الحزب الشيوعي العراقي وقضية تحرير المرأة



رسميه محمد
2004 / 8 / 14

لقد اهتمت الماركسية منذ البداية بقضية المرأة واعطت وجهة نظر علمية واضحة حول هذه القضية حيث ربطت حرمان المرأة من حقوقها بحرمان الطبقات المستغلة من هذه الحقوق في ظروف الانظمة الطبقية القائمة على أساس الملكية الخاصة لوسائل الانتاج كما ربطت قضية تحرر المرأة من عبوديتها بقضية تحرر الطبقة العاملة من عبودية العمل الاجير. وقد أوضح انجلز الجذور التاريخية والفلسفية لهزيمة المرأة التاريخية العالمية الكبرى, حيث كشف عن العلاقة بين الاضطهاد الجنسي والاضطهاد الاقتصادي, واوضح ان أول اضطهاد طبقي حصل في التاريخ هو اضطهاد الرجل للمرأة. ان الاضطهاد الذي وقع على المرأة كان مضاعفا, فالرجل يعاني من صاحب العمل أما المرأة فتعاني من اضطهاد صاحب العمل واضطهاد زوجها. وأكد ان تحرير المرأة لايتم ميكانيكيا بعد تحرير العمال والفلاحين أو بعد التحرير الاقتصادي, لكن التحرير الاقتصادي شرط للتحرير الانساني, وبقدر ماهو مهم أن تحصل المرأة على استقلالها الاقتصادي والمساواة في العمل, يصعب تحقيق ذلك من الناحية العملية بسبب الاعباء التي تترتب عليها من العمل المنزلي وتربية الاطفال, فضلا عن بقايا المفاهيم والنظرات المتخلفة المتأصلة في الوسط الاجتماعي والاسري المحيط بالمرأة . فالمرأة لايمكن لها التمتع بالمساواة الاجتماعية الكاملة دون أن تحصل على حقوق متساوية داخل الاسرة وفي البيت. وان هذه المساواة الحقيقية في الاسرة اذ ترتبط باوثق الارتباط بشروط المساواة المدنية والقانونية والاستقلال الاقتصادي لكنها بنفس الوقت تتأثر بالتقاليد والرواسب الاجتماعية القديمة. اضافة الى ان التغيرات التي تطرأ على البيئة العائلية تجري أبطأ من تغير العلاقات الاقتصادية. من هذا نستنتج ان الماركسية تفهم قضية المرأة لابوصفها قضية خاصة بالنساء ودرجة نضالهن من اجل المساواة في الحقوق، رغم اهمية هذا النضال وضرورته، بل ان قضية تحرير المرأة هي من وجهة نظر الماركسية جزء من التحرير العام لكل المظلومين والمضطهدين وهي بهذا المعنى لايمكن أن تتحقق الا في مجرى النضال الظافر الذي تخوضه القوى الكادحة من أجل اسقاط نظام الاستغلال وبناء مجتمع عادل لامكان فيه لاستغلال انسان لاخر. وهكذا فأن حل هذه القضية لاتطرح طرق نسائية بل ان حل هذه القضية يتم من خلال الاندماج الذي لابد منه بين الحركة النسائية والحركة العامة لجميع المضطهدين من أجل. انتصار الاشتراكية. انطلاقا من الموقف الماركسي ثبت حزبنا ومنذ تأسيسه موقفا متقدما من قضية المرأة. وقد خاض الرفيق الخالد فهد نضالا فكريا وسياسيا دؤوبا من أجل خلق موقف تقدمي من قضية المرأة على الصعيدين الحزبي والشعبي, واعتبر حركة تحرير المرأة جزءا من الحركة الديمقراطية العامة ولم يعتبرها قضية ثانوية أو مؤجلة أو انها شأن نسائي خاص لاعلاقة للقوى الديمقراطية به.وانعكس هذا الموقف في وثائف الحزب البرنامجية وفي صحافته السرية والعلنية سوية. وقد تضمن ميثافه الوطني الذي أقره الكونفرنس الحزبي الاول عام 1944 هذا الموقف في كلمات موجزة شاملة عميقة المعاني,حيث جاء فيه ( نناضل عن المراة كمواطنة ومساواتها بالرجل في الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية). ومعنى ذلك ان الحزب الشيوعي العراقي هو اول حزب في هذا البلد , دعا لمساواة المرأة بالرجل و نبذ الاراء والمفاهيم المتخلفة, التي كانت تنظر الى المراة نظرةالتمييز والاستصغار وتنكر عليهاحقوقها كعضو في المجتمع.وثبت هذا الموقف في جميع وثائق حزبنا الاساسية اللاحقة . ولم يقف حزبنا عند تشخيص الاسباب التاريخية والاجتماعية, التي أدت الى غمط حقوق المرأة وفرض أشكال من الاضطهاد والعبودية عليها, ولاعند تحديد الاهداف التي يجب أن تحقق كشرط لتحرر المرأة وحسب, بل رسم السبل والاجراءات التي من شأنها أن تؤدي الى تحقيق هذه الاهداف, وناشد جميع القوى التقدمية قي المجتمع للمساهمة كل بقسطه الخاص وبأسلوبه الخاص في النضال الرامي الى حل هذه المعضلة الاجتماعية. بقدر مايخص دور الحزب نفسه فأنه ألزم جميع اعضائه منذ تأسيسه , ولايزال يلزمهم لحد اليوم, بالعمل النشيط لتحقيق مارسمه في برنامجه وخطه العام. وقد جرى هذا النشاط عبر قنوات عديدة. وقد واصل الحزب نضاله من أجل حقوق المرأة واوضح الظروف المأساوية التي تعيشها المرأة قي ظل الدكتاتورية البائدة وفضح أساليب النظام الدكتاتوري وذهنيته المتخلفة التي أعلت الاعراف البدائية في التعامل مع المرأة وكرست دونيتها في المجتمع , حيث أشار التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر السابع للحزب الى تورط صدام حسين شخصيا في الحملة الرامية الى سلب المرأة العراقية واحدا من أهم المنجزات التي انتزعتها من العقود السابقة, بنضالها وبدعم من قوى المجتمع الحية والتقدمية , والمتمثل في تحررها من البيت وخروجها الى الحياة العامة, وذلك حين دعا في حزيران 2000 لعودتها الى البيت والبقاء والعمل فيه.وتضمن برنامج الحزبنا الشيوعي فقرات صريحة تؤكد على ضرورة تغيير القوانين بما يتناسب والغاء التمييز ضد المرأة في الحقوق السياسية والمدنية والشخصية وحماية الامومة والطفولة ونشر دور الحضانة ورياض الاطفال المجانية والغاء كل القيود التي تحد من ممارسة هذه الحقوق, ومعالجة الاثار المدمرة الاجتماعية والنفسية على المرأة والاسرة التي نجمت عن الدكتاتورية وارهابها وحروبها العدوانية. واليوم وبعد انهيار الدكتاتورية زادت مهمات الحزب وواجباته تجاه الحركة النسائية وضرورة تعزيزها واعادة بنائها وتوجيهها الوجهة الصحيحة بما يؤمن استعادتها لدورها في المجتمع والحركة السياسية. وفي مطالعة الحزب المقدمة الى لجنة صياغة مشروع قانون ادارة الدولة عبر ممثل الحزب في مجلس الحكم الرفيق سكرتير الحزب حميد مجيد موسى والتي تضمنت رؤية الحزب حول المبادئ التي رأى ضرورة أن يتضمنها قانون ادارة الدولة جرى التأكيد على ضرورة ضمان حقوق المراة ومساواتها التامة بالرجل و المصادقة على الوثائق الدولية التي تضمن مساواة المرأة واعتبارها جزءا من التشريع الوطني وعدم اقرارها شكليا وسن قوانين تتعارض معها وفي ورقة العمل المقدمة الى الموسع الحزبي النسائي العام المنعقد قبل أيام أكد الحزب ان عملنا في هذا المجال يكتسب أهمية ليس كونه مهمة حزبية فقط, بل مهمة وطنية وانسانية لتفعيل حضور المرأة في مختلف مجالات الحياة كي تساهم قي اعادة بناء البلد وحماية الطفولة وتحسين التربية الاجتماعية للجيل الجديد. واذ نحتفل نحن الشيوعيات بعيد ميلاد حزبنا السبعين فاننا نعرب عن ثقتنا ان نضال المرأة العراقية سيتسع ويتعمق أكثر فأكثر لتحقيق المزيد من النجاحات, ولكن هذا الدور المستقبلي للمرأة العراقية مرهون بخلق الظروف الوطنية والاجتماعية والسياسية المناسبة التي تفسح المجال أمامها لاستثمار طاقاتها, وتفتح الفرص أمامها من أجل مستقبل مشرق للجميع في هذا الوطن الذي يتطلع اليوم الى كل يد عاملة معطاءة ومخلصة ومنتجة , فكيف بنا نتحدث عن اكثر من نصف طاقاته البشرية ومقدراته الفكرية.,