نسائيات - 6



مريم نجمه
2010 / 6 / 5

نسائيات :
إن الحملة المحلية والعربية والعالمية لنصرة المرأة كقضية , وكشريحة إجتماعية مضطهدة , والوقوف إلى جانبها , ومعها , فمهما حملوا معهم من قصص وكتب وأدبيات وتحاليل , بشعرائهم وأدبائهم وكتابهم ومحاميهم , ومنظماتهم لا يستطيعوا أن يمسوا إلا جانباً من قضية المرأة ..,, سوى تحريك تموجات على سطح المشكلة الإنسانية العالمية الجوهرية .

هذه الكتلة البشرية – كتلة ثقل بشري ضخم , يساوي نصف المجتمع , النصف المؤثر والفاعل ومجدد الحياة ..
فأي صوت – وأي قلم سيدير ويحرّك هذا الدولاب والإنحناء التاريخي لرحى المطاحن الثقيل الذي لا تزال تديره بنفسها هي وحدها .. وجسدها وحده
بعبوديتها .. وانحنائها المزمن الطويل ..!؟

القضية هنا .., ليست قضية عاطفة , أو عطف , أو إشفاق عليها , ومعها
هذه القضية ليست قضية مؤقتة أو عابرة , أو لها مواسم وسنة محددة , أو ملحة الاّن – وليس غداً أو بعد غد –

قضية المرأة قضية عميقة , وشاسعة , وبعيدة ..
قضية جذرية , ومتشعبة , تاريخياً واقتصادياً وسياسياً .
إذا هي ثورة ابتدأت
ثورة المرأة أعلنت في القرن الجديد ولن تتوقف إلا والعالم كله قد تغير , , وستفرز الأعوام القادمة نتائج وخطوات ومعطيات جديدة مذهلة على مجتمعاتنا العربية , والمجتمع الدولي ككل . ستطرح القضايا السلبية , بما فيها القوانين التي تؤخر تقدمها بكل جرأة وتصميم ,, ويتصدى لها ويشارك فيها الرجل والمرأة بوعي وتضامن , ويعالج السلبي منها , ويعمق الإيجابي ويطور بخطوات متقدمة سريعة وثورية ..

....

إذاً هناك ,, معاناة عامة تجمع الرجل والمرأة معاً نتيجة الوضع الإقتصادي والإجتماعي والسياسي ,,,
وهناك معاناة خاصة بالمرأة , ناتجة عن العادات والتقاليد والإرث الثقيل , وظروف العمل – وغيرها –
بعض تقاليدنا الجيدة وعاداتنا الأصيلة هي جزء من الثقافة , جزء من التاريخ والحضارة , فعلينا أن نحافظ عليها ونطورها ونعززها نحو الأفضل لنكون أوفياء لتاريخنا , وشعبنا ..

فقضية المرأة ,, لها عمق بشري وتاريخي وحضاري
قدمها , قدم التجمعات البشرية نفسها على سطح الأرض ونشوء الطبقات في المجتمع الإنساني , والتطور الإقتصادي عبر التاريخ . فلا يمكن أن تحل اليوم وبشحطة قلم أو عريضة , أو قرار ,أو قانون أو كتاب وصورة ومحاضرة ,, هي القضية الأساس في كل مجتمع , هي عملية مستمرة.. نشاط دائم وفعال وعملي ويومي دون توقف , وحراك وفعاليات وإجراءات قانونية سياسية إقتصادية وفكرية .. وممارسة عملية تطبيقية من أعلى الهرم حتى الطبقات الأدنى .

هي عملية تغيير وتجديد يومي , بالبناء الفوقي الفكري والثقافي والقانوني والعلمي والإجتماعي , المدني والتربوي العملي , والبناء التحتي التنموي الإقتصادي التغييري التحديث والتطوير من سبات وأغلال وإلحاق وتشيئ ,, إلى نهوض وتقدم واستحقاق وحقوق ودور ريادي واستلام مسؤوليات من قيادة دولة .. إلى رئاسة بلدية وروضة أطفال .
.
هي عملية لا تتوقف والمجتمع , والتطور والرقي والثورة في كل الميادين , لتصبح هي الأداة , وهي الدافع الإيجابي للتحولات الديمقراطية لبناء عالم يسوده العدل والمساواة والحق لأفراد المجتمع ككل , قضية الإنسان -
إذا ,, قضيتها قضية الإنسان بشكل عام ..


قضية المرأة تسير مع تطور الوعي والنضوج الفكري والعقلي والعلمي , لأنها عملية فعل وحركة وعمل مستمر يوماً بعد يوم ودون توقف , ولا تتأثر بمواسم وسنين ومؤتمرات ومهرجانات .. وأعياد
فكما أن المرأة هي نصف المجتمع تستطيع أن تغيّر المعادلة الخطأ ,, فهي نصف الأسرة , ونصف العائلة ونصف البيت .. ورغيف الخبز .. ونسمة الحرية .. وهواء الديمقراطية .
هي الأم والأخت والزوجة والحبيبة والرفيقة والصديقة والزميلة .. هي العطاء والغذاء والأخلاق والحب .. ووعاء التربية والحديقة البيتية
بدونها لا تبنى مجتمعات ولا مدنيات ولا حضارات ..
فالعملية إذاً عملية التغيير التي أولى خطواتها من البيت , أي الأسرة – ثانياً – المدرسة ( ومناهج التربية والتعليم ) –
إلى المجتمع ومؤسساته الديمقراطية الوطنية والقوانين العصرية التي تحميها من الإستبداد والتمييز والتفرقة
ولها مقومات أساسية أهمها :
- العلم
- العمل
- المشاركة في القرار وخاصة في ضمان حقوق المرأة والنص القانوني ( تشريع القوانين وتطبيقها وتنفيذها ) .
- المشاركة في المجتمع الأهلي ( جمعيات , أحزاب , نقابات , تنظيمات , منتديات . روابط ونوادي متنوعة من كل اختصاص للتفاعل الحي والفاعل في الأحداث ) –

فالعامل الأول الذي هو العلم , أي تحصينها وحصولها على القراءة والكتابة وسلاح الوعي والمعرفة . ومحو الأمية الأبجدية - تليها تنمية الأبجدية الثقافية - وهذا العامل ضروري جداً أن تتسلح به المرأة منذ الصغر . . أي مرحلة الحضانة وروضة الأطفال , والمرحلة الإبتدائية والمتوسطة على الأقل , يجب ان تؤمن الدولة هذه المراحل بطريقة مجانية وإجبارية ليتسنى للفقير والغني أن يتسلح بسلاح العلم الذي لا يقهر , الذي ينقل الفرد والمواطن من حالة اللاوعي إلى حالة الوعي والإدراك والإنفتاح على الحياة والمجتمع والمعرفة الأولى كحد أدنى من الوعي الصحي والثقافي والعلمي والإجتماعي , حتى لا تكون أو تقع الفتاة فريسة للجهل والتخلف والأمية وألعوبة بيد الاخرين .. وصفراً على الشمال ,
وبالتالي مغلقة عقلياً واجتماعياً وثقافياً تباع وتشرى في مصيرها ومستقبلها , عوضاً أن تبنيه هي باختيارها وقناعاتها الذاتية المبنية على الوعي والفهم وتقرير المصير بحرية نتيجة امتلاكها عوامل بناء الذات الفكرية والثقافية ..
كلنا مسؤولون عن تعميق هذا الجانب وتهذيبه وصقله , وتقديمه ونقله من الأماكن والوضعية الخلفية , إلى الصفوف الأمامية ليتقدم المجتمع بهذه القدرات المغيبة والمبعدة عن ساحة الفعل والقرار والمصير الوطني والوجودي ..

أما العامل الثاني :
فيكمل باعتقادي العامل الأول , فالعمل أيضاً ضروري للمرأة . وأساس , فالعمل هو بناء شخصية المرأة – هو كيانها – واستقلاليتها الإقتصادية والبشرية ومساهمتها في دخل الأسرة وما ينعكس على نفسيتها وعقلها من تجارب وخبرات يومية مع محيط العمل , والطريق المؤدي للعمل , وبالتالي إنعكاسه على ثقافة الأسرة .
فالعمل ... , هو النافذة الثانية التي من خلالها تطل على المجتمع وحركته بعين واعية ومراقبة ومحللة وناقدة واثقة من نفسها وعطائها وأهميتها في المجتمع .
هو الشعور بالإنتماء والمشاركة بالإنتاج بالتطور بالتنمية والحراك الإجتماعي ..

هو سعادة وفرح المرأة ونشاطها وانفتاحها وتطور ذهنها وعقليتها ومداركها وخبراتها والتعلم من تجاربها اليومية ويجعلها أو يدفعها للإتصال والتفاعل مع الاّخرين والتعرف عن قرب بالأفكار والمهن ووو --- والشعور بالمشاركة والتضامن في الحقوق والواجبات ..
فهاذين العاملين هما العاملين المهمين وكفيلين بتحريرها
1 – إقتصادياً
2 – إجتماعياً
3 – ثقافياً

وهناك الحركات السياسية ومنظمات العمل المدني والأهلي والحركات السياسية والنقابية والإطلاع عليها وعلى الأفكار الجديدة والنضالات والفعاليات الجماهيرية الأخرى ,
خاصة إذا انخرطت المرأة داخل هذه التشكيلات والتجمعات الجماهيرية عن قناعة وفهم , حتماً ستؤثر وسترفع من مستواها الفكري والعملي – وتساهم في إيجاد وشق طريقا لها في الحياة العامة ومنها السياسية –
أعتقد أن الكثير من هذه الأسس متوفرة للمرأة في كثير من الأقطار – نتيجة نضالها وتصميمها هي - والمجتمعات ومشت شوطاً لا بأس به ونفتخر بالكثير من العينات والنماذج الناجحة المستنيرة والطليعية والرائدة – ولكن ولكن , يؤسفنا السواد الأعظم من نصف المجتمع في الريف والصحاري والقرى النائية والسجون والأسر والمخيمات والبطالة والجهل والفقر والكثير من أمراض مجتمعاتنا ترسف تحتها المرأة وتستعبدها بشكل أو باّخر , بحاجة إلى خطوات ديمقراطية وأجواء مفتوحة للحرية لكي تعبر هذه الفئات المهمشة والمبعدة عن كينونتها وعطاءها وأن تلعب دورها وتأخذ قسطها وحقها وفرصتها في الحياة لبناء مجتمعاتها السوية العادلة ,, وهذه مسؤولية الجميع , من مؤسسات الدولة بالدرجة الأولى , وأحزابها, والإعلام اليوم يحمل نصف هذه التبعية والمسؤولية بتسليط الضوء على هذا الهمّ النسائي والإرث الخطير , فالنعمل معاً ,, بالكلمة والصرخة والتظاهرة والحملة والمطالبة والإعتصام , أو الثناء على كل قرار ومرسوم ينصف المجتمع حتى ينصفها لأن تحرير المجتمع ككل هو تحرير للإنسان ... والمرأة معاً , هي بالتالي إنسان ومواطنة في المجتمع تتحرر بتحرره وتقدمه وتطوره ..

الوعي السياسي والتاريخي للبلد والتطور الفكري لها والجو الوطني والتحرري والنضال الطبقي في نضوجها العقلي –
هنا يأتي دور وأهمية الأدب الثوري في تهيئة وتطوير أفكارها واطلاعها المتنوع .
إذاً , عملية أو قضية المرأة قضية طويلة ومستمرة تدخل ضمن نسيج المجتمع ككل . تبدأ بتحرر المجتمع ككل .
ولما كانت المرأة هي نصف المكون الوطني , فبالضرورة يأتي تحررها وانعتاقها ووعيها وتقدمها .
فبقدر ما يكون المجتمع يسير ويتقدم نحو الإنفتاح والتحرر والتجديد والتطور الثقافي والفني والسياسي والتحرري , بقدر ما ينعكس ويجذب المرأة إلى صفوف الجماهير والناس والحركة وجسم المجتمع التي تمثله .
هنا أيضاً يأتي دور الجمعيات – والأحزاب – والنوادي – ووووو الخ

أيضاً هناك عامل اّخر وهام وأساس أيضاً في هذه العملية ( الثورة )
العامل الذاتي للمرأة ( كما الرجل ) .
ومدى إستعدادها لإكتساب المفيد والجرأة في تعلمها وخطوتها الأولى ,
فالإشكال ,, له عوامل خارجية وعوامل داخلية محلية ,, وذاتية خاصة بالشخص – كما في كل مشكلة .

فإذا لم تهتم المرأة نفسها في بناء شخصيتها وثقافتها وعلمها في بناء وتطوير عقلها وزادها الفكري والمعرفي وتقوي حسها النظري والسمعي ,
وتكون فاعلة في وسطها وبيئتها , تملك النشاط والإجتهاد والجدية والإنضباط والتنظيم والإقتصاد في سلوكها وحياتها ,
وأن تكون بعيدة عن روح الإستهلاكية والتبذير والتقليد الأعمى الذي يمحي شخصيتها وسحقها أو يمسخها , ولا يمت بأي صلة لواقعنا وأصالتنا ,
فإذا لم تصقل تجاربها وخبراتها فيبقى التقوقع والنظرة السطحية وقلة التجربة للأمور وعدم العمق في الأشياء والتحليل والنقد بعيداً عنها .
إذا عليها أن تتعب وتسهر وتعرق في عملية نحت شاقة مستمرة طويلة , مع نفسها في تغذية عقلها يومياً وبمفردات الحياة اليومية نفسها الغزيرة أمامها .. فالثقافة والتعلم لا يأتيان من فراغ
لا تأتي من النوم , من اللامبالاة , والسلبية والإستهتار وعدم الشعور بالمسؤولية والإتكالية .. ...... الثقافة تأتي من العمل اليومي ومن الممارسة الميدانية المهنية وغير المهنية . .
من القراءة .. والإحتكاك بالناس
من الشارع , حركة الشارع , من البيئة , المهنة الصنعة , بالسفر بامتداد العمر وحصيلته – بكل حركة وكلمة ومشهد وصورة ..
عندها – أي عندما سيتم كل ذلك نستطيع القول أننا خلقنا إنساناً مغايراً تماماً من النظرة التقليدية للمرأة , النظرة الدونية والنمطية , والإشفاقية !؟
عندها ,, سنحترم سنقدّر سنثمن دورها وحقها وقضيتها التي هي القضية الكبرى
قضية المجتمع ككل دون فصل بين مشكلة المرأة والرجل
فالمطلوب من المرأة مطلوب من الرجل
والمطلوب للرجل مطلوب للمرأة , أي للمجتمع ككل يتطور وينمو ويتقدم نحو الأمام .

فالمناخ والبيئة التي يتحرك فيهما الإنسان , ويعيش المؤثرات والخبرات التي يتعرض لها يوميا وفي كل ساعة في كل زاوية من زوايا المجتمع كفيلة بأن تنمي وتطور هذا المخلوق العجيب الذي هو المرأة
فيحرك الطاقات الكامنة فيها , ينعش ذاكرتها ويفتح ذهنها , فتعطي وتعطي كل جميل وجيد ومفيد

فمنذ نشوء الخليقة والمراة والرجل يتعرضان لنفس الكوارث والصعوبات والمتاعب والهموم – يعملان يدا بيد – في جميع الطروف والمناخات الجغرافية والطبيعية في كل زمان ومكان في السراء والضراء –
كانا رفيقان عاشقان زوجان حبيبان
هو ---- وهي
النواة – الواحد

سكنوا الكهوف , والمغاور , والجبال , والسهول , والغابات وشواطئ الأنهار وصعدوا معا للقمر
شكلوا القرى والتجمعات وبنوا المدن والدويلات والأمبراطوريات
اشتغلوا بالصيد والجمع والرعي والزراعة والتجارة والصناعة والحرفة
تحملوا البرد والصقيع والأمطار والثلوج وصارعوا الحيوانات المتوحشة الكاسرة والحشرات السامة
ماتوا وعاشوا – وهاجروا وسكنوا معا
تحت سقف واحد – على حصيرة واحدة
أعطت الحياة والجمال للكون
فللجنسين معا الفضل في كل هذه التراكمات والخيرات والإبداعات والثورات أمامنا وأمام الأجيال
للجنسين معا كل احترامنا واهتمامنا ومحبتنا
العالم يسير نحو الأمام
بفضل الجهود المشتركة
للكائن البشري
المرأة والرجل ........................... 1994
مريم نجمه / هولندة /

................