافة حقوقها. بداية سيداو كانت العام 1967 عندما اعتمدت الجمعية العامة للامم المتحدة اعلان القضاء على التمييز ضد المرأة. وفي العام 1972 استطلعت لجنة مركز المرأة في الأمم المتحدة رأي الدول الأعضاء حول شكل ومضمون اتفاقية دولية بشأن حقوق المرأة.
باشرت اللجنة المعينة في مركز المرأة العام 1974 بصياغة اتفاقية بشأن القضاء على التمييز ضد المرأة، وظلت تعمل لسنوات، إلى أن أنهت إعداد الاتفاقية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1979، ولم تدخل حيز التنفيذ الا في العام 1981 بعد موافقة 50 دولة على التصديق عليها. تأتي أهمية اتفاقية سيداو من تمكنها وضع قضايا التمييز ضد المرأة ضمن أهداف الأمم المتحدة وأولوياتها في محاولة لاحداث تغييرات حقيقية في اوضاع المرأة حول العالم، واقترحت هذه الاتفاقية حلولا لمعالجة قضايا التمييز ضد المرأة في جميع ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومنها المساواة امام القانون ، من خلال اتخاذ التدابير الايجابية المؤقتة او ما سمي بالتمييز الايجابي (الكوتا) للتعجيل لتحقيق المساواة فعليا ولا سيما في الحياة السياسية .وضرورة اتخاذ الدول التدابير المناسبة للقضاء على الادوار النمطية للجنسين ، وعلى الممارسات النابعة من مفهوم الدولية او مفهوم التفوق لدى جنس امام الجنس الاخر .
تعد اتفاقية (سيداو) من اكثر الاتفاقيات عضوية في تاريخ الامم المتحدة، وبلغ عدد الدول التي انضمت الى الاتفاقية 191 دولة منها 18 دولة عربية، في الوقت الذي رفضت بعض الدول مثل سويسرا وأمريكا التوقيع عليها، وعللت ان بعض بنودها تتعارض مع دستور البلاد. العراق صادق على اتفاقية سيداو العام 1986، ونشرها في الجريدة الرسمية العام 1992 بعد ان تحفظ على اربعة مواد هي : المادة ـ 2 التي تتعلق بحظر التمييز في الدساتير والتشريعات، والمادة ـ 9 المتعلقة بحظر التمييز في قوانين الجنسية، كعدم اجبار الزوجة تغيير جنسيتها عند الزواج من اجنبي، وحق المرأة منح جنسيتها لاولادها اسوة بالرجل، و المادة- 16 المتعلقة بأتخاذ التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الامور الخاصة بالزواج والعلاقات العائلية . والمادة ـ 29 المتعلقة بالتحكيم بين الدول في حالة نشوب خلاف حول تفسير الاتفاقية او تطبيقها.
اتفاقية سيداو ربما تكون من اكثر الاتفاقيات اثارة للجدل، وكتب عنها وضدها الكثير، وثمة جبهة معارضة لها او للبعض من بنودها. يفيد المعارضون ان اتفاقية سيداو تصطدم مع ثوابت المجتمعات الشرقية والاسلامية الشرعية وخصوصية هذه المجتمعات الحضارية والاجتماعية والثقافية، وان سيداو في النهاية ما هي الا فرض لانماط الحياة الغربية على هذه المجتمعات ، خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة وحريتها ومساواتها المطلقة مع الرجل.
ويستمر المعارضون بشرح وجهة نظرهم بأن الامم المتحدة شجعت الحكومات في اول الامر على الانضمام الى الاتفاقية واعطتهم حق الاعتراض والتحفظ، وصورت الامر على ان الاتفاقية جاءت في شكل مبادئ عامة وان للدول الاطراف حرية تنظيم امورها التشريعية، ولكن ما ان صوتت برلمانات تلك الدول على الاتفاقية واصبحت نافذة، حتى ابتدأت مرحلة الضغط لرفع تحفظات الدول، وتقدمت الامم المتحدة لاتخاذ سلسلة من التشريعات والتدابير القانونية لتطبيق الاتفاقيات ووفقاً للمعايير الدولية.
وقد شكلت بموجب المادة 18 من الاتفاقية لجنة اسمها (لجنة سيداو) منبثقة من مركز المرأة في الامم المتحدة، مهمتها مراقبة إلتزام الدول المصادقة على سيداو، وتستلم هذه اللجنة تقارير دورية من الدول الأطراف على المستوى الرسمي الحكومي وغير الحكومي من منظمات المجتمع المدني يطلق عليه (تقارير الظل) تحتوى معلومات عن البلد الموقع على الاتفاقية، ومدى التزامه بالاتفاقية، وتوصي اللجنة باتخاذ التدابير وسن التشريعات بما يتماشى مع ما ورد بالاتفاقية من مواد. وكما يبدو فان اتفاقية سيداو اصبحت للدول التي وقعت عليها امراً ملزماً، وثمة جدل في البعض من الدول بشأن مكانة الاتفاقيات الدولية داخل التشريع الوطني، ومدى التزام القضاء بالاعتراف بهذه الاتفاقيات، خاصة في الحالات التي لاتوجد نصوص واضحة تقضي بسمو المعاهدات او الاتفاقيات الدولية المصادق عليها والمنشورة في صحفها الرسمية.
وفي حالات عديدة تدخلت (لجنة سيداو) بقوة، ففي السنوات العشر المنصرمة طالبت اللجنة الجزائر في معرض تعليقها على التعديلات المقترحة على قانون الاسرة بالغاء تعدد الزوجات. ودعت اللجنة تعقيبا على تقرير الاردن الحكومة الى اجراء تعديل دستوري لادراج المساواة على اساس الجنس في المادة 6 من الدستور، و أعربت اللجنة عن قلقها من ان القانون الاردني يمنع المرأة من السفر وحدها ، ويقر ولا يعترض على تعدد الزوجات، وطالبت بتعديل المادة 340 من قانون العقوبات التي تخفف الحكم على الرجل الذي يقتل زوجته او قريبات له يأتين الفاحشة. ورأت اللجنة ان تعيد مصر صياغة المادة 11 من الدستور المتعلقة بتمكين المرأة من التوفيق بين واجباتها نحو اسرتها وواجباتها في العمل. وطالبت بادخال (المواطنة) ضمن القانون المصري، وحثت الحكومة المصرية على مراجعة وتعديل قانون الجنسية ليتيح للمصرية المتزوجة من اجنبي منح جنسيتها لاولادها. وقالت اللجنة بضرورة تحديد سن الزواج ومنع ظاهرة الزواج المبكر في مصر.