تشتري إخلاصا... والرجال تبيع‼



كريمة مكي
2010 / 5 / 29

إعلان زواج من نوع خاص جدا ذاك الذي نشرته مجلة رؤى السعودية و الذي تداولته فيما بعد وسائل الإعلام العربية، في هذا الإعلان تتقدم مطلقة سعودية ثرية في الثلاثينات من العمر بطلب للزواج من رجل مخلص مقابل مبلغ 5 مليون ريال سعودي( ما يعادل مليارين من مليماتنا التونسية) وهي لا تمانع من أن يكون زواج مسيار.
في الحقيقة لم يفاجئني بحث هذه السيدة عن قيمة معنوية وروحية رائعة كالإخلاص فالمرأة منذ تشكل أول الوعي لديها بأنوثتها تظل تبحث عن الحب أولا عن الحنان خاصة و عن الإخلاص حتما و هي في سبيل ذلك مستعدة لمنح من تحب ليس جزء من مالها بل كل مالها و أكثر من مالها لكن هذه المليونيرة السعودية لم تنتظر أن يأتي الإخلاص كنتيجة حتمية لحالة حب قد تجمعها بشريكها مستقبلا فقررت أن تسيل لعابه بمبلغ في حجم ثروة كثمن لإخلاص محتمل! و لقد فعل نداؤها مفعول السحر فجاءتها العروض بالآلاف من عزاب و مطلقين و متزوجين ممن اكتشفوا فجأة أنهم يتوفرون على هذا الشرط السهل ظاهريا خاصة و أنها لم تعجزهم بشروط لا طاقة لهم بها كأن تشترط مثلا أن يكون الموعود بالثروة عالما في الذرة أو رائد فضاء أو حتى شاعرا كما فعلت قديما شاعرة عربية اشتهرت بمال و بجمال فاشترطت ألا تتزوج إلا ممن ينظم فيها أجمل قصيدة حب و هي من ستتولى فرز العروض! فتسابق الشعراء و غير الشعراء حتى تقاتلوا و كانت لصاحب أجمل قصيدة نهاية حزينة أرويها لكم في حديث قادم وإن نسيت فذكروني...
أما الطريف المحزن في حالة أختنا المليونيرة السعودية فهو أن عديد الزوجات كتبن لها خطابات لخطبتها لأزواجهن عسى رذاذ الثروة يرش بيوتهن ‼
كل هذا و الجميع بما فيهم الزوجات يعدون المليونيرة بكل الوفاء و الإخلاص‼
انه الطمع حين يتمكن من البشر يعمي البصر فيدوس من عماه أول ما يدوس فضيلة الوفاء و مع ذلك يصر أهل الطمع على أنهم في الوفاء عنوان. وهنا أذكركم فقط بما يأتيه تجار هذا العصر لسلب مدخرات الطمع فحين أدركوا صعوبة ضمانك كحريف في ظل المنافسات المتوحشة عمدوا إلى شراء إخلاصك بإهدائك ما أسموه –تجميلا لخبث نواياهم- بطاقات الوفاء موهمين إياك أنك تربح أكثر كلما اشتريت أكثر من عندهم طبعا دون سواهم و بذلك يكافئون إخلاصك فيبيعونك أشياء لا تحتاجها لتعطيهم مالك الذي تحتاجه فيثريهم طمعك و يفقرك دهاءهم في استثمار لعابك السائل أمامهم و إذا بك أنت الخاسر و إذا بهم و حدهم الرابحون!

أعود لإعلان الزواج هذا لأقول أنني كنت سأتعاطف مع هذه المرأة و أقول لربما ذاقت مر الغدر من زواجها الأول و هي على ثرائها عانت فقر المعاني الروحية الساحرة لذلك عرضت بعض مالها و هو كثير لمن يمن عليها بهذا العطاء الأثير لكن ما جاء في نهاية إعلانها جعلني أكتشف أن غايتها قد تكون الشهرة و قد يكون إذلال الطامعين – وهي متعة و هواية أغلب الأثرياء- أو أي شيء آخر غير البحث فعلا عن الإخلاص و إلا فما معنى عدم ممانعتها في أن يكون هذا الزواج زواج مسيار أي أنها تقبل أن يكون لهذا الزوج زوجة أخرى و أن لا يزورها هي إلا في أوقات معينة من النهار ليعاشرها معاشرة الأزواج على أن لا يبيت عندها‼
عن أي إخلاص تبحث هذه المرأة إذن و هي ترضى بمثل هذا الزواج الأشبه بالدعارة التي يسعى لتحليلها المهووسون بالجنس ليمعنوا في استباحة أجساد النساء تحت غطاء فتاوى متفقهة في شرع لا يعرفه سواهم.
إن الإخلاص الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا لشريك واحد و هو لا يتجلى في أعذب معانيه إلا إذا كان منبعه الحب و بعد ذلك تأتي بقية العناصر و أهمها على الإطلاق طبع الرجال فهناك رجال أوفياء بطبعهم و رجال خائنون و هم في هذا بإرثهم الجيني محكومون و إذا أردت أن تعرف إخلاص زوج فلتنظر لعلاقته مع من حوله فالإخلاص روحي قبل أن يكون جنسيا و المخلص لزوجته تجده مخلصا لعائلته، لأصدقائه، لمهنته، لأشيائه الصغيرة، لسيارته القديمة و حتى بل و خاصة لذكرياته الأليمة لذلك فان الزوج المخلص لم ينقرض كما يشتكي المكتوون بنار الغدر و كما قد يفهم من إعلان الزواج هذا و إذا كانت الإغراءات كبيرة و الشهوات غلابة و إذا كان الغدر هو الغالب فان الإخلاص موجود على أنه لا غالب للغدر إلا الحب!
أما الإخلاص المبني على مقابل مادي فدوامه يتهدده دوما إمكانية حصول المخلص على إغراء أكبر لذلك يظل المشتري يدفع ليدفع عنه الخيانة و المشتري يساوم حتى لا يخون
و كلاهما لا يدري كيف يهنأ لا بما أخذ و لا بما وهب.



اخترت لكم من تراث قلمي الذي سأنفض عنه الغبار قريبا في كتاب ما يلي:

" بالمال تملك من تريد و لا تملك قلبا واحد
و بالحب تملك من يحبك بدون مليم واحد"