شرفة العار



ديما احمد صالح
2010 / 6 / 23

بفرح شديد كانت منار تبتسم وتبكي وهي تراه يتقدَّم فوق كرسيّه المتحرِّك صوب الغرفة الصغيرة.
النساء والأغاني تفتح له الطريق، ودمعته مُعلَّقة بطرف ابتسامته.
وصل العتبة، أوقف الكرسي، واتكأ على حلق الباب محاولا الوقوف، امتدت يد امرأته نحوه لتساعده، لكنّه أبعدها برفق وهو ينظر إليها ويهزّ رأسه بحنان.
في ذلك اليوم رقص أمامها كصبيٍّ صغير غير مُصدِّق أيّ هِبةٍ تلك التي منحه الله إياها بعد هذا العمر الطويل؛ غير مصدِّق جسده، جسده الذي استجاب له بصورة لم يكن يتخيَّلها. وكلما همَّ بأن يتوقّف استجابة لإلحاح زوجته أمّ الأمين وزوجة ابنه نبيلة، اندفع في الرّقص أكثر وهو يرى ذلك الكرسيّ المتحرك يحدّق فيه وينتظره باسطًا ذراعيه المعدنيَّتين الباردتين أمام الباب.
بفستان عرس أبيض جلست على الّلوج، وبدا أن الزّهور البلاستيكية المحيطة بها قد امتلأت بالحياة فجأة؛ أما أمّها، فكانت تتطاير في فضاء الغرفة الضيِّق كفراشة، ولم يعد البيت سوى حقل نور.
صوت عبدالحليم حافظ، لم يكن جميلا هكذا في أيّ يوم مضى، وبدا أن والدها أبو الأمين، لم يسمعه من قبل وهو يردد تلك الأغنية كمن يغنّي للمرّة الأولى في حياته:
وحياة قلبي وأفراحه
وهناه بمساه وصباحه
ما لقيت فرحان في الدنيا
زي الفرحان بنجاحه



شرفة العار، والتي تبدأ بالرقص والأغاني بحفل تخرج منار الأبنة الوحيدة لأبو الأمين الذي يكون في غاية السعادة، وكأنه في حلم. ولا أعرف إن كانت بمحض الصدفة أم أن الكاتب "ابراهيم نصر الله" أراد أن يوصل إلينا رسالة عن طريق حلم تقليدي يفسره الجميع دائماً بأنه شر، فمنار ترتدي ثوب الزفاف الأبيض والتي تُفسر على أن صاحبة الحلم ستُصاب بمكروه ما كما هو مُتعارف عليه.
تتطرق الرواية إلى قصة ضحايا جرائم ما يسمى بالشرف حيث أن الكاتب قام بالإطلاع على تفاصيل أكثر من خمسين(جريمة شرف). قدم ابراهيم نصر لله هذه الشرفة بإسلوب سلس، جميل ومثير يجعلك لا تتخلى عن الكتاب حتى أخر صفحة حينما تشعر عندها بمذاق الدموع المالحة السائلة على وجهك لتلك النهاية المتوقعة من عنوان الكتاب والنهاية الدائمة لمثل هذه القضايا، لكن تظل وحتى أخر لحظة على أمل أن يفاجئك الكاتب بالنهاية السعيدة التي تعودنا عليها في الأفلام العربية.
فرح أبو أمين حينما رُزق بطلفته منار، وأصر على تعليمها أفضل تعليم وعلى توفير سبُل العيش الكريم لها، وهو سائق التاكسي البسيط. لكنه وجد نفسه طريح المرض و الفراش ولا يستطيع أن يرحم أبنته من معاناة المواصلات و المتطفلين وهي في طريقها إلى الجامعة، ومع الفشل المتواصل لأكبر أبنائه "أمين" في كل شيء حتى في الحصول على رخصة قيادة سيارة عمومية، ومع أنانية ابنه الأوسط عبد الرؤوف والذي لم يُقدم أي شيء لأسرته بعد تخرجه من الجامعة، بل ظل مستمر في إستغلالهم. ثم سافر إلى الأمارات وتزوج ونسي أسرته. أما الأخ الأصغر "أنور" فهو طالب في المدرسة ولا حول له ولا قوة له.
لذلك اضطر الأب أن يُعطي التاكسي إلى سائق غريب وهو "يونس"، والذي يستلم العمل على التاكسي بالإضافة إلى إيصال منار، إلا أن المشكلة تنبُع حينما يحصل أمين على الرخصة، لكنها لا يخُبر يونس، بل يستمر لفترة بالتسكع معه ليلاً، ليتعرف على الأساليب الدنيئة التي يتبعها من الذهاب إلى الملاهي الليلية، وسرقة الزبائن السكارى وغيره. وهنا يعرف أن يونس لم يكن يعطي أسرته إلا الفتات بينما كان يستمتع بخيراتهم. فيقوم أمين بالإستدانة من يونس مبلغ من المال و يُفاجئه بحصوله على الرخصة وإستغنائه عن خدماته، مما يُضاعف من حقده، ناهيك عن رفضه إعادة المال.
تتخرج منار من الجامعة في تلك الفترة وتعمل كمرشدة اجتماعية في أحد المدارس، وتكون حياتها هادئة وجميلة، فهي تعمل وتعيش قصة حب جميلة مع زميلها في الدارسة عصام.
أما أمين الأبن العاق الفاسد فلا تتوقف تصرفاته إلى هذا الحد، بل يكون له علاقة بجارته رغم أنه متزوج من أبنة خالته " نبيلة" وله طفلة، فُيفضح أمره، لذلك يضع أسرته أمام الأمر الواقع و يتزوجها. وفي نفس ليلة الزفاف، يقوم يونس بإختطاف منار وإغتصابها، انتقاماً من أمين! لتدفع منار ثمن قذارة أخيها، ويُكافئ بأمين بالزواج مرة أخرى!!
وهنا تبدأ منار رحل المعاناة، وهي التي تعمل كمرشدة اجتماعية وعليها أن تحل مشاكل الطالبات، لكن مالذي تستطيع أن تقدمه وهي لا تستطيع أن تحل مشكلتها هي!
ويتقدم عصام لطلب يد منار وهو لا يعرف مالذي جعلها تبتعد عنه، إلا أنها ترفضه بشدة مع عدم إدراك الأسرة بالكارثة التي حلًت عليهم جميعاً.
تعرف بعد ذلك الأم وأبنه الخالة ما حدث مع منار ويُحاولن أن يُقدمن يد العون لمنار، إلا أنهما تفشلان مع عدم توفر المال والجهل وضعف الحال. ويأتي بعد ذلك دور كل من أنور وأمين في معرفة ما آلم بمنار، إلا أن أنور يقف موقف عظيم ليقوم بحماية أخته من بطش أمين. و عندما يعرف أمين أنه هو السبب بكل ما حصل، يحاول أن يساعد أخته الوحيدة، لكن الطبيب يتراجع ويرفض القيام بعملية الإجهاض، ليتخلي أمين مرة أخرى عن أخته!!
حينما تظهر ملامح الحمل على جسد منار، ينتقل الخبر كالعادة من شخص لأخر وكأنه وباء مُعدي، فقد وجدوا موضوع ليتسلوا به! فيصل الوباء إلى أعمام منار، فيتدخلوا ويطالبوا الأب والأبن بأن يردوا شرف وكرامة الأسرة ويقوموا برفع الراية السوداء على باب المنزل.
يحاول أمين أن يقتل منار إلا أن الشرطة تتدخل وتأخذها من أجل حمايتها، لكن الغريب في الموضوع أن منار تًرمى في السجن مثلها مثل أي مجرمة، وتتلقى هنالك كل انواع الذل والهوان " إن وقع الجمل كثرت سكاكينه" إلى أن تضع طفلها ويؤخذ منها قبل أن تراه الشمس.
هنا يظهر عبد الرؤوف والذي قام أعمامه بإستدعائه بحجة أن والدته مريضة، ويقومون بعدها بإخباره بما حدث، ليكون القرار أن يتم إخراج منار من السجن من خلال كفيل على أن يُوفر لها عمل في الأمارات حيث لم يعد لها عيش في هذه البلد. لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث يتضح أن هذه خدعة من قبل أمين وأعمامه من خلال استدراج عبد الرؤوف ومنار إلى منزل الأسرة وهنالك وعلى منتصف الطريق، تُقتل منار مثلها مثل أي طائر وبدون رحمة لتغرق في دمائها النقية وتلقى روحها السلام.



نظر أبو الأمين إلى الأعلى يلاحق طيران ابنته، فاصطدمت عيناه بذلك البياض الغريب للراية البيضاء التي كان أخوه سالم يثبتها في تلك اللحظة فوق مظلة الباب، الراية التي راحت تخفق وتخفق وتنثر بياضها المميت حاجبة وجوه كل أولئك الذين كانوا في المكان.



يظل الكاتب خلال الراوية يتطرق إلى ذكريات أبو الأمين مع منار حينما كانت طفلة، مما يجعلك تشعر بغصة ما، لتنظر لكل طفلة حولك وتتسأل: مالذي ينتظرك حينما تكبرين؟ هل هي نهاية سعيدة أم نهاية حزينة؟ كيف ستتعاملين مع تلك الأمانة؟؟
أنتِ يا من قام المجتمع والقانون بتحميلك أمانة اسمها الشرف، فتم الربط بينك وبينها، وحرر الرجل من هذه المسؤولية! فهل الرجل لا شرف له دون المرأة؟؟ أم أنه أراد أن يُلقي ما يثقل كاهله على كتف المرأة، وليصبح الرجل بعدها بلا شرف !!
فما هو تعريف الشرف؟ وأين الشرف في جرائم ما يسمى القتل على خلفية شرف العائلة؟؟ إلى متى ستظل الضحايا تتساقط من حولنا؟ متى سيظل القانون هو الغطاء الذي يحمي الرجل ويوفر له الرخصة لسفك دماء الألاف من الأبرياء؟

رواية شرفة العار تستحق أن تُقر ككتاب يجب على كل طالب وطالبة أن يقرأه، لربما غيرت فيهم شيء ما، وأعطتنا جيل جديد يُقدر أبسط حق من حقوق الإنسان.. حق الحياة..