المرأة والمجتمع والإصلاح في اليمن - ثلاثية الصراع الأزلي



بكر أحمد
2004 / 8 / 13

كعادة كل مجتمع يتمسك بتلابيب الوهم ، تغدوا المرأة هاجسا وخطا أحمر لا يجب الاقتراب منه ، فهي ولسوء الطالع تُعتبر رمز إيجابي لمركزية الرجل الشرقي ، لذا ومن البداهة أن تصان وتحفظ في صندوق الذهب لأنها جوهرة ثمينة .

فهذا الصندوق المغلق والمخبأ مفتاحه في ذاكرة الرجل " الشهم " يحجب الضوء والهواء والشمس عن الدرة المكنونة ، وكم يشبه الواقع أمر المرأة لدينا ، فحتى يكون الرجل شريفا وذو أخلاق لا تطعن بها ، عليه أن يمارس هذا الحجب بملكيته الخاصة .

إشكالية المرأة وعلى ما يبدوا أنها لن تجد لها حلا في المنظور القريب ، كون ما يحيط بها من حرس قديم لا يمكن تفكيكه بسهولة ، فهناك أسوار من حديد ونار تحيط بها ، كما أنها هي ذاتها لم تعد قادرة على تخليص نفسها جراء الإحباط المتزايد من تعسف الرجل ونظرة المجتمع وقمع التراث الحاوي على عادات ودين ، ناهيك على الوعي المسيطر حول وظيفة المرأة التي خلقت هي من أجلها .

كعادة كل ثنائية عربية في المفاهيم ، مثل الاشتراكية والرأسمالية ، الثورة والإصلاح ، الدولة الدينية والعلمانية ، دعوني أضيف ثنائية المجتمع و المرأة فهذان الضدان في صراع دائم حول تفرد أحدهم وأخذ ما له من حقوق وبين محاولة الآخر جمح هذا التفرد بشتى الذرائع والسُبل .

كما علينا أن لا نغفل الدور السياسي الذي يقود هذه المنظومة المترهلة في الفهم ، ودعمها بشكل ضمني تارة وصريح تارة أخرى وذلك حسب التقلبات السياسية والمصالح الإقليمية والدولية ، لتصبح المرأة مجال مراهنة لتبيض الوجه والمساومة بمصيرها كورقة رابحة .

ثلاثة زاويا مهمة تحيط بالمرأة ، المجتمع والسياسة وأخير الاتجاه الإصلاحي المتمثل في الجمعيات والهيئات والمنظمات الغير حكومية والتي تسعى لتمكين المرأة اقتصاديا على اعتبار أن الاستقلال المادي خطوة أولى نحو وضع المرأة في موقف قد تكون خي أقوى مما عليه الآن ، ثم تأتي التنظيمات الحزبية السياسية المعارضة والتي ربما تستخدم ورقة المرأة كما يستخدمها النظام الحاكم في المزايدة على حقوقها بينما تظل هي في الهامش .

محاولة تكفيك الزوايا الثلاثة أمر ليس بالهين ، فارتباطهم يكاد أن يكون عضوي ومستند بشكل أو بآخر على بعضه البعض كالبنيان المرصوص ، ولكن فهم هذه العلاقة هو أمر أسهل بكثير من التفكيك .
فالمجتمع الذي هو أصلا نتيجة وليس إبداع ، قد أتى من زرع وعي مكثف قادته الآلة الإعلامية والثقافية للنظام السياسي الذي هو بالتالي يرى أن الاستجابة لرغبات ذاك المجتمع فسحه لبقائه أطول مدة ممكنة ... بمعنى ...

أن المجتمع اليمني هو مجتمع مازال يرى في الدين أهم مقوم بقائه كجنس بشري مميز عن باقي الأجناس الأخرى " الكافرة " ، وخاصة في الدين المكثف حول المرأة ، لتمتزج شوفينية الذكورة التي أشبعها الدين غرورا مع مباديء الإيمان والتقوى التي تثير في النفس شهوة المكافأة فيما بعد الموت ، ومن خلال هذا الوعي تسربت الآلة الإعلامية والثقافية للنظام السياسي الحاكم ليقوم بمقايضة هذه المفاهيم الدينية و التي تدغدغ مشاعر المجتمع حول تطبيق الشريعة الإسلامية ، في مقابل القبض على مقاليد الحكم وأيضا بأمر لا يخلى النص الديني منه أبدا .

وأمام هذه العلاقة المترابطة والمتفق عليها منذ عدة قرون ، يا ترى ماذا يستطيع أن يفعل الإصلاح سواء السياسي أو الثقافي ، وكيف يستطيع أن يجد ثغره ليدخل بها ويفكك وعي و أصالة يرفض الجميع التخلص منها ، و ما هي نتائج هذا الإصلاح على المدى البعيد مادام لا يوجد قرار سياسي يقبل أن يتخلص من استخدام الإرث مسوغا لبقائه وهذا ما هو مستبعد تحت ظل نظام قد أقسم أنه لن يتنازل عن الحكم ، وأنه في صدد استخدام كل ما هو متاح لبقائه حتى وأن كان هذا الممكن هو ضد المجتمع ذاته بكل فئاته الجنسية والطبقية .

على المرأة أن لا تراهن كثيرا على الإصلاح ، كما على الجمعيات والهيئات المشتغلة في هذا المجال أن يعلموا بأن فكرة الإصلاح ما هي إلا فكرة بليدة لا تنتج تلك المساحة الكاملة في التعامل مع هم المرأة ، ولأنه مهما كانت النتائج فعوامل الضغط الأخرى المضادة هي من ستنتصر في النهاية .

هل هذا مدعاة للتوقف عن العمل بما هو ممكن ، حتما لا أعنى هذا الشيء ، ولكن أحاول أن أضع مقاليد الأمور كما هي ، فمن يعمل تحت الأرض بحجة أن ما فوقها لا يسمح الآن ، سيبقى دائما تحت الأرض خائفا مترددا متوجسا ، ولكن حين نعمل فوق الأرض ونستخدم كل ما يمكن استخدامه من إعلام وتعليم وصحافة وإقامة محاضرات وندوات ومراكز صيفية طلابية لنشر وعي حق المرأة ، في ظل حماية سياسية قبلت أن تتخلى عن ذراعها الديني التقليدي ، فتلك هي البداية التي تبيح لنا تفكيك المجتمع لبنة تلو أخرى .

أعلى الهرم هو ما أعنيه ، والأمر كله مناط بقرار سياسي ، وهذا ما لا أراه ممكن الآن ، أما مسألة الإصلاح من الداخل فهذا يعني قتال مرير دون أي بارقة أمل ، مادام الكل قد أتفق على التكالب والتصدي .